مقدمة
اْهتم التيار البنيوي منذ نشاْتها ,بالدلالات والاْشارات التي تحتويها لغة النص ,وكيفية تحول هذه الدلالات في اللغة الى نظام لغوي واْسلوبي مختلف,واْيضا اْساليب من طرق البحث والتحليل في مستويات عديدة للخطاب الاْدبي,ومن ثم البحث عن مكامن الاْبداع في بنية اللغة الفنية والاْدبية.اْي البحث عن مجمل اْوجه كيفيات اْستخدام اللغة كنص فني.اءذا هنالك اْنجازات كبيرة وضخمة من التراث النقدي التجديدي,وكمية هائلة من طرق البحث,تضع الناقد في موقف ومسؤليات صعبة,واْهم هذه الصعوبات توجهك الى خيارات معدودة ,اْما تبني المناهج النقدية الحديثة والعمل بها,واْما البحث عن منهج جديد في القراءة الاْدبية.فقد اْخترت الخيار الثاني ,لاْعتقادي اْن كل لغة وتراث اْدبي وفكري لها خصوصيات قد تفلت من هذه المناهج ولا يمكن تطبيقها على نصوص لغة معينة,وخوفا من اْنتاج نقد سائد وتقليدي.
الركيزة الجوهرية لهذه الدراسة البحث عن طرق نقدية جديدة لتحديد مواضع الاْبداع في اللغة الشعرية الحداثوية التي تختلف عن باقي الشعر,اْي البحث عن اْنظمة لغوية شعرية جديدة مختلفة لغة وفكرا عما كتب من دراسات سابقة لتحديد نظام لغوي غير مغلق للغة الكتابة الشعرية التي نلمس فيها اْهم السمات التجديدية للشعر,وكما لاحظنا اْن اْساسيات ومبادىَ الدراسات النقدية اللغوية الجديدة في تحديد اللغة التجديدية تعتمد في نهجها على تحييد الشعر الكلاسيكي من خصائص التجديد والتاْكيد على الاْسس والنظم اللغوية الجديدة التي لا تستخدم قواعد واْساسيات الشعر الكلاسيكي (كالوزن والقافية ,الاْنماط المختلفة كالشعر الرباعي اْو الخماسي…اْلخ) ,
اْننا نحاول تحييد هذه المركزية النظرية في دراسة اللغة الشعرية والتاْكيد على اْن اللغة الشعرية التجديدية لا تثبت بقواعد نظمية ثابتة واْنما تستخدم هذه الطرق التعبيرية لخلق لغة جديدة واْن اللغة الشعرية لها مميزات فوق لغوية تمتزج فيها اللغة والدوافع الاْولية للكتابة وللتعبير الشعري,واْن دراستنا للفعل تلازم الللاتوافقي كعمل شمولي للفكر واللغة ’اْى التنظيم اللغوي والدلالات.
من خلال دراساتي للغة الشعروالبحث عن النظم اللغوي الخفي في تركيبة النص,حاولت كثيرا اْيجاد مصطلح يعبر عن البعد التراجيدي والاتوافقي في الكتابة الشعرية فلاحظت اْن مصطلح الفعل اللاتوافقي التراجيدي اْقرب بكثير من المصطلحات الاْخرى والتي باْمكانها التعبير عن حالة عدم التوافق وعدم الاْطمئنان لما يكتب والبحث عن الميل الشعري الذي يرسو بدله دائما الى رؤية الاْشياء من وجهة نظر ماْساوية ومن ثم عدم قبول الاْحداث والمعاني والاْشياء كدلالات توافقيةوالتي تعبر عن الحس والوعي الجمعي,ففعل اللاتوافق في زاوية من زواياه هو عدم الملائمة مع الكيفية التي يستخدم بها اللغة,فكان هذا المصطلح الذي يعبر بعمق عن هذه الحالات.وما تحتويها من غموض في اْدوارها وفي هيمنتها على الخطاب الاْدبي المكتوب والخطاب المباشر للاْنسان وقوتها التطويقية للكتابة الشعرية ,والسؤال الذي ظل كامنا في فكري هو سؤال يتعلق بالتنظيم اللغوي والفني والفلسفي لهذا المصطلح وقوتها في تحويل اللغة الماْلوفة اْي اللغة المكتوبة الى لغة شعرية وفنية ,واْعتقد اْن مصطلح الفعل اللاتوافقي لا تنتهي دلالاتها واْدوارها فقط في تنظيم اللغة وفي تركيبة المعنى,بل لها اْدوار خفية من الممكن اْعتبارها بعد كشفها اْدوارشمولية في لغة الكتابة توصلنا الى حد خفاء اللغة
اذا يتركز ويتلخص بحثنا هذا على الاْوجه الخفية لمصطلح الفعل اللاتوافقي واْدوارها على اْمكانية هذا المصطلح من احداث مفارقة فلسفية ولغوية وشعرية على القراءات النقدية ,وباْختصار اْشد ,التاْمل في اْمكانية الجري وراء التجديد الشعري,واْعتبار هذه المفارقة الفعلية الاْختلافية كمعيار فكري-لغوي لحداثة اللغة الشعرية وفي اْطار سطوتها التنظيمية في تحويل لغة الكتابة الى لغة شعرية مشبعة بالفكروالفلسفة وبالبنية الخفية ,ومن جانب تطبيقي امكانية اْعتبار تلك القراءات كنظام للتحول اللغوي واْبعادها المفتوحة اْبدا بوجه الاْنغلاق النظري ,
الفرق بين التجديد الشعري اْو تحديد البعد الاْبداعي لاْنواع القصائد المكتوبة في مراحل مختلفة في التاْريخ لا تكمن في اْتباع نوع من التنظيم اللغوي المحدد وعدم اْستخدامها,فقد داْبت الدراسات النقدية وبشكل عام اْستخدام اْصطلاحات الشعر الحديث,اْو الشعر الاْبداعي الحداثوي,اْو الشعر الكلاسيكي,نحن نحاول تحديد سمات الشعر الاْبداعي بغض النظر الى صفته من حيث التسمية والتحديدد ,وذلك لاْعتقادي باْن لغة الاْدب اْشمل واْوسع من اْن نحددها بالاْنواع ومن ثم تنسيب تسميات تقيمية شاملة,فحتى الشعر الكلاسيكي فيه نمط من اْنماط التجيد.ولكنه قد سبق عصره ولم يكن محط دراية ودراسة,فبقيت في طي الكتمان على مر العصور, بغض النظر اْن كانت مكتوبة قبل ظهور الشعر الذي يسمى بالشعر الحديث,لاْن مفهوم الشعر الحديث هو مفهوم اْحتكامي و سلطوي للاْدب ولا زال المفهوم بحاجة الى دراسات كثيرة فبدون اْقامة مقارنات لغوية في مفاهيم اللغة والفكر والفلسفة .من غير الممكن القناعة به .مادام الاْبداع هو اْنتاج الرؤية اللاتوافقية. واْخيرا الشعراء الذين طبقت هذا النهج النظري على نصوصهم هم ( بدر شاكر السياب ,جان دمو,عبدالوهاب البياتي ,حسين مردان,سركون بولص,خزعل الماجدي,نازك الملائكة,يحيى السماوي,عدنان الصائغ,فاضل العزاوي) ولا يعني ذلك اْن الشعراء هؤلاء هم الوحيدون في الشعر العراقي ممن اْسسو لغة لا توافقية وتراجيدية وقاموا بالتجديد الشعري بل هنالك شعراء اخرين يشاركونهم في التجديد الشعري.من الشعراء الكلاسيك وحتى الان.
المبحث الاْول
الفعل ودلالانها الشمولية في البنية الاْسلوبية للتعبير
……………………………………………
داْبت الدراسات اللغوية باْعتبار الفعل الركيزة الاْساسية لتكوين الجمل واْيضا كفعل لغوي ضمن التركيبات التنظيمية للغة الكتابة,,ودخل الفعل الى النصوص الاْدبية بالوصف هذا,وقد ركزت دراسات شكلانية وبنيوية على دراسة الفعل من حيث اْمكانية خلق الاْيقاع الموسيقي والشعري وتغطية كل مساحات اللغة من الناحية الصوتية . الا اْن الفعل له اْدوار مهمة اْخرى, بل لها هيمنة اْسلوبية وتركبية على اللغة بشكل عام من حيث المعنى والاْيقاع ولكن الجانب المهم من دلالات الفعل هو فهمه كعملية خلق جديدة بعد اْكتسابها صفة فكرية وفلسفية ,وبذلك يكتسب الفعل اْهمية فكرية وقواعدية وسيمانتيكية نذكر منها:
1-تشغل الجمل الفعلية مساحات واسعة من لغة الكتابة وبنية النصوص الدلالية,ولا نبالغ اْن قلنا ان الجمل الفعلية تغطي جميع الجمل لاي نص اْدبي,
2-نعتقد جازما باْن الجمل التي لا تحتوي من حيث القواعد على الفعل اْى الجمل الاْسمية والوصفية,تؤدي من حيث جوهرها الوظيقي دور الفعل,فعندما نقول باْن الوردة حمراء ليس الجوهر اْن نسمي وردة بلونها فقط ,بل اْن جوهر هذه الجملة الغير فعلية التغطية الفكرية لفعل التمايز.والتسمية ,اْي قمنا بتميز اْسم وصفة شىْ معين.
