23 ديسمبر، 2024 6:56 ص

بناء المجتمع وتأثره باستغلال السلطة

بناء المجتمع وتأثره باستغلال السلطة

شكل المجتمع ومنظومة المفاهيم الاخلاقية التي تحكم تصرفاته وردود افعاله تجاه مختلف القضايا التي تمثل عَصّب الحياة اليومية فيه تتاثر بشكل رئيسي بتصرفات افراده وخصوصا النخب القائدة التي عادة ما تفرز مجموعه من الممارسات تراعى من خلالها المصالح الشخصية وتقدم بذلك سلوكا شاذا يتنافى مع طبيعة المجتمعات الفاضلة التي تراعي نموذجا إصلاحيا. وتلعب قوة الفرد التي يكتسبها من موقعه داخل هرم السلطة اذا ما اساء استخدامها دورا في رسم ملامح الممارسات الشاذة التي اذا ما تكرست داخل المجتمع وفق مفهوم الغلبة للأقوى ستغير من مفاهيمه ، وسيكون من الصعب على الأشخاص او الجماعات التي تتبنى نهجا إصلاحيا مقاومتها او التغلب عليها .
وتختلف العلاقة بين السلطة والمجتمع في نموذج الدول بحسب اسلوب الحكم فيها ، ولا اعني هنا نظام الحكم الذي يتوزع في اغلبه بين ملكي وجمهوري ، ولكن نوع التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يفرزها النظام السياسي ومدى ارتباطها بالجماهير وتفاعلها معها . هذه التحولات بمجملها قد تسهم ببناء مجتمع رصين تتعزز فيه مكانة الفرد ويحظى بحقوقه الثقافية والاقتصادية وفق مبدأ تقاسم الثروات واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب . الا انها قد تنحى منحى اخر لتصب في مصلحة النخب على حساب الجماهير ، إما من اجل ضمان الحفاظ على المناصب والامتيازات ، او من اجل الوصول الى الثراء المنشود وفِي بعض الأحيان يحصل الاثنان معا .
وفِي شكل العلاقة غير السليمة بين المجتمع والسلطة او من يستغل وجوده في السلطة ، تتحول النخب الحاكمة تدريجيا وبحسب طول بقاءها في سدة الحكم من نموذج ثوري مصلح الى اخر نفعي يتوق للقوة والثروة عبر أدوات تمد أذرعها الى مفاصل الدولة واجهزتها فإذا ما أحكمت قبضتها ، سعت في مرحلة لاحقة للتغلغل في مفاصل الاقتصاد ليتحول ثوار الامس الى رجال اعمال تذوب معهم الحدود الفاصلة بين الطبقتين الاقتصادية والسياسية . السلطة تستخدم الأموال كذلك للترويج لشكل العلاقة التي تربطها بالمجتمع ، وهنا يأتي دور استخدام الاعلام الذي يتولى مهمة الاقناع وتلقين رؤى ومفاهيم من يتولى زمام السلطة لقواعدهم داخل المجتمع ويسوق متبنياتهم ليرسم اطارا خاصا لشكل التحولات في العلاقة بين السلطة والمجتمع .
شكل العلاقة غير السليمة بين السلطة والمجتمع وتوجهاتها من شأنه ان يحول دون إعادة توزيع السلطة الاقتصادية والسياسية ، وسيؤدي إلى تفاوت اجتماعي شديد، وانتشار الفساد في أعلى مستوياته ، وسيقود حتما الى زيادة في الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية .