23 ديسمبر، 2024 2:37 ص

بماذا أمرَ الطبيب الأميركي ؟!

بماذا أمرَ الطبيب الأميركي ؟!

قالت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ، إن أجندة حكومة السوداني للإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد هي الوصفة الدقيقة للعلاج أو بالضبط ما أمرَ به الطبيب”!
صحيح ان الطبيب الاميركي اختصاص عمليات مافوق الكبرى ، لكّن مشكلته المتلازمة ، هي ان الوصفة التي يقدمها لايستطيع إجبار المريض على الالتزام بها ، كما إن المريض نفسه ربما يأنف من الالتزام بها !
ابسط التحليلات تقول ان الجسد العراقي يعاني من مجموعة أمراض بنيوية ، أكثر بكثير مما شخصته السيدة باربرا ، فالفساد وخراب الاقتصاد والسلاح المنفلت والتحاصص السياسي الطائفي والخضوع لإرادات اجنبية ومن بينها ارادة الطبيب الأميركي الذي يشخص ولا يعالج !!
هذه التحديات في الجسد العراقي واجهت الحكومات السابقة فضلا عن الارهاب بتنوعاته وتقلبات وجوهه ، وها هو السوداني أمامها وجهاً لوجه ، بأفضلية الهدوء السياسي النسبي منذ توليه السلطة حتى الآن ، وهو هدوء هش يمكن ان يتعرض الى هزّات كبرى في مواجهة أي ازمة سياسية قادمة ، مؤجلة أو مبتكرة، من داخل البلاد أو من خارجها ، فالعراق مساحة مثالية لتصفية الحسابات في منطقة مضطربة أو قائمة على احتمالات قوية لإندلاع أزمات لاينجو العراق من تأثيراتها !!
فمحاربة الفساد المالي ، اذا استمرت على النسق الحالي ومثالها ” منهبة القرن ” ووضع الخطوط الحمر على حيتان الفساد في هرم العملية السياسية ، فان كل الخطط الاقتصادية ستذهب تلقائياً الى سلّة المهملات ، فمحاولات الاصلاح الاقتصادي والفساد خطّان متوازيان لايلتقيان حتى بمعجزة ، فتذهب تخصيصات الاصلاح الى جيوب الفاسدين فيما تتصاعد نسب الفقر والذين يعيشون تحت خطّه !!
إما بقاء السلاح منفلتاً خارج سطوة الدولة التي عليها ان تحتكره ، دون التلاعب بالألفاظ والبحث عن اغطية سياسية ، فانه القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي لحظة . كل تجارب العالم اثبتت ان وجود السلاح المنفلت خارج سطوة الدولة يعني عملياً دولة هشة وحكومة ضعيفة وغياب سلطة القانون وأزمة محتملة !
إما قصة التحاصص السياسي والطائفي المقيتة ، فهي قصة تمزيق المجتمع وغياب العدالة الاجتماعية وعزوف شرائح اجتماعية عريضة عن المساهمة الفاعلة في أي جهد من جهود الإصلاح وتدني مستويات الثقة ،بين طبقة المحاصصة والجمهور المعزول، الى حدودها الدنيا !!
حكايتنا اننا نعالج امراضنا بالدفاعات الذاتية للجسد ، بعد ان فقدنا الثقة بأوامر وعلاجات الطبيب الأميركي ، وغسلنا ايدينا من جهلة يحاولون علاج امراضنا بأدوية منتهية الصلاحية !!