3-اْذا ما اْعتبرنا الجمل الاْسمية والوصفية نوع اخر من اْنواع الفعل,فمن الممكن تسمية هذه الجمل بالجمل الفعلية التي تظل مستترة,تؤدي دور الفعل دون اْن تجسد فعلا مباشرا اْو فاعلا ,ومن الممكن تسمية الافعال المباشرة باْفعال تعميمية .
4- للفعل دلالات تخرج عن قواعد اللغة وتجسد حالة جديدة للمعنى , هدفها خلق الاْيحاء اْو الاْنطباع الذهني الخفي.بهذه الصفة سوف يكون الفعل البديل التام للفعل السطحي المباشر.
5- ليس في الوجود ظاهرة او تغير او استعلام او اخبار او ا نطباع او تعبيير خال
من جوهر الفعل
6- اْن الدلالات الخفية للفعل واقعة تحت تصنيفات لغوية مكملة للفعل المباشر اْى الوضعية الاْنسانية والاْجتماعية والنفسية للاْنسان عندما يكتب ,اْي اْن الفعل بشطريه المباشر وغير المباشر يندرج ضمن الوظيفة المعنوية والجمالية والفكرية والفلسفية التي يريد تحويلها وتسويقها في لغة الكتابة,
هذه الوظائف الفقهية والتنظيمية للغة الكتابة لها مكانات خفية في فكر الاْنسان ووعيه,في اْسلوبه وكيفية تعبيره,وفي النصوص الاْدبية وخاصة النصوص الشعرية تؤدي الفعل هذه الاْدوار لخلق فكرة اللاتوافق الفعلي التراجيدي,فالفعل الفكري واللغوي عندما يكون غير توافقي ,يعني ذلك اْنه ينقطع عن التجانس والملائمة ويكون في صراع مستمر مع المفاهيم السائدة وتكتسب الفعل اللاتوافقي,ميزة جوهرية الا وهي الميزة التراجيدية للفكر,وليس من العسير اْن نقيم اْحصائا سيمانتيكيا لبنية العنى لدى الشعراء,لمعرفة حقيقة اْن كل الاْفكار والاْفعال اللاتوافقية في نصوصهم لها ميزة تراجيدية,واْن الفعل المهيمن للجملة الشعرية لدى الشعراء قاطبة هو فعل لا توافقي تراجيدي,والشىْ الذي سيبقى بحاجة للى التحليل في مستويات اْخرى للغة الكتابة وفضاءاتها اللاتوافقية التراجيدية,البحث عن بنية اللغة الخفية للمعنى بالعلاقة مع اللاتوافق التراجيدي,ومن ثم تبيان التنظيم الدلالي لبنية الفعل اللاتوافقي,وهذا ما سنبحث فيه في دراستنا هذه.
تسلسل الجمل الفعلية و وظائفها
………………………….
للكتابة بعد غير محدد, يكتسب صفته الاْستمرارية من عدم اْكنمال الجمل لاْداء وظائفها ,اْي اْن الكتابة تحتاج دائما الى دور اخر واْن الجملة وبكل قوتها البلاغية والشكلانية لاتتمكن من اْملاء الفراغ الذي تتركه خلفها الجملة الاْولى ومن بعد ذلك الجملة الثانية والثالثة..الخ ,ويعني ذلك اْن الجملة وبالرغم من تصنيفاتها القواعدية والبلاغية لها صفة الاْنفتاح الدائم اْمام خلق المعنى في عملية تسلسلية الجمل والربط المعنوي والشكلاني بينهما ,واْن الجملة مهما كانت قوتها واْداْءها وبلاغتها تبقى جمل عير مكملة للمعنى وبحاجة ماسة الى اْملاء الفراغ الذي تحدثه في المعنى,ويعني اْيضا اْن الجمل التي تؤدي اْدوار مكتملة في المعنى هي جمل تحمل في باطنها جمل مخفية اْخرى تمكنت من اْنطوائها واْنكماشها في باطنها ولياْتي القارىَ وحسب فهمه تحليله اْتمام الفراغات التي تركتها هذه الجمل بصفتها جمل شعرية, وهو يعيد صياغتها الرمزية المخفية في دواخله وفي فكره,السؤال المهم في هذه العملية هو كيف يرتب الكاتب وينسق وينطق الجمل التي تاْتي بعد الجملة الاْولية في القصيدة وكيف هي طبيعتها ونوعها من حيث التركيبة اللغوية والدلالية ؟هل من الممكن اْعتبار تسلسل الجمل في الشعرهي حالة صدفوية اْو حالة من التنسيق اللغوي الدقيق ا}ْو فعل من اْفعال اللاوعي؟ وهل تكتسب الجمل التي تاْتي بعد الجملة الاْولى صفة محددة تستنبط شكل دلالاتها من الجملة الاْولى واْخيرا الجملة بوصفها اْنتاج فعلي للكتابة والمعنى كما اْشرنا اليها سابقا هو فعل شعري اْو فعل تعبيري بحت,وما هي السمات اللغوية التي تجسد الشعر وما هو الشعر كجملة فعلية ؟
اذا ما وصفنا هذه الدراسة وتطبيقاتها على الشعر العراقي المعاصر لابد من البحث عن المحركات والدوافع الذاتية والخارجية والنفسية والاْجتماعية على اْنتاج اللغة الشعرية,وذلك لا يعني البحث عن السيرة الذاتية اْو الغوص في متاهات اْجتماعية واْيدولوجية ,بل تحديد الشعر كفعل لغوي ذاتي لا فضاء له الا النص ليجسد هذا الكائن الفاعل,اْن كل نص هو عبارة عن كيان ناطق وكيان فاعل تجسد البنية الجوهرية للكتابة ,يكتمل دلالاتها من الذات التي تحاول اْن تستبدل وجودها في نص لغوي محدود,وليس تجسيد ذاته ,كذات معممة, كما تفعل الاْدبيات الاْيدولوجية,ما يهمنا هنا التعرف على الديناميكية اللغوية التي تستقر على نطق المعنى ضمن الفعل الشعري الذي يصدمه تشابك الجمل والمعنى منذ اللحظة التي يكتب فيها الكاتب جملته الاْولية وحتى اخر سطر من كتابته,اْي تسلسل الجملة اللاْولى فيى الجمل التي تتعاقب العنوان والجملة الاْولية,والبحث عن سر تكوين المعنى من جانب اللغة الشعرية والذات المستترة في اللغة ,اْي ما الذي يعطي القوة لفكرية لللشاعر في تسلسل معانيه وما هي الصفات المشتركة في هذه اللغة وقياس مدى شعرية هذه العملية لاْنتاج الجملة الشعرية والبحث عن الدوافع المحركة التي تجبر اللغة على اْن تجسد نمطا تعبيريا معينا,يدخل في اْطار التحديد.
تشابك الفعل اللاتوافقي
………………….
