18 ديسمبر، 2024 9:32 م

بنية الأمة في الإسلام:التأسيس والعناصر

بنية الأمة في الإسلام:التأسيس والعناصر

أشرنا الى اختلال بنية مفهموم الامة في النسق الخاص لتأسيسها في القرآن حيث أسس القرآن مفهوم الأمة على(جماعة تحمل رسالة اخلاقية مقدسة) فربط الجماعة بالرسالة الأخلاقية المقدسة وجودا ودواما فأسس كلية الوجود على جزئية الاخلاق وهذا خلاف الواقع وهويشبه رفع فيل بريشة لأن الامم تنشأها ظروف تاريخية موضوعية معقدة اجتماعية اقتصادية سياسية ثم تتبرعم لها رسالة قد تكون خاصة أوعامة لكن في اطارنسبية القيم فقد تتغير هذه الرسالة حسب ظروف البقاء وجدلية العلاقة مع الآخروهوديدن الامم الحية لأنه قانون الحياة ومن يفهم هذا القانون يدرك أن التعارض مع الدين ومقدساته يتسع اتساع الافق الفكري ومن المحسوم أن الوصول الى درجة النضج الفكري والفلسفي يضع الفرد في مشكلة حقيقية مع الإيمان.
مررنا سابقا بالمعنى اللغوي للأمة وتعدد معاني هذا المصطلح في القرآن والآن نأخذ المعنى الإصطلاحي وبداية تأسيس معنى الأمة من خلال وثيقة المدينة.
التعريف الاصطلاحي للأمة:
الأمة مجموعة من الأفراد، يشعرون أنهم متحدون تربطهم صلات مادية ومعنوية وتجمع بينهم الرغبة المشتركة في العيش معا. فالرابطة بين الفرد والأمة رابطة نفسية تنشأ نتيجة العديد من العناصر المتداخلة المعقدة مثل الجنس، واللغـة، والدين، والتاريخ، والمصالح المشتركة التي تؤدي إلى زيادة الروابط بينهم.(1). الأمة من خلال بنود «الوثيقـة»:نصّ الوثيقة:قال ابن هشام : قال ابن إسحاق :وكتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم على دينهم وأموالهم ،وشرط لهم واشترط عليهم: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمدٍ النبي، بأنّ المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنّهم أمّة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على رِبعتهم ( حالهم، من وردوا المدينة ) يتعاقلون بينهم، ويفْدون عانيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عَوْف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وينو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وإنّ المؤمنين لا يتركون مفرجاً ( المثقل بالديْن والعيال ) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإنّ المؤمنين المتّقين على من بغى منهم، وابتغى دسيعة ( كبيرة ) ظلم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين. وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو ولد أحدهم، ولا يَقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا يُنصر كافر على مؤمن، وإنّ الله واحد يجير عليهم أدناهم.وإنّ المؤمنين بعضهم مولى بعض، دون الناس. وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإنّ سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلاّ على سواء وعدل بينهم.وإنّ كلّ غازية غزت معنا، تعقب بعضها بعضاً، وإنّ المؤمنين يبؤُ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإنّ المؤمنين المتّقين على أحسن هدى وأقومه، وإنّه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن، وإنّه من اعتبط مؤمناً قتلاً على بيّنة فإنّه قَوَد به، إلاّ أن يرضى وليّ المقتول، وإنّ المؤمنين عليه كافّة، ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه، وإنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ( مجرماً )، ولا يؤويه، وإنّه من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. وأنّكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإنّ بني عوف أمّة مع المؤمنين، ليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يُوتغ ( يهلك ) إلاّ نفسه، وأهل بيته. وإنّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف. إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وإنّ جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. وإنّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ البر دون الإثم. وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم. وإنّ بطانة يهود كأنفسهم.
وإنّه لا يخرج منهم أحد إلَّا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنّه لا ينحجز على ثار جرح، وإنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، وإلاّ من ظلم، وإنّ الله على أبرِّ هذا.
وإنّ على اليهود نفقاته، وعلى المسلمين نفقاتهم، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وإنّه لم يأثم امرؤ بحليفة، وإنّ النصر للمظلوم، وإنّ يهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وإنّه لا تُجَار حرمة إلاّ بإذن أهلها، وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حديث أو اشتجار يخاف فساده، فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّ الله على من اتّقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وأنّه لا تُجَار قريش ولا من نصرها. وإنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه، وإنّهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإنّه لهم على المؤمنين، إلَّا من حارب في الدّين. على كلّ أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحيين من أهل هذه الصحيفة، لا سكيب كاسب إلاّ على نفسه، وإنّ الله على اصدق ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وإنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنّه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلاّ من ظلم أو أثم، وإنّ الله جار لمن برّ واتّقى).(2).ويعرف نزار عبد اللطيف الأمة من وجهة نظر الإسلام بقوله:
هـي كيان اجتماعي سياسي، تقوم على أساس الفكر والعقيدة لا على أساس الدم أو على أسس بيولوجية، لا تحدها لغة أو جـنس أو وطن، ولا تصادر الأفكار والعقائد الأخرى،بل لها من الرحابة ما تستوعب بـه العناصر الأخرى دون صهر أو تذويب، قابلة للتوسع والتقلص تبعا لعدد من ينضم إليها أو يتركها باختياره.(3).
وهذاما يؤكد استنتاجنا بأن الأمة في الإسلام قائمة على اساس العقيدة ونطاق العقيدة الدينية-في أي دين-هو الغيب والغيب كبنية ميتافيزيقية فوق قدرة العقل البشري وخارج طاقته غير أن تلك الغيبيات بمجرد نزولها على أرض الواقع واتصال العقل البشري بها تفتقد خاصيتها الغيبية اللاتصورية بإخضاعها للعقل وتصوره إياها لذلك فكل مافي العقيدة قائم على إدراك عقلي تصوري بل المعرفة كلها تصورية ولأنها كذلك فهي تخضع لتعدد مناحي النظر في الإدراك والفهم والتفسيروهذا يعني الإختلاف الحتمي فكيف نستطيع أن نبني امة على عقيدة غيبيية مجالها عالم الممكنات المحض بدون أن تتمزق في بحور الإختلاف الفكري !؟
والواقع ينبأ بالصدق أنها تمزقت شر ممزق.
للحديث بقية. 
…………………………………………………….

1-حلمي، محمود، نظام الحكم الإسلامي، مقارنا بالنظم المعاصرة، ط2 (دار الفكر العربي، 1973م) ص 13.
2-أخرجه -بهذا الطول – ابن هشام 3/31 ،وابن كثير في النهاية 3/224،وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/238.كلهم عن ابن إسحاق دون ذكر سند.
3-نزار عبد اللطيف، الأمة والدولة في سياسة النبي والخلفاء الراشدين، ط1 (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1987م) ص 131-133.