23 ديسمبر، 2024 5:36 ص

بوتين يجيد قواعد اللعبة . . ولكن !

بوتين يجيد قواعد اللعبة . . ولكن !

في مقال سابق حددنا اهداف روسيا من التدخل في الحرب الاهلية في سوريا  . فالهدف الاول   للسيد بوتين  هو حرصه على بقاء التواجد الروسي في البحر المتوسط .  وان الساحل السوري يوفر له  موقعا ممتازا للقواعد اللازمة لذلك .  .  والهدف الثاني رغبته في فتح جبهة جديدة لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا  جراء تدخلها في اوكرانيا وضم جزيرة القرم .
ان روسيا لا يهمها كثيرا بقاء نظام بشار الاسد بقدر ما يهمها ضمان التواجد الروسي في سوريا .  واذا ما ضمن بوتين هذا التواجد فأنه مستعد للتضحية بالنظام السوري   .  ان السياسة الروسية هذه تتعارض مع المصالح الايرانية في سوريا  والتي تحرص على بقاء نظام الاسد الذي يحقق لها مصالحها الاستراتيجية في سوريا ولبنان وكذلك في العراق  .  ومن هنا جاء تعارض السياسة الروسية مع السياسة الايرانية في سوريا .  ولكن هذا التعارض او الخلاف سوف لن يضر مرحليا بالتحالف الروسي الايراني في سوريا .  .  .  ولذلك نرى الروس  يدافعون تارة عن النظام  وتارة يرسلون اشارات باهمية المصالح الروسية في سوريا بغض النظر عن بقاء النظام من عدمه .
       ان الامريكان يدركون جيدا ان سوريا ذاهبة الى التقسيم وليس لديهم ما يمنع من بقاء الروس في الجزء الساحلي من البحر المتوسط.  .   كما لا يهمهم كثيرا بقاء الاسد من عدمه ، على خلاف الاتحاد الاوروبي الذي يعتقد ان السبب الرئيسي لهجرة السوريين الى اوروبا يعود الى نظام  الاسد  وليس بسبب الحرب الاهلية هناك .  وقد اوضحت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ذلك بصراحة عند لقائها الاخير مع الرئيس الامريكي المنتهية ولايته في برلين         اذا نظرنا الى هذه الحقائق ندرك الاسباب الكامنة وراء التذبذب في العلاقات والتصريحات بين الروس من جهة والامريكان والاوروبيين من جهة اخرى         ان الامريكان يركزون في هذه المرحلة على ان يخرج الجميع من الحرب في سوريا باتجاه لا غالب ولا مغلوب .  .  وقد عرف بوتين بالاستراتيجية الامريكية هذه ،  ولذلك نراه يندفع  تارة بحرب شرسة باتجاه حلب الشرقية  وضرب المعارضة هناك  وتارة يقدم هدنة تبدو طويلة ولكنها متقطعة لكي يضمن عدم اغضاب امريكا في اقتحام حلب من قبل القوات السورية المدعومة من الميليشيات الايرانية لاعادة السيطرة عليها بالكامل .  وعلى ما اعتقد فأن النظام السوري وحكومة طهران  قد ضاقا ذرعا بهذه السياسة .  لانهما يريدان حسم المعركة نهائيا لصالحهم .  وهم على ما يبدو قادرين على ذلك بمساعدة الطيران الروسي فقط .   . الا ان الروس لديهم اهداف مغايرة ولا يهمهم حسم معركة حلب .  انهم يرغبون بالضغط على الامريكان والاوروبيين لتخفيف العقوبات وليس لتحرير حلب من قبضة المعارضة .  بعد ان ضمنوا على الارجح  بقاء قواعدهم في الساحل السوري .   ان من مصلحتهم الان  كسب الوقت وبقاء الوضع على ما هو عليه لحين استلام الرئيس الجديد للولايات المتحدة لمنصبه في البيت الابيض ،  الذي ربما سيلبي بعض الطموحات الروسية في الجبهة الاوكرانية .  .  الا ان البقاء في سوريا  يرتب على الروس اعباءا لا قبل لهم بها  خصوصا في ظل العقوبات الامريكية والاوروبية عليهم .  
ومن هنا جاء القصف الشديد  على حلب الشرقية  وخاصة ضرب المستشفيات فيها والذي ازعج الامريكان والاوروبيين الذين لا يرغبون في تصعيد الموقف مما قد يؤدي الى احداث خلل  بالتوازنات الاقليمية والى زيادة التطرف في كل من امريكا واوروبا .  ان التطرف الاسلامي يقابله دائما تطرفا يمينيا يؤثر سلبا على السياسات  الداخلية لاوروبا  مثلما اثر ذلك على السياسة الداخلية الامريكية وكان من نتيجته فوز الخطاب الشعبوي فيهااننا نعلم بان الرئيس الروسي يتقن لعبة الحرب في سوريا .   
ولكنه اذا تمادى في استغلال ضعف الرئيس اوباما وسياسته المرتبكة في الشرق الاوسط فأن ذلك قد يؤدي الى اندفاع غير متوقع للامريكان من خلال زيادة تدخلهم في الحرب هناك وضرب قطعات النظام السوري .  مثلما حدث قبل فترة وجيزة بحجة  الخطأ فيها .   . وفي هذه الحالة فأن طاقم اوباما ربما سيورط القادم الجديد الى البيت الابيض بحرب جاهزة قد لا يحمد عقباها مع الروس  .  وعندئذ فأن العلاقة الودية الظاهرية بين بوتين وترامب سوف لا تصمد امام مصالح الولايات المتحدة الامريكية التي لا يمكن التنازل عنها من قبل اي شخص .   .   لان تلك المصالح تقف ورائها  مؤسسات  ومنظومات معقدة لا يمكن تجاهلها  .