البحث عن التغيرات المعنوية في متن اللغة اْو بنيتها هو بحث اْسلوبي فقهي في اللغة,يستند على ابراز المعنى والعمل على المعنى كدافع خلاق وكبنية متشابكة لها اْدوار تكميلية في اْنتاج لغة معينة, لكننا لا نسلم بهذا الواقع اللغوي الشعري بل نحاول اْن نبين حقيقة اْخرى وهي اْن فعالية الجملة واْدوارها الشعرية هي تشابكية متشتتة ,ونقصد بالتشابكية ,اْزدواجية مترابطة ومتبادلة بين التنظيم اللغوي والمعنى اللغوي بحيث يصبح من العسير التنباْ بنهاية الكتابة,وهو اْسلوب ,يتعامل به الشاعر كما يفكر وكما ينسق,ولكن الشاعر سيظل يعمل على كتابة لغوية تفلت منه الاْنماط التعبيرية التي لم يفكر بها ولم يخطط لها لا في فكره ولا في لغته لاْنه لا يعرف مسبقا بنية نصه ,هنالك حالة من الاْغماءة الذاتية للغة الكتابة وكاْن اللغة الشعرية تمتلك ذات الشاعر وتوجهها نحو اْبعاد خارجة عن السيطرة المعنوية واللغوية والشعرية,اْن اْكثر الشعر اْبداعا وخلقا اْكثرهم تشابكية مع قدرات اللغة والذات ,واْعتقد اْن الاْنظمة اللغوية وبالاْخص اْنظمة تراكيب الدلالة والمعني هي ظاهرة ذاتية تاْخذ بعدا لغويا بعد اْن يتمكن الشاعر من اْحداث اْشكاليات وتشابكات في لغة الشعر ومعانيها ليكتسب بالتالي صفة فوق طبيعية في المعنى والدلالة,هذه هي مفارقة الفعل وهي في اْصلها تشابك الذات مع الاْشياء والمعاني وتشابك العوامل الخارجية في اللغة, تعمل على تغيير مسار المعاني لتكسوها بصفات معنوية ودلالية مختلفة تماما عن نص مكتوب ضمن بنية لغوية تشبه في خلقها واْنشاءها بناية هندسية,اْن هذه اللغة هي لغة مصطنعة تقتل تمرد الذات وحرياتها في اْصدار واْنتاج الفوضى اللغوي التي تصب في خلق الاْبداع وليس الغموض اللااْبداعي للغة الشعر,التشابك اللغوي هو العمل على تغير اْدوار ومعاني وطبيعة اللغة المتعارفة عليها ضمن فكرة الاْتفاق الجمعي لكيفية اْستخدامها, اْي اْستخدام اللغة في اْبعاد توافقية للمعنى ومن ثم كيفية الاْلتزام بقواعد و اْخلاقيات ونظم اللغة في الكتابة,وما يهمنا هنا هو معرفة اْمكانية هذه المفارقة اللاتوافقية في خلق اللغة الشعرية وفي الكشف اللغوي وكيفية اْستخدامه بحيث تكون قادرة على اْحداث التشابكات الفعلية الاْختلافية على المعنى واْحداث التشابكات الذاتية لدى القارىْ,فالقارىْ المبدع يصطدم فقط مع لغة اْدبية تتمكن من اْحداث التشابك لفعلي اللاتوافقي والاْختلافي واْحداث التغيير في طبيعة اللغة والمعنى ومن ثم الشكل والاْيقاع للشعر المكتوب اْى النص الشعري.ولذلك نعني بالتشابكات الفعلية الاْشكال اللغوية التي تدخل ضمن تغير وظيفة الكلمة من حيث البعد الشعري فقط.وماتنتجها اللغة من مكونات جديدة للمعنى وما نستوحيه نحن من دلالات مخفية للجمل الفعلية.
تشابك الفعل اللاتوافقي في الجملة الشعرية
القيمة الاْسلوبية
…………………………………………..
اْن لا ترى شيئا على طبيعتها السائدة ومحاولة تجربة اللغة في اْبعاد دلالية جديدة,تعني بالضبط الاْختلاف في الرؤية ومن ثم نفي ما وصف به هذا الشىْ كفعل متفق عليه سابقا, اْي رؤية الاْشياء من بعد لا توافقي ولا يعني لك اْن كل لا توافق شعري هو توافق اْبداعي,فااللاتوافقية الاْبداعية تعني بالضبط اْنتاج لغة جديدة من خلال نص فني ,تكون قوامها التجديد المعنوي والشكلاني,اْي اْن الاْختلاف الذي لا نقصد من وراءه اْختلاف في الراْي اْو الموقف الشخصي اْو الاْيدولوجي بل نقصد اْخراج الفعل الوصفي من الاْنماط المستخدمة في اللغة اليومية , الاْستخدام التوافقي وتميزها باْشارات جديدة للتعبير ,بحيث يتمكن من اْستيعاب وتبني اْسلوب محدد للتعبير يكون اْساسا للغة شعرية,من الضروري معرفة التدفقات البنوية للاْختلاف الوصفي للفعل في هذه اللغة ومن ثم معرفة دورها في تجديدها بوصفها فعلا لاتوافقيا واختلافي المعيار في اللغة الشعرية في جميع التيارات والمدارس الشعرية,فنحن نعتبرها مقياسا للشعرية,ولا نقصد بالشعرية الميزة اللغوية والاْسلوبية فقط في بنية اللغة كشرط اْساسي لاْنتاجها.بل نقصد البعد المعنوي والموضوعي للبنية المتشتة للغة الكتابة في اللحظة التي تهيمن على نسقها وحدات متفاوتة القيمة في الدلالة والمعنى كمعيار اْسلوبي ومعنوي لتحديد الشعرية,اْي اْن الشعرية هي اللغة التي تمكنت من توحيد وحداتها المعنوية كبنية وجودية في اللغة بالرغم من تشتيت بناها السطحية, ضمن اْطار اللغة المحورية التي تنتج اْفعالا اْختلافية ونافية للاْستخدام العام في النثر, اْي الاْستخدام التوافقي,ولكن ذلك لا يعني اْبعاد وخلو الشعرية في الاْنماط التعبيرية للكتابة النثرية التوافقية ولكنها نادرة,فنحن ومن خلال هذا المعنى نعتبر جميع اْنواع النثر كبؤر من الممكن اْستيعابها وتبنيها للاْسلوب الشعري اْى اْنتاج الشعرية كقيمة كينونية ووجودية ونافية واْختلافية واْخيرا تراجيدية كيف ذلك؟
محاولة اْخراج الجملة من معناها العادي الى معاني مختلفة هو فعل اضفاء بعد جديد للمعني وليس اْنحراف المعنى وهي نندرج ضمن عملية تشابكات المعنى,ولاْن جميع الاْنماط الشعرية قد تمكنت من اْنتاج هذا الفعل فمن الضروري الوصول الى معرفة مدى مشاركة هذا الفعل في اْنتاج البعد الشعري,واْن اْنحراف اللغة ما هو الا مصطلح تعبيري عام باْمكان اْية لغة تعبيرية اْنتاجها دون وصفها بالشعرية,فكلام الشخص المصاب بالجنون هو كلام اْنحرافي ليس بمقدوره اْنتاج اللغة الشعرية,ويعني ذلك اْن البعد الاْنحرافي للغة الكتابة هو بعد معنوي وشكلاني ليس الشرط فيه اْنتاج الشعرية وبالعلاقة مع الاْسلوب الاْبداعي.
الحقل التطبيقي
……………………
الفعل اللاتوافقي كاْختلاف وصفي تراجبدي
الفعل كمفارقة اْختلافية لا توافقية في البنية الشعرية
…………………………………………………………..
ماالذي سياْتي بعد اْول جملية فعلية مباشرة للشعر؟ كل اْشكالات اللغة الشعرية تكمن في هذا السؤال المهم في التعبير المتصف بالشعرية,وذلك لاْسباب نذكرها باْختصار:
اْن وصف جملة ما بالشعرية يعني اْخراج الجملة من اللغة النثرية العامة للتعبيروتغييراْدائها ,ولكننا كما راْينا اْن النثر تمكن اللغة من تجسيد اللغة الشعرية,يعني ذلك اْن اللغة الشعرية معروفة من حيث التعبير ولكنها عاصية عن التحديد الشكلي المسبق لاْن الاْختلاف الاْسلوبي في التعبير الشعري كانت وما تزال الاْعتماد على كتابة الشعر بجمل قصيرة تتخللها التوقفات المعنوية والاْسلوبية ومن ثم تحديد اْسبابها التعبيرية في المعنى,,ولا اْعتقد اْن اللغة الشعرية تشبه في شكلها النوطات الموسيقية بحيث يكون بمستطاع اْى كاتب اْن يحركها وينتج شعرا,لاْن اللغة الشعرية ربما تصبح في هذه الحالة ميزة ذاتية لملكة اللغة وقوتها لدى شخص باْمكانه اْنتاج هذه اللغة,اْذا لا بد اْن نحد بعض من السمات الاْساسية للتعبير المتصف بالتعبير الشعري,اْو اللغة الشعرية. اْعتقد اْن اْية لغة قد تمكنت من اْحداث مفارقة فعلية معنوية ومفارقة فعلية جمالية في اللغة من اْجل اْنتاج حساسيات وجودية وبنيوية هي التي تستحق اْن تحدد كلغة شعرية,واْن اللغة الشعرية بهذا الوصف هي شكل من اْشكال اْستخدام اللغة بنمط مختلف ,اْي العمل على اْحداث فعل اْختلافي نافي في المعنى والشكل,ولكننا نرى اْن الجملة الشعرية هي اْقرب من الوصف والتميز فيما يتعلق بالشعرية وشكلها,اْن ذلك يعني اْن الجملة الشعرية هي الجملة التي تمكنت من احداث فعل تمايزي مختلف في الدلالات وتوجيهها نحو اْسلوب معين في التعبير ومن ثمة هيمنة هذه الجمل المتميزة بصفة موحدة على اللغة الشعرية,,بحيث تضفي على اللغة اْبعاد جديدة للمعنى,تجيز اْستخدام وتقبل هذه اللغة وتمهد لخلق جمل اْخرى لدى القارىْ,اْي اْن الجملة الشعرية هي فعل تحريك المعنى من النمط الاْستقراري واليومي,الى نمط اْرقى من التشكيلات الفعلية المتبعة في النثر واْنواعه اْي تحديدها كفعل لا توافقي ناف واْختلافي و تمكين اللغة من التحول من اْنتاج دلالات سطحية وتوافقية الى دلالات خفية,ترشدنا من عدم الاْستكانة الى لغة ثابتة في دلالاتها الى لغة متحولة في الدلالات,ترسم لنا وسع الخيال وتحولاته النفسية والصورية من خيالات سطحية مجسدة,اللغة التي تمكن التعبير من توسيع قدرة الجملة على خلق الفنطازيا والخرافة الذاتية,ولكن هذه الصفات هي صفات جامعة وعامة,واْن اللغة التي نوصفها بالشعرية تحتاج دائما الى التعريف و التحديد ولذلك نرى اْن هذه السمات المذكور من الممكن ضمها الى سمات عامة تشترك في رسمها و يتصف بالاْبداع اْي باللغة الشعرية المبدعة اْي اللغة الشعرية تتمكن من خلال جميع سماتها اللغوية الدلالية والشكلية اْن تحول الجملة الى ثلالاثة اْنواع من حيث تركيبتها الوظيفية وهي:
1-الفعل الاْولي السطحي المباشر للدلالات الشعرية
2- الفعل التسلسلي السطحي للدلالات الشعرية
3- الفعل الاْيحائي الاْستنباطي الخفي للدلالات الشعرية
الا اْن هذا التصنيف لا يتمكن من تحديد البعد الشعري للجملة الشعرية بمعزل عن الوصف الذي يستقر علية الفعل اللغوى اْي الجملة الفعلية الشعرية,لاْن الجملة الشعرية كما قلنا تخلف بؤرة فارغة في المعنى وبحاجة الى ملئها بجمل شعرية اخرى ,ولاْن الجمل الفعلية الشعرية لها مميزات عامة في اللغة واْن كانت غير جوهرية,كتخزين شديد للمعنى وعملية تركيز واْختصار اللغة وتحديد افاقها في التعبير,ثانيا التوقف السريع للجمل واْخفاء الروابط اللغوية المباشرة واْستخدام الروابط الغير مباشرة,واْخيرا اْستخدام الاْبعاد الرمزية والمجازية بشكل مكثف.اْذا كيف نتمكن من تحديد السمة الشعرية للجملة؟
من الممكن تحديد الجملة الشعرية بنوعين من السمات الجوهرية ليس كتحديد وكطريقة للاْتباع اْو التقليد بل طريقة لتحويل اللغة لاْحداث مفارقة فعلية في الدلالة ومن اْجل فتح افاق جديدة لقراءة الشعر نحددها ب:
1- بنية التسلسل الاْختلافي(التراجيدي النافي) للفعل اللغوي الشعري,….المفارقة التراجيدية للفعل
2- التسلسل الجمالي للبنية الفعلية الشكلانية …المفارقة الجمالية للفعل.
3- المقارنات اللغوية لتاْثيرات التسلسلين لمعرفة لحظة اْنبهار اللغة ولحظة تجديدها ,
والحالة هذه لنا الحق في قراءة اْعمال شعرية مختلفة للشعراء ومن ثم تحليلها وتحديد اْبعادها البنيوية,واْخيرا معرفة سؤالنا الذي طرحناه ,ماهو الشعر وما هو الشعر الاْبداعي,فالشطر الاْول من هذه الاْنظمة اللغوية,معرفة كيفية ترتيب وتنسيق وتسلسل الجملة الفعلية ,بعد الجملة الاْولية,وهي معرفة مدى اْمكانية هذه الجمل في اْنتاج الشعرية,ومن ثم مستوى تدفقها على اْساس بنية دلالية اْيحائية تفتح رؤيتنا بوجه ذاتنا والاْخرين ,واْيضا فهم اللغة الفنية والاْدبية لصنف من اْصناف الكتابة,واْخيرا , لمعرفة كنه وطبيعة الجمل التسلسلية لمعرفة مدى تلقيها لدلالاتنا واْفكارنا واْندهاشاتنا,ولحظاتنا المعرفية والجمالية,من التسلسل الفعلي السطحى والخفي,اْو تسلسل الجملة من حيث اْنتاج الفعل المباشر السطحي والفعل الباطني المستتر ,من الممكن تحديدها بوسائل عديدة منها البحث عن بنية اللغة الشعرية وشكلها الكتابي,ثانيا رسم الحالة الاْنسانية التي تتعلق برؤية فكرية,ثالثا الشكل الذي تستقر عليه اللغة من حيث نظمها الشكلاني والجمالي,
اْما الشطر الثاني من طريقة تحليلنا وقراءتنا للشعر,يتعلق بنوع من الجمل الشعرية التي لا تجسد بشكل دلالي عميق الرؤية والنظر ,التفكير والتاْمل,وهي واْن كانت طرقا فقهية ,ولكنها طريقة شكلانية بنيوية لمعرفة مدى ثقل الفعل على تكوين المعنى وعلى الربط الدلالي بين جمل مقاطع شعرية مختلفة ,وكاْنها ترتقي الى لغة شعرية جمالية تصدمنا بتنسيقها الفذ وترتيبها الدلالي الجمالي البحت,بحيث ننسى معها اْصل الدلالات واْصل المعني,واْيضا التسلسل الخفي لاْنتاج المعنى في لغة الشعر ,
اْما الشطر الثاني فهو محاولة تحديد التميز اللغوي من حيث شعرية المقطع الشعري ومعها محاولة معرفة كنه الاْبداع في الشعر وكبت الاْبداع فيه, وسنعتمد في دراستنا هذه اْجراء مقارنات لغوية واْتباع طريقة الاْحصاء للبنية والدلالة والتسلسل الجمالي للجملة ,
وسنبداْ نهجنا التطبيقي من خلال قراءة القصائد التي حددتها بقصائد لشعراء من العراق فقط وهم (بدر شاكر السياب , حسين مردان, جان دمو, نازك الملائكة,يحيى السماوي, عدنان الصائغ, فاضل عزاوي, عبدالوهاب البياتي) ولا يعني ذلك اْنهم الوحيدون في وصفهم بشعراء مبدعين ,بل اْن الاْختيار قد جاء كاْختيار تطبيقي وكنماذج من الشعراء ,اْنقسموا بين جيلين ومن الممكن تطبيق هذه الدراسة على قصائدهم بشكال عام .
1- التسلسل اللاتوافقي التراجيدي للفعل اللغوي الشعري,…. مفارقة فعل اللاتوافقي النافي.
……………………………………………………………………………………
لا مفر من التسليم الى حقيقة ثابتة في الشعر وكتابة الشعر بشكل عام ولدى الشعراء في كل التجارب العالمية ,وهي اْن الشعر اْذا ما جردناه من بعده الاْختلافي(كصفة فعلية تراجيدية وماْساوية) ,ومن ثم من خياله اللغوي الحزين,تفقد اْساسياتها الشعرية في الكتابة,وهذا النمط يتطلب استخدام اللغة الشعرية على وتيرة اْو ايقاع معين,وهو الاْيقاع الذي اْمتلاْ بالجدية والصرامة والوقع الكبير للمعنى,وكاْنه خطاب موجه لنخبة من الناس فقط,ممن يهمهم الجدية في الحديث والفهم,هذا النمط قد اْثر على معظم اْجيال الشعر العراقي,ومعه الشعر العربي والاْوروبى,فلغة الشعر ونمطه واْسلوبه لدى المدرسة الرومانسية والكلاسيكية قد بنيت جانب كبير منها على هذه الجدية في اْنتاج اللغة التراجيدية اللاتوافقية,,اْى التوغل في الحزن والماْساة ورؤية الاْشياء بخلاف المعنى العام ونافية للاْستخدام اليومي ,مما اْدى الى جعل اللغة الشعرية لغة تميل الى الاْسلوب التراجيدي والاْسلوب الماْساوي المختلف والنافي لدى اْكثرية الشعراء,حيث تناقلت مفاهيم(البكاء,الموت ,الحنين,الحزن,العزلة ,القبر,المقبرة,السفر والغربة,الظلام,الهوة,الاْنهيار,الاْلم,,) مغاهيم تتناقل من جيل الى جيل,وتاْخذ بعدا كونيا شموليا لكتابة شعر يتصف بميله للتاْثير على القراء من ناحية نقل الحزن والاْلم اليهم ومن ثم جعله يتقبل نمطا معينا من القراءة الشعرية التي يتلذذ بها,الا اْن مستويات واْحصائيات هذا النمط والاْسلوب تتغير من الشرق الى الغرب,وتحت تاْثير الحداثةالشعرية’وتاْثير تجديد الاْسلوب والنوع كمدارس السريالية والرمزية ,والدادائية والتعبيرية والبرناسية , ,ونلاحظ اْن الشعر العراقي وبالرغم من تاْثره بهذه المدارس وظل الاْْسلوب الشعري النمط الجدي للتعبير,والاْسلوب الاْرقى للتعبير عن المفاهيم الاْنفة الذكر,فهذا الاْسلوب الذي تحول الى اْيقاع مستقر ومعترف به اْصبح السمة الاْساسية التي يكتب به الشعر لدى كل شعراء العراق قاطبة ,نحاول في هذا المستوى من التحليل ,النظر الى حركة اللغة الشعرية من حيث ثقل هذا الاْسلوب على الاْبداع,ومن ثم البحث عن القصائد التي تتميز باْستخدام اْقل لهذا الاْسلوب وثم معرفة تاْثير ذلك على الاْبداع واْنتاج الشعرية,لتطبيق هذا الطرح على قصائد الشعراء,
يقول السياب في قصيدة( في القرية الظلماء)
الكوكب الوسنان يطفىء ناره خلف التلال
و الجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضاً لا يزال
يطفو و يرسب مثل عين لا تنام
ألقى به النجم البعيد
يا قلب ما لك لست تهدأ ساعة؟ ماذا تريد؟
النجم غاب و سوف يشرق من جديد بعد حين
و الجدول الهدار هينم ثم نام
أما الغرام دع التشوق يا فؤادي و الحنين
لفهم المفارقة الفعلية الاْختلافية والنافية لهذا المقطع الشعري سنقوم بتجزئة اللغة الى جمل في بعدها الغير اْختلافي والغير نافي,واْخيرا في بعدها المعزول عن السمة التراجيدية والماْساوية:-
الجدول يسبره الظلام
الوميظ مثل عين لا تنام
القلب لا تهداْ ساعة
النجم بعيد
النجم غاب
فؤادي يحن ويتشوق
اْن الاْفعال التي اْستخدمه الشاعر هي اْفعال مستقرة في المعنى تعمل على حبكة اْستقرار الحالة المعنوية مع حالات اْخرى للفعل,كما اْنها تنفي حالات للمعنى ضمن فكرة المعنى الاْزدواجي للوصف الفعلي,فاْذا ما فحصنا طبيعة الاْفعال الاْختلافية وتميزها كما وردناها في هذه الجمل ,نراها مهيمنة على كافة الجمل ونسقها,فاْصبح الفعل الوصفي الاْختلافي بمثابتة اْسلوب شعري له شكله المعين,ولا تخرج القصيدة عن قواعدها وحبكتها في اْنتاج المعنى,ونعني بذلك اْن وصف اْية حالة للاْشياء فيها اْمكانية على اْستخدام واْستقبال حالات غير محددة للمعنى,اْنها من طبائع الكلمة وقدراتها في التنوع المعنوي,ولكن السمة الاْساسية هنا اْستخدام الشاعر لاْسلوب معنوي محدد للفعل الاْختلافي للوصف((,فالجدول يسبره الظلام! الوميظ عين لا تنام,القلب لا تهداْ,النجم بعيد وغاب,الفؤاد غمره الحنين والشوق)) فهذا اْسلوب لاْستخدام اللغة وهي محددة الاْتجاه مسبقا في رؤية الشاعر,اْي رؤية الاْشياء من جانبها الماْساوي والتراجيدي,فكل الاْفعال الوصفية هي نافية لحالة طبيعية ومستقرة للاْشياء,اْي تجمع الفعل الوصفي في بوتقة النسق التراجيدي للتعبير واْنتاج الجملة التراجيدية اللاتوافقية,وباْعتباره يغطي مساحة واسعة من الجمل ,فاْنه يؤدي اْدوار معينة كما نبينها هنا ونبين حالة الاْختلاف والنفي من اْجل اْلاْستخدام المحدد لها:-
الجدول…..يسبره الظلام…..اْختلاف ونفي للنور,
الوميض…مثل عين لا تنام…..نافية واْختلافية لعين تنام.
القلب…… لا تهداْ ساعة….اْختلافية ونافية لقلب هادىْ.
النجم……بعيد غاب………اْختلافية ونافية لنجم قريب وظاهر.
الفؤاد……يحن ويتشوق…اْختلافية ونافية لفؤاد مستقر
وكلها جمل تنتج النسج التراجيدي.
من تسع جمل مركبة وجمل بسيطة تجاوزت الاْفعال التراجيدية الاْختلافية والنافية لحالات معينة سبع جمل متتالية,فهنالك فعلان فقط بين هذه الجمل تنفي النافية نفسها,وهما شروق النجم ونوم الجدول ,وبالرغم من وقعهما المؤثر فاْنهما الاْشراقتان اللغويتان للتعبير ,من حيث كمال الجملة ووقعها.
جميع الاْفعال تنتج الحالة القلقة والتراجيدية والماْساوية,وجميعها تجسد حالة من عدم الرضى والشكوى,وجميعها اْستخدمت من اْجل اْبعاد اْخرى للمعنى كما نبينها :-
الجدول والوميض والقلب والنجم والفؤاد هي كلمات ومسميات لها قيمتها الرومانسية والحسية والنفسية التي تمتلك ذوات الاْنسان ورؤيته,اْي اْن جميع هذه الاْفعال هي اْفعال تنتج المفارقة واللاتوافق ,تخرجنا من اْستقبالنا العادي للمعنى,اْنها كينونات لها وظائفها اْدوارها في الوقع الحسي والعاطفي للاْنسان,اْلا اْنها تغيرت من اْفعال تبعث البهجة والسلوان والحب في نفوس الاْنسان,الى اْفعال تنتج الحرمان والشوق وعدم الرضى والقلق القاتل,اْي اْنها تدهشنا وتخرجنا من طبيعتنا في فهم اللغة والمعنى,وتشتتنا بين الاْختيارات من اْجل خلق المفارقة الفعلية في رؤيتنا,هذه هي الشعرية التي تحرك اللغة من وضع مستقر الى وضع متحرك,تغير من كينونة وطبيعة المعاني وطبيعة الاْشياء بواسطة القوة البلاغية والوصفية والفعلية,فكلها سخرت من اْجل اْخراجنا عن قبولنا البسيط للاْشياء لكي نكون اْكثر حساسية واْكثر تعاطفا واْكثر شوقا وقلقا اْزاءها.اْي اْحداث المفارقة التراجيدية في نفوسنا,ولهذ جاءت الجملة الشعرية غزيرة ومتشعبة,
في قصيدة(مرثية الى الظلام) تقول نازك الملائكة :
لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ
وانتهى اليومُ الغريبُ
ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ
وغدًا تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوبُ
عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ
وإِذا ما لمستْهُ شفتايا
لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا
لم تجد حتى بقايا
انتهى اليومُ الغريبُ
انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ
وبكتْ حتى حماقاتي التي سمّيتُها
ذكرياتي
في جملها نستمد قوة تراجيدية وماْساوية تسبر اْعماقنا وكاْنها تريد اْن تلصق السويداء والظلمة في النفوس,نلاحظ ومن الجملة الاْولى باْنها تحاول تقديم وصف وتسمية للاْشياء بسمة تراجيدية وماْساوية عميقة,فلنصنف هذا البعد التراجيدي للاْقعال التصادمية الاْختلافية في هذا المقطع:
الظلمة…..لاحت
الاْفق….سحيق
اليوم…غريب,,,,اْنتهى
اْصداءه…..مضت
الغد والحياة…تمضيان
شفة…..ظماْى
في الكوب…لم تجد لذة
الذكريات…لم تيقى
اليوم…غريب..اْنتهى
الذنوب… واْنتحبت…اْنتهى
حماقاتي…بكت
لانجد في كل تلك الاْنواع من الوصف والتسميات العديدة في القصيدة جمل تنافرية مع النسق المعنوي ومن حيث التكوين المعنوي والنسق الشكلي للمعنى,اْن القصيدة تنتج وبغزارة البعد التراجيدي والغير طبيعي للوصف ولتحديد الحالات,فلا تنافر ولا اْصطدام رجعي للمعنى,هذه البنية الاْسلوبية هيمنت على هذه اللغة وعلى رؤية الشاعرة فما كان منها الا اْن تستمر في حبكتها اللغوية والاْسلوبية باْتجاه خلق بعد ماْساوي للكلمة,ففي 11 جملة مركبة وفردية ,هنالك 11 جملة كاملة من حيث المعنى,مغطاة بسمة تراجيدية واْختلافية بارزة .ونكاد لا نرى جملة واحدة مستقلة عن هذا البعد التراجيدي والاْختلافي اللاتوافقي في هذا المقطع,وجميع الجمل الفعلية والوصفية والتشبيهية والخبرية,تعبر عن مركزية للفكر وتحاورية في الاْختلاف,وتشابكية في رؤية الاْشياء,ونافية للتوافق تمضيان للاْبعاد التي نتعامل معها في حياتنا الاْدبية,مثل(الظلمة. سحيق, غريب, اْنتهى, مضت, ظماْى, لم تجد. لم تيقى, غريب. ْنتهى,
اْنتحبت, اْنتهى, الذنوب, ْنتحبت, اْنتهى, بكت),جميع هذه الكلمات تجمع بينهما علاقات ترابطية عميقة في صفاتها وتكوينها المعنوي,فهي تعبر عن حالات عدم الاْستقرار ورؤية الاْشياء من الجانب الدرامي والتراجيدي ,فالشاعرة لها خيارات عديدة لتحديد ماهية الكلمة والخيارات مفتوحة اْمامها لتحديد نوعية الشكل التنسيقي والتنظيمي للكلمات,ببعد واحد اْواْبعاد متنوعة من المعنى التكوينى لها وفي اْستخداماتها في التعبير الشعري ,فمثلا كيف نصف الظلمة ؟اْو الاْفق؟ من المكن وصف اْو تحديد الكلمات بخيارات عديدة للتعبير ولتكوين الجملة مثل:
الظلمة…تشبه البحار,التي تغني,,الناعمة,,المتورقة…الشفافة…الخ
الاْفق…الراقص..الاْبيض…السكران…الولهان…الجميل..المتورد…الخ
هذه فرضيات تعبيرية تبين اْلاْمكانية الهائلة لدى الاْنسان الشاعر من رؤية الاْشياء في حالات واْوضاع مختلفة,والى صياغة الجمل باْبعاد مختلفة الى ما لانهاية,بغض النظر عن الحقيقة التي نتعامل معها وهي اْن كل مقطع شعري,اْم قصيدة ما,اْنما تعبر عن فكرة اْجمالية لبنية المعنى,لتغطية المعنى الخفي لها.اْى اْن تكوين الكلمات واْختيارها تقع تحت طائلة رؤية الشاعر للاْشياء ,وهي عبارة عن فهم الاْشياء وكيفية التعبير عن العلاقات فيما بينها.
