البمبة إسم دارج لقطعة من الدينامت تتصل بفتيل يتم هشعالها ورميعا في مياه النهر لصيد السمك بعد أن يتم تجميعه برمي الأعلاف أو الطعام , وتنفجر في الماء وتقتل العشرات أو المئات من الأسماك , وهي طريقة صيد بشعة وكانت منتشرة في عدد من مدن العراق الواقعة على ضفاف النهرين , وكم من الأشخاص قد فقدوا أيديهم لإنفجار البمبة فيها.
والعلاقة بين البمبة والديمقراطية وثيقة ومعبرة عن المعطيات الناجمة عنها , فالديمقراطية كالبمبة التي ألقيت في المجتمعات العربية وتسببت بصيد كثير ومتواصل.
فمن المعروف أن الديمقراطية من الممنوعات ومن الخطوط الحمراء في المنطقة , وأن الأنظمة الديمقراطية العربية قد تم إسقاطها منذ بداية العقد السادس من القرن العشرين , وتحقق إستبدالها بأنظمة إستبدادية لأنها تخدم المصالح وتتفق مع المتغيرات التي حصلت في نهاية العقد الخامس من القرن العشرين.
وقد ذكرها الكاتب محمد حسنين هيكل في خمسينيات القرن العشرين بعدد من المقالات والكتب , وأوضح بأن الديمقراطية ممنوعة والسلام مستحيل , لأنهما لا يتوافقان ومصالح القوى القابضة على مصير المنطقة.
وفي نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين توهمت المجتمعات العربية بالديمقراطية , وثارت مطالبة بحقها بحياة ديمقراطية أسوة بباقي مجتمعات الدنيا , لكن هذه الديمقراطية تم حشوها بديناميت الدين , وتحوّل الدين فيها إلى بمبات متنوعة ومتعددة يتحقق تفجيرها في المجتمع , لإيقاع المزيد من القتلى وسفك الدماء وتعميق آليات التفاعل التدميري ما بين أبناء المجتمع الواحد , فأضحت الديمقراطية وسيلة للفتك بالمجتمع العربي وإبادة وجوده , وإلغاء هويته وبيعه في مزادات التبعية والمحاصصاتية والإذعانية والإستعبادية المقيتة بإسم الدين.
واليوم تعيش المجتمعات العربية محنة البمبات الديمقراطية , التي يمكن تفجيرها وفقا للمصالح والتطلعات الإمتلاكية للوجود العربي بأسره.
فلا ديمقراطية في بلاد العرب أوطاني على الإطلاق , وإنما هي البمبة الديمقراطية , التي يؤهّل للقيام بتفجيرها العديد من أبناء الأمة المغرر بهم , والذين تبرمجوا وتدربوا على فنون إلقاء البمبة في نهر الجماهير الساعية لحياة حرة كريمة.
فلن تنالوا ديمقراطيتكم يا عرب , ما دمتم بلا سيادة , ونائب الفاعل يحكمكم , وعندكم ميل عجيب لتحقيق إرادة غيركم فيكم , وستبقى البمبات الديمقراطية فاعلة بدياركم , ما دامت تحقق مصالح الأخرين وتصادر مصالحكم , وتنشر بينكم الثبور والوهن , ومعظمكم يتبع مَن إستزلهم الشيطان الرجيم , فصاروا من أعوانه ودعاته الصادقين , ولكل عمامة مرشد أمين.
فهل ستتحقق الصحوة ويتنبه الناس ويتمسكون بمصالح وطن ودين؟!!
أم أنها لأمة تتضاحك من سلوكها الأممُ؟!!