يحشر العمل السياسي الفاشل أحياناً نفسه حشراً بين “مزدوجين” أو بين خيارين ليس للطرف الآخر أمامه من خيار سوى الرضوخ للطرف الضاغط في دراما سياسيّة دامية سوداء أو مواجهة هذه القوّة المتسلّطة بأقسى نتائجها , وهو ما وصلت إليه السياسة “السعوديّة” تجاه سوريّا عبّرت عنها تصريحات قادة المملكة هذه وارتفعت حدّتها في الآونة الأخيرة علناً هذه المرّة وبشكل ضربت فيه بعرض الحائط خدمتها للحرمين , استبدلتها بعد اليأس من تحقيق النتائج العسكريّة المرجوّة , وبصمت بعيداً عن أعين مئات الملايين من المسلمون الغافلون النائمون الخامدون الجاهلون , انتهت بهزيمة منكرة لقوى “الشعب” السوري كما يزعم ويصفها باستمرار لإغراق أذن المواطن العربي “الجزيرة العربيّة” والّتي تبدّدت في منطقة “القصير” عندما كانت تشارك المملكة دولة قطر الملفّ السوري بالإعلان هذه المرّة عن تزويد “الشعب السوري” ممثّلةً بقادته “المعارضون” بجميع أنواع الدعم .. أسلحة وأموال .. ودبلوماسيّة ..
مشروع الشرق الأوسط الجديد الّذي تبنّته أميركا كشرط لهيمنتها على العالم طيلة القرن الواحد والعشرين يمرّ بمرحلة النزع الاخير .. وسبب انهياره بعد أن قطع أشواطاً لا بأس بها في ليبيا وتونس ومصر واليمن ومن قبلهنّ العراق دخول “الربيع العربي” نفق سوريّا وانحشاره بين جدرانه الضيّقة وانسداد منفذ خروجه عليها رغم محاولات أميركا وحلفائها في انتشاله بفتح النفق من طرفه السوري بكلّ الوسائل ..
مشروع “القرن” الأميركي هذا أعدّ له جيّداً من قبل الولايات المتّحدة منذ انهيار الاتّحاد السوفييتي واستمرّ الاعداد له أكثر من 50 عاماً أي قبل وبعد السقوط السوفييتي علاوة على وضع لمساته الأولى في عهد الرئيس الأميركي الأسبق كارتر بداية سبعينيّات القرن الماضي بوشر به بخطوات محسوبة بعد إنشاء “قوّة التدخّل السريع” كردّ فعل أبان حرب الأيّام العشرة من رمضان “الطابع الديني واضح على صبغ تلك الحرب بصبغة رمضان فيما لو أخذنا بعين الاعتبار على من وصفها على أنّها حرب تحريك لا حرب تحرير !” كأوّل خطوة تطبيقيّة من جانب الغرب لإعداد المنطقة بشكل عملي أكثر من ذي قبل إعداداً دينيّاً منذ تلك السنين لمواجهة الاتّحاد السوفييتي فتمّ إنشاء وتنضيج دَور دُور النشر والترجمة واحتواء واستقطاب الكثير من أصحاب الفكر اليساري كالشيوعيّين “مصطفى محمود وسيّد قطب” مثلما تمّ في العقد الأخير استقطاب بعض الفنّانون المصريّون “الفنّانات المحجّبات” والتشجيع على المطبوع الديني وتبنّيه غربيّاً وخليجيّاً وحشر القرآن الكريم حشراً في العلوم الحديثة بطلائه بألوان العصرنة والحداثة لتخدير شعوب التهليل والتكبير وعلى أساس أنّ الإسلام , البديل الأمثل عن الشيوعيّة