في ايام الرسول (ص) كان الوثنيين مرعوبين من الدين الجديد الذي جاء به , إذ كانوا يعيشون بين خيارين إما الدخول فيه ويكونوا آمنين , وإما الموت . أما اصحاب الكتاب فكان لهم خيار دفع الجزية فإن امتنعوا عن ذلك عندئذ تعلن عليهم الحرب , قال الرسول :
أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله , ويقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك , عصموا مني دماءهم واموالهم .
هنا نوضح مسألتين : الأولى ; ان النبي ليس قصابا ليرمى بألفاظ الإرهاب من قبل البعض , إنما هو بشير نذير , يعمل بأوامر من عند الله قابلة للجدل والنقاش , ثانيا ; ان النبي كان يخاطب الوثنيين كونهم لا يدينون باي دين وهذا معناه انهم مستعدين لاقتراف الكبائر كافة ,
وانهم احرارا فيما يفعلون بالمجتمع , ومثال هذا في عصرنا الحاضر الماسونية – المسيحية الملحدة فهي من ناحية تبنّت الإلحاد كفكر وظّفت رؤاه بالسياسة على جه الخصوص لينجم عنها جرائمها الأخيرة في الحرب الروسية – الأوكرانية , ومن قبل جرائم ربيبتها دولة الكيان الصهيوني ,
وفي الترويج للنازية الجديدة والجندرية – المثلية وبرامج البنترست والتيك توك والفيس بوك كرد فعل