ويكتب الشاعر عدنان الصائغ في قصيدته(العبور الى المنفى)
أنينُ القطارِ يثيرُ شجنَ الأنفاقْ
هادراً على سكةِ الذكرياتِ الطويلة
وأنا مسمّرٌ إلى النافذةِ
بنصفِ قلب
تاركاً نصفَهَ الآخرَ على الطاولة
يلعبُ البوكرَ مع فتاةٍ حسيرةِ الفخذين
تسألني بألمٍ وذهول
لماذا أصابعي متهرئة
كخشب التوابيت المستهلكة
وعجولة كأنها تخشى ألاّ تمسك شيئاً
فأحدّثها عن الوطن
واللافتات
والاستعمار
وأمجاد الأمة
جوهر البعد الدلالي في هذا المقطع يتواجد في الكلمات والجمل الاْخيرة(فاْحدثها عن الوطن,واللافتات,والاْستعمار,واْمجاد الاْمة) فهي تنتج كل الاْفعال النافية والتراجيدية للجملة الفعلية,اْعتقد اْن هذه السطور فيها خروج عن هيمنة وسلطة البعد الاْختلافي والتنافري للفعل التراجيدي,اْنها مهدت السبيل للشاعر في تصوير عالم ذاتي متهرىْ ,وواقع اْنساني ماْساوي,فهي تظل محايدة في بنية المعنى وتسند جميع تاْثيراتها التراجيدية والاْختلافية للجمل التي تسبقه,اْن هذا النمط من التعبير الشعري هو نمط سائد في الشعر العراقي والاْوروبي بشكل عام,عندما يكدس الاشاعر جملة من الاْوضاع والحالات التراجيدية,اْو المعيشية اْو النفسية اْو حالات اْنبهارية وذاتية,يبقي القارىْ مرتبطا بتطور المعنى وينتظر اْنتهاء المعنى لهذه الاْوضاع ,ففي الجمل الاْخيرة تكون المفارقة قوية على نفس القارىْ عندما يقراْ جملة اْعطت كل قوتها للجمل السابقة وكاْن وضيفتها تركز على توفير جو اْنشراحي واْنتعاشي للقارىْ بدفعه للاْستشعار بالمفارقة و بجمل من الممكن وصفها بجمل محايدة اْزاء الفعل الاْختلافي,وفي المقطع هذا جاءت كل الاْفعال التراجيدية الاْختلافية واْنتهت مع هذه الكلمات والجمل ,كما نبينها هنا:-
القطار……..يئن
الاْنفاق……لها اْشجان
الذكريات….سكة طويلة
اْنا…….بنصف قلب
اْنا……نصف قلبي فوق الطاولة
فتاة…..حسيرة الفخذين
الفتاة…تساْل باْلم وذهول
اْصابعي…..متهرئة
الخشب….توابيت مستهلكة
عجولة…كاْنها تخشى
عجولة…لا تمسك شيئا
من المستغرب اْن نجد 11 جملة شعرية تراجيدية ولاتوافقية من اْصل 14 جملة شعرية,اْنها عبارة عن رؤية الاْشياء من الجانب الذي يقسو علينا ويدعونا لمشاركته في الاْحساس باللحظات التي لا يكون الاْنسان في وضع غير ماْساوي وغير تراجيدي وغير طبيعي,اْنها اْوضاع لا يحس الاْنسان فيها برؤية تتخللها التفاؤل والاْطمئنان,بل تنتج وباْسهاب لحظات من القلق الدائم والتراجيديا المفتوحة دائما على الاْلم والندم.فكل هذه الجمل والكلمات تجمع بينهما صلات دلالية بنيوية توجه الشعر الى منحى معين ,موحدة الرؤية والفكرة,((يئن,اْشجان طويل,نصف قلب,حسيرة الفخذين,اْلم ,ذهول,توابيت,مستهلكة,متهرئة,تخشى,لا تمسك شيئا,,,) كلها اْفعال تخرج الاْشياء والاْحساس,والرؤية والذات من طورها الطبيعي,
في قصيدته(العاصية) يقول حسين مردان:
” أظلم أنواع العذاب انتقال الشهوة من العصب الى الرأس … “
يا ابنة النار واللظى والضرام ِ
قد سرى الحب صارخا في عظامي
فالصقي صدرك الكبير بصدري
ودعينا في نشوة الأحلام ِ
أنت مسكينة ٌ لقد خدّروها
بحديث الخيال والأوهام ِ
نحن إن لفـّـنا الردى واحتوانا
بين أحضانه ظلام الرّجام ِ
لن تعود الحياة يوما إلينا
بعد أن يعبث البـِلى بالعظام ِ
بداْ مقطعه الشعري بفعل حسي بايوفيزكي وهو( اْنتقال الشهوة من العصب الى الراْس) اْنه فعل مفارقة ديناميكية وخبر تخيري.تعبر عن حركة الغريزة لدى الاْنسان,الا اْنها اْظلم اْنواع العذاب! من البديهي اْن العذاب هنا هو عذاب وجودي وخلقي اْكثر منه عذابا فعليا ,اْنه يتطلب فعل له قوة التحيد كما اْنه بحاجة ملحة لفعل الفعل,نقصد من وراء ذلك اْن هذه الجملة لم تحتمل موقفا فعليا معينا بل اْصبحت الجملة التي جاءت تمتدد الى جميع الجمل الاْخرى لتجسيدها كمعنى ترابطي للتعبير وللبنية الدلالية,فهي جملة جامعة,لها القدرة على خلق الجمل ,فاْتت الجمل الاْخرى كتفصيلات فعلية من الوصف والبلاغة والتسمية وهي تنسج علاقات بنيوية مع هذه الجملة ,فجاءت القصيدة خارجة عن التنظيم السائد الذي اْشرنا اليه سابقا عندما تتوالى الجمل الاْولية للشعر لتعبر عن كينونتها المعنوية في الضربة الفعلية الاْندهاشية الاْخيرة للشعر,وحسبها كسابقاتها التي اْحتوت على صدمات حسية تراجيدية كما نبينها هنا فاْنها تعبر عن حالات تراجيدية اْكثر من اْحتوائها على اللحظات السعيدة للاْنسان ولهذا اْصبحت القصيدة مليئة بالجمل الفعلية التراجيدية كم نبينها هنا:
العذاب….اْظلمه
اْبنة…..النار واللظىوالضرام
الحب….سرى صارخا
اْنت …..مسكينة خدروها
الحديث…خيال واْوهام
نحن ….لفنا الردى
احظانه…فيها ظلام الرجام
الحياة…..لن تعود اْلينا
البلى…يعبث بالعظام
كسابقاتها من الاْمثلة المتقدمة اْحتوى المقطع على تسع جمل بسيطة ومركبة تعبر جميعها عن حالات سوداوية وتراجيدية للذات الغير مطمئنة في وجودها وحالاتها النفسية والعقلية ,فلم يكن بالاْمكان اْستحظار هذه الحالات النفسية دون اللجوء الى كلمات وتسميات ووصوفات لها قيمة تراجيدية وماْساوية,ليكون الشعر هذه التشابكات الفعلية الاْختلافية كونها تحتاج دائما الى اْن تكون لها جمل مضادة من حيث تركيبتها المعنوية والدلالية ولتكون في الاْخير بنية للشعر توجه المعنى الى وجهة دلالية معينة.
وفي قصيدته (الناجي) يقول سركون بولص :-
الناجي
قاموسُ الندى، مُعجَمُ الأنداء الساقطة
عبرَ الأفق المجَمَّرِعلى وجهي: أنا قَيلولة ذاتي.
أنا ظهيرةُ أيّامي. أنا لستُ سوى هذه الصفحة المحترقة بنظرتي.
الريحُ وحُنجرتي: أنا من يُنادي بين سارية المستقبل، وراية
الماضي.
أنا العَبدُ. أنا العاجز، بعُكّازينِ تحتَ إبطيَّ أعرجُ نحو المنتهى
يتبعني الموتُ بأرجُلِ عنزةٍ سوداء.
يتركز سركون على تقديم الذات المختلف عن صورها المتعددة,النفسية العقلية والفكرية واْيضا الفلسفية,فالذات هنا هي في حالة تفعيلية ,وبما اْن الفعل الذاتي في وصفها اللاتوافقي هي في الاْساس بحث تاْملي وفلسفي ,فقد جاء الاْختلاف كعبارة شعرية وصفية تعبر عن حللات نفسية وغقلية وفلسفية تراجيدية,داهمت الوصف كسيل من الاْستغراب النفسي,اْنها تشبه صدمة ذاتية وكقراءة ذاتية لما نكون وما سنكون,وما كنا,الذات التي تتشطر في الزمان وتمنع صورة وصفية محددة للذات,فكيف يرى الذات؟
1-الاْنداء……(.كرمزلعلاقة الذات بالزمن ) …..تسقط
2-الاْفق……..مجمر
3-اْنا ………صفحة محترقة
4-اْنا ………اْنادي بين المستقبل والماضي
5-اْنا سارية…….ينادي بالاْنتهاء
6-اْنا …….العبد
7-اْنا ……..العاجز
8-اْنا………اْبطىْ
9-اْنا ……اْعرج
10- اْنا…..يتبعني الموت.
كما نلاحظ ,جاءت اللغة كمساحة مفتوحة اْما التدفق التراجيدي للعبارات الشعرية’الذات الضائعة المشلولة,الذات المسافر بين الحقب والاْزمنة,الذات القلقة العاجزة .الذات التي تنادي باْنتهاء كل ما يربطها بالزمن والمكان وكاْنه يرمز الى الريح اْو الماء,لا تمتلك قوة البقاء اْمام سيل من الاْختلافات في الرؤية مع ما تالفنا معه وما نعيش فيه وما نفكر فيه,ودعوة للاْنتهاء والموت المحتم التي لا تراجع فيه ولا تردد.تمكن الشاعر من خلال هذه البنية المعنوية الفلسفية والفكرية التعبير عن حالة القنوط ,فكل الاْفعال الشعرية تترابط مع البعد التراجيدي .
يكتب الشاعر خزعل الماجدي في قصيدة( ما جدواي….!)
ما جدوى يدي
إذا لم تستطع منع الكارثةِ؟
ما جدوى كتبي
إذا كانت صامتةً إلى هذا الحد؟
ما جدواي
إذا لم استطع إعادة ولدي؟
ماجدوانا ؟
يتكاثر في أعماقنا الوجع بلا حدود
ويتصاعد أنيننا مع الصلوات
شوكٌ يملأ أفواهنا
وسمٌّ يجري في دمنا
عربات الميّتين تجري في شوارعنا
ومواكب النادبات لا تنتهي
وغصون يابسة تتكسر في أكبادنا
العصافير تضحكُ منا
والكلاب تنبح علينا
وعيون القطط تعاتبنا وتقول: متى تشبعون من الموت؟
يتمازج الشعر مع اْظلم واْحلك لحظات التراجيديا.وبالرغم من الجانب التعنيفي الكبيرالذي ينتجه اْلتراجيديا,ظل الشاعر في لغته ينطق شعرا وليس سردا نثريا تختفي فيه الفعل الشعري . واْن اْكثر الحالات التي تنتج القلق والاْلم الدفين,تجسد بنمط من اللغة وهو الشعر. نعني بذلك اْن الشعر كلغة وجودية ذاتية فيها قوة هائلة لاْنتاج شتى اْنواع الخطابات,واْن الخطاب الشعري وفي النهاية هو الذي سيملي الحالات الذهنية القلقة بشكل لغوي مختلف وباْسلوب لغوي تمتاز بصفة تعبيرية تسمى بالشعرية ,ولذلك لم تؤثر على لغة الشاعر معايشة اللحظة الدراماتيكية التراجيدية في لحظة الكتابة اْلا وهي تطفو فوق مساحة من اللغة والفكر لصالح التعبير الشعري,وبعدها ساد الفعل الشعري كقيمة اْختلافية للكتابة الشعرية .فلنحلل البعد التراجيدي للفعل في هذا المقطع:-
اليد,,,,لا جدوى منه… اليد ….لا تستطيع منع الكارثة….الكتب….لا جدوى لها….الكتب ..صامتة الى حد كبير….هو…لا جدوى له,,هو لم يعد ولده,,,اْعماقنا …تتكاثر فيه الوجع..الوجع …بلا حدود…نحن..,يتصاعد اْنينا,,,اْفواهنا …مليْ بالاْشواك….دمنا يجري فيه السم….عربات…للميتين…..المواكب…للنادبات… المواكب لاتنتهي….الغصن…يابسة…اْكبادنا…تنكسر فيه الغصن ….نحن …تضحك منا العصافير…نحن …تنبح الكلاب علينا….نحن ..تعاتبنا عيون القطط…نحن …لانشبع من الموت.
من المستغرب اْن نقف على عشرين جملة اْختلافية تراجيدية للفعل في سبعة عشر سطرا وجمل اْقل من ذلك بكثير,,غطت مساحة اللغة الاْختلافية التراجيديا حتى فضاءات الفكر والذهن خارج اللغة المكتوبة,فجاءت اللغة عاجزة عن تحمل المزيد من هذه الاْفعال حيث تكاد اللغة تهرب من شدة الوقع التراجيدي في ذات الشاعر,,والجملة التي تحافظ على القوة التعبيرية للشعر وتمنع اللغة من الاْنزلاق الى خطاب يومي هي اْستخدام جملة(ما جدوى) فهي جملة تستوعب كافة الاْنماط والحالات الذهنية لحظة اْنتاج الفعل التراجيدي والماْساوي,وتنتج الشعرية بسلاسة وبغزارة,في اْطار السؤال الكبير ماذا نفعل هنا وكيف لنا اْن نكون اْنسانا,وما جدوى وجودنا,ونحن غارقون في حياة ماْلمة لاْن الاْنسان لم يبلغ بعد الى معرفة وجوده ولذلك فهو اْنسان يميل دائما الى تفريغ المعاني الاْنسانية والطبيعية لوجوده.
وهذا ما دفع بالشاعر الى تجسيد كلمات تراجيدية عميقة الوقع على اللغة من اْجل الحفاظ على التعبير الشعري والحفاظ على البعد الجمالي لهذه اللغة ,مثل(الكارثة, صامتة, الوجع, اْنيننا, الاْشواك, السم,اْلميتين, اْلنادبات, يابسة, الموت…الخ)
ويقول عبدالوهاب البياتي في قصيدة (عن موت طائر البحر)
في زمن المنشورات السرية
في مدن الثورات المغدورة
جيفارا العاشق في صفحات الكتب المشبوهة
يثوي مغموراً بالثلج و بالأزهار الورقية
قالت و ارتشفت فنجان القهوة في نهم
سقط الفنجان لقاع البئر المهجور
رأيت نوارس بحر الروم تعود
لترحل نحو مدار السرطان
و نحو الأنهار الأبعد
في أعمدة الصحف الصفراء
يبيع الجزارون لحوم الشعراء المنفيين
العّرافة قالت هذا زمن سقطت فيه الكتب
المشبوهة
و الفلسفة الجوفاء
دكاكين الواقين
طيورٌ ميتة
فتعالي نمارس موت طيور البحر الأخرى
فوق سرير الحب الممنوع
إنتحب في صمت فالليل طويلٌ
بالرغم من سعة فضاء الفراغات الموضوعية التي هي بحاجة الى التاْمل والاْنحناءة الذهنية,ظلت لغة الشعر تبث النفس التراجيدي في الجمل وتهيمن بشكل واسع على الدلالات الشعرية,وكاْنها متلازمة متقارنة للمعنى ,والتي بواسطتها يتمكن الشاعر من الحفاظ على الاْسلوب التوافقي لكتابة الشعر,ولتثبيت فكرة الفعل التراجيدي الاْختلافي,ليحول لغة الشعر الى نوعين من الاْسلوب الشعري,اْولا اْحداث المفارقة الفعلية التراجيدية,ثانيا توازي الفعل الوصفي الحيادي اْزاء الفعل التراجيدي الاْختلافي,فهي اْفعال من الممكن وصفها باْفعال توافقية وغير توافقية في بنية المعنى ودلالاتها,ومن الممكن ملاحطة كثرة هذه الاْفعال الحيادية للوصف في لغة الشعر ,الا اْننا وفي هذه المرحلة الاْولية من تحليلنا سنكتفي بتحديد الاْفعال الاْختلافية التراجيدية اللاتوافقية فقط حيث نحدد نسبة هذه الاْفعال فقط في هذا المقطع الشعري:-
منشورات…..سرية
ثورات….مغدورة
الكتب….المشبوهة
حيفارا….يثوي مغمورا
الفنجان….سقطت
البئر…مهجور
الاْنهار…الاْبعد
الصحف….صفراء
الشعراء….يباع لحومهم
الشعراء…منفيين
الزمن…سقطت فيه الكتب
الكتب…..مشبوهة
الفلسفة …..جوفاء
طيور…..ميتة
نحن…نمارس موت الطيور
البحر….الاْخرى
الحب….ممنزع
اْنا ….اْنتحي
الليل…طويل
كما نلاحظ ,ففي 19 سطرا,هنالك 19 جملة تعبر عن فعل تراجيدي اْختلافي غير توافقي,اْنها اْفعال لا تتوافق مع معرفتنا اوقبولنا العادي والماْلوف للاْشياء والحالات الاْنسانية,فجاءت كتعبير لاْفعال لا تلائم وتراثنا الذاتي والاْجتماغي في رؤية هذه الاْشياء ون وجهة نظر غير توافقية اْي اْختلافية,ويعني ذلك اْن لغة الشعر قد اْنقسمت بين نوعين من الفعل كتعبير وصفي,وهيمنت الاْفعال التي تعبر عن الحالة اللاتوافية والحالات تراجيدية للذات,فجاء الوصف الفعلي ,اْو الفعل الوصفي كترجمة رؤيوية لبعد مهيمن في المعنى.من اْجل الحفاظ على حبكة معنوية ذات بعد واحد في التعبير الشعري.
اْما الشاعر يحيى السماوي ,فيكتب في قصيدته(اْذلني حبي) :-
أذلّني حبي …
وجرحيَ الممتدُّ من جدائل النخل
إلى أرغفة الشعب ِ…
أذلّني حبي …
وحينما حاصرني البغاةُ ذات ليلة ٍ
عبرتُ سورَ الوطن ِالمعشوق ِ
زادي قلقي
وكوثري رعبي..
طوّفتُ في حرائق ِ الشرق ِ
وفي حدائق ِ الغرب ِ
وليس من صبح ٍ ومن صحب ِ
إلآ بقايا من رماد الدار ِ
من طين الفراتين على ثوبي..
اْن الحالة الموضوعية لهذا المقطع هي الحالة التي تعبر عن تجذير تراجيدي للاْنسان في اْرضه ومن ثم الحنين لها,بالطبع فاْن هذه الحالة هي حالة تراجيدية للاْنسان,وربما حالة تعثر واْنكسار في العيش في التاْملات الجمالية للفكر,الا اْن هذه الحالة وجدت نفسها في فضاء ذاتي ملئها الاْلم والماْساة واْن لغتها هي لغة غارقة في البعد التراجيدي,وتبقى الحالة الجمالية للذات ممتدة بين قضبان الاْلم والحنين,يعني ذلك اْن البعد الجمالي للشعر من الممكن التعبير عنها في فضاء قاس وتراجيدي,وليس فقط في حالات انشراحية وتلذذية من وجهة النظر التي تقول اْن التلذذ بالاْلم هو تلذذ غير جمالي,فلنحلل هذا النفس التراجيدي للفعل الاْختلافي كمفارقة نافية بين الفعل الوصفي التراجيدي
حبي…اْذلني
جرحي …ممتد
اْنا….حاصرني البغاة
الوطن…..مسور
زادي….قلقي
كوثري….رعبي
طوفت….في حرائق
الصبح…لا وجود له
الصحب…لا وجود لهم
الدار….اْصبح رمادا
الاْنسان الذي يحب يعيش كضحية لحبه,من هذا الفهم الاْولي يكتب الشاعر يوميات اْنسان لا مكان له ولا اْصدقاء ,وحيد في حياته وتنقلاته,يعني ذلك اْن الشاعر كان في داخله ميل لتصوير حالته كحالة تراجيدية ولا توافقية في كتابته,فهو يقتفي اْثر رجع الصدى النفسي لعزلة ذاتية قاسية ,ملئها الحنين الى المكان الاْولي,الذي جعله وبعد تركه اْنسانا يحس بالذلة وكره النفس,اْنها اْحاسيس سائدة ومستمرة كاْلم يدوم ,نقصد بذلك اْن اللغة الشعرية ومنذ السطر الاْول اْختيرت لتصبح لغة لا توافقية واْختلافية,فهي تخالف التعود والرضى والاْطمئنان,لا نجد في عباراتها اشارات متينة عن حالة الاْستقرار والتوافق,بل توغلت القصيدة في تجسيد عمق الاْلم لدى الشاعر,
يكتب الشاعر جان دمو في قصيدة( ساطع كصلاة صباحية )
النافذة مفتوحة ،
القلب مفتوح ،
السماء ، أيضا ، مفتوحة .
وهناك ، في مكان ما بعيدا ، تدور حرب .
حرب الكل ضد الكل .
حرب اللا أحد ضد لا أحد .
حرب اللاحرب .
أنسحقُ تحت وطأة الالغاز .
وأمام هذا الغسق الذي لم يعد
فاتنا كما كان ، تبحثُ ملائكة ذاكرتي عن الأرج الذي كان
يلعنها مرة .
نافذة موصدة :
قلب موصد ،
سماء موصدة :
هذه هي مخلفات الصيف .
افاق واسعة من الاْماكن والاْزمنة ظلت مفتوحة لاْستقبال الاْنشراح الذاتي والاْستقبال الجمالي للاْشياء ولكننا نصتدم بحدث الاْنسان وبقدرته الكبيرة على توجيه الاْحداث والاْشياء الى اْسواْ ما كان,اْن عبارة نحو الاْسواْ وليس نحو الاْحسن,كما ترجمتها هذه القصيدة هي في الاْساس اْختيار المؤثرات التي تجعلنا اْن نرى الاْشياء من وجهة نظر مختلفة وغير توافقية مع الذاكرة التي قد اختارت اْن تنسى وتتعايش مع حياتها وكاْن شيئا لم يحدث,فجاءت لغة الشعر غير محايدة في اْختيار الطرح الموضوعي,بل توغلت في منحى ماْساوي واْختلافي,ولذلك هيمنت لغة عدم التوافق مع ما الفنا العيش معها على الفكر والتاْمل,وربما الاْختلاف الجوهري في هذه اللغة الشعرية مع ما وردناه تكمن في محاصرة التراجيديا الاْختلافية في اْطار بعد تعبيري ممتد للغة الكتابة والاْبتعاد عن الجملة المباشرة,اْي اْن الفعل التراجيدي الاْختلافي قد اْصبحت اْفعال تعبيرية ورمزية بكثافة لم ناْلف معها بسهولة وهذا هو الاْختلاف,فلنبين الاْفعال التي تعبر عن هذا البعد الاْختلافي التراجيدي :
المكان…بعيد….المكان اْختلافي ونافية وغير توافقية مع القرب,
المكان…تدور الحرب فيه الحرب….المكان غير مظماْنة وامنة نافية للاْستقرار
الكل ضد الكل ………..الكل اْختلافي مع الكل مع الكل
الحرب…لا اْحد ضد لا اْحد…..غير توافقية مع حرب منهجي
الحرب …اللاحرب …..اْختلافية ونافية لحرب مبرر
الحرب…اْنسحق…….الحرب اْختلافي مع معاني النصر والتقديس
الحرب …له اْلغاز…..غير توافقي مع حرب معروفة الاْسباب
الغسق…. لم يعود …نافية واْختلافية مع اْستمرار بزوغه
الاْرج…كان ولم يبقى….نافية لبقاء الاْرج
ذاكرتي…يلعن…..اْختلافية وتوافقية لاْستقبال المكان
نافذة…موصدة….اْختلافية وغير توافقية مع النافذة التي تفتح
.القلب…..موصد……نافية وغير توافقية مع قلب مفتوح ومنشرح
سماء,,,,موصدة….. نافية وغير توافقية مع السماء التي تظل دائما مفتوحة
وبواسطة هذه التعابير الاْختلافية واللاتوافقية تنتج القصيدة معاني اْخرى وتخلق كلمات مبطنة وخفية اْخرى,كالوصف الفعلي المحدد للحرب,فاْن القصيدة تنتج معاني العبث والفوضى وعدم الرضى عن حياة تسيرها اْحداث ووقائع لا مبرر لها اْطلاقا.