وعن الفكر اليساري , تمّ على أساس كلّ ذلك وبوقت مبكّر تنضيج دور الأحزاب الدينيّة ودعمها بأموال النفط الخليجي “من لحم ثورك أطعمك” والتأسيس لمنظّمة المؤتمر الإسلامي والكثير من التنظيمات الإسلاميّة , وغير الإسلاميّة الّتي تؤدّي نفس الغرض من الّتي يديرها الغرب من خلف “سدرة المنتهى !” وتعميم الخطاب الديني “والآذان” تلفزيونيّاً وإذاعيّاً والتأسيس الإعلامي ل”القدس” عاصمة فلسطين بتبنّي سعودي بديل عن كلّ فلسطين ! والعمل على سحب أقدام السوفييت إلى جبال أفغانستان الوعرة .. الخ الكثير والعميق منذ بداية أفول نجم العصر الاستعماري ومحاولة عصرنته هو الآخر بتلك الخطوات .. وعلى هذا الأساس المبرمج من قبل الغرب منذ وقت طويل وتنفيذ الذيول العرب , ليس من السهل القبول بانسداد أفق مجمل تلك الأحلام الورديّة أمام بلد صغير “سوريا” أعدّ له لقلع نظامه بعد احتلال العراق مباشرةً , تقف رحلات “الحجّ والعمرة” وفتح عقود العمل أمام الشباب السوري في دول الخليج الغنيّة على رأس ذلك الاعداد الطويل من التنظيم المحكم وتأسيس المجاميع القتاليّة وتوزيع الأدوار والإعداد الإعلامي المسبق على أعلى المستويات “الجزيرة والعربيّة” وتعميم “الجات ماسنجر وغيرها” والتعميم الإعلامي ل”عودة الخلافة” عبر ملايين رسائل الويب والاعداد والمسح الطوبوغرافي المسبق لخرائط الأنفاق على الأرض السوريّة والمباشرة بحفرها فوراً مع أوّل وصول الربيع إلى سوريا .. كلّ ذلك ليس من السهل تركه لمجرّد وقوف النظام السوري حجر عثرة أمام هذا المخطّط كما وهو أمر ليس من السهل تقبّله من قبل عقول قوى متغطرسة منبهرةً بقوّتها الغاشمة وبما تمتلكه من أموال واقتصاد كونيّين ..
جميع أوراق الغرب لإقناع روسيا بالعدول عن دعمها ومساندتها للنظام السوري ذهبت أدراج الرياح طوال سنتين ونصف السنة .. لذلك فمن الصعب على روسيا وعلى الصين التخلّي عنها
الداخل المصري , إضافةً للكثير من العرب وشعوب العالم , معبّأ الآن ضدّ أوباما تحديداً بسبب دعمه لحزب “أخوان” المسلمين ومعبّأ ضدّ الولايات المتّحدة بشكل عام بسبب دعمها الّلامحدود للكيان الصهيوني في جميع حروب هذا الكيان ضدّ مصر وبسبب دعمها لنظام مبارك وبسبب ضربها العراق وبسبب انقلاب الربيع العربي بالضدّ ممّا أرادته أميركا وهذه وحدها أسباب كافية تلحّ على الإدارة الأميركيّة مراجعتها بهذا الشأن كثيراً فبغيرها فإنّ بانتظار سفرائها ألف بنغازي ..
من المحال أن يقوم النظام السوريّ باستخدام الكيمياوي في قتاله معارضيه ولجنة الأمم المتّحدة في التحقيق لا زالت تعمل في سوريا بحثاً عن مسبّب كيمياوي خان العسل ..
هجوم “الشعب السوري” على خان العسل قبل وصول لجنة كيمياوي بان كيمون ..
إجراء مناورات أميركيّة على الأراضي الأردنيّة قبل بضعة أشهر بمعيّة دول حليفة بما فيها العراق ! “وذلك يحدث لأوّل مرّة منذ حلف بغداد قبل70 عاماً” ؛ قريبة من الحدود الأردنيّة السوريّة , تمّ خلالها نصب بطّاريّات باتريوت لتتركها بعد انتهاء المناورات مع 700 جندي أميركي بدواعي واهية شتّى , ومن قبلها على الحدود التركيّة السوريّة أيضاً تمّ نصب هذا النوع من البطّاريّات وبتبريرات شتّى أيضاً .. معارك ريف دمشق مؤخّراً ومعها ما جرى في اللاذقيّة هي المسافة المحصورة للضربات الأميركيّة “المقبلة” فيما لو حصلت ؛ والدليل بطّاريّات الباتريوت عند الحدود المشتركة بين سوريا والاردن وتركيا وسوريّا لحماية العمليّات العسكريّة المزمعة لضرب سوريّا ! فالنوايا المبيّتة قد كشفت .. يعني الخطّة جاهزة قبل زيارة بندر لروسيا وقبل الفشل الّذي مني به هذا العتلّ الزنيم في اقتحام دمشق الأخير وفشله على ساحل اللاذقيّة ..
قتال حروب العصابات وداخل المدن تجعل مثل هذا النوع من السلاح “الكيمياوي” استخدامه جهل في حروب العصابات ضرر استخدامه أكثر من نفعه بكثير لعدّة أسباب يقف مصدّ المباني وتشتيتها الرياح باتّجاهات شتّى حائلاً دون استخدام أيّ طرف لهذا السلاح .. “إلاّ إذا كان الاستخدام لغرض دعائي فقط” فسينفّذ من قبل بضعة أفراد من السهل انسحابهم سريعاً بعد التنفيذ ..
قيام روسيا والصين بنفس السيناريو الأميركي في تنفيذ الضربة الكيمياويّة ضمن داخل حدود كوريا الشماليّة لو أرادتا إفشال المسعى الأميركي الأخير , ثمّ ادّعائهما : أنّ كوريا الجنوبيّة هي من استخدمت السلاح الكيمياوي “ضدّ شقيقتها الشماليّة” وذلك يستوجب تدخّل روسيا والصين عسكريّاً .. احتمال وارد طالما استخدم الاميركان حجج فاقعة فالحلف الآخر من الطبيعي أن يكون أفقع منه ..
لافروف أوضح أنّ بلاده لن تشترك في حرب تتعرّض لها سوريّا من قبل دول أخرى ! .. تصريحه هذا غريب ومنفّر لا يتجانس وسنتان ونصف السنة من الدفاع والتهديد الروسي لكلّ من ينوي الاعتداء على سوريّا أو إعلان الحرب عليها هو دليل عدم قدرة على مطاولة المناورات السياسيّة أو ضعف عسكري تعاني منه روسيا ! “قد” يكون للسندباد بندر بعض التوابل في “سيناريوهه” ؟ .. لربّما يفصح عن هذا الموقف الغريب ما صرّح به اليوم السيّد وليد المعلّم وزير خارجيّة سوريّا ردّا على سؤال يدور في نفس حلقة الأسئلة المحيّرة خلال مؤتمر صحفي عقده وبكلّ ثقة قائلاً : يتوهّم من يضنّ أنّ روسيا ستتخلّى عن سوريّا ! .. فهل يا ترى هنالك نوع من “تبادل الأدوار” بين السيّد لافروف والسيّد المعلّم والصين لتضمين الموقف السوري نوعاً من الغموض يقف بوجه الولايات المتّحدة لإعطائها هذه المرّة طابع مخيف عن ما يجري خلف كواليس ونوايا روسيا الحقيقيّة الّتي لا تعلنها في علاقتها بالولايات المتّحدة جملةً وتفصيلاً قد تحسب أميركا على إثرها لنوايا هجومها على سوريا ألف حساب .. وهو لربّما أسلوب جديد تلعبه روسيا أمام أميركا أكثر إثارةً لها من الخطوات السابقة من تطوّرات سابقة عزمت أيضاً الولايات المتّحدة خلالها وهدّدت باستخدام القوّة حينها كانت تواجهها روسيا بمزيد من استعراض القوّة والمناورات الحربيّة فتعدل أميركا فوراً عن نواياها وتتراجع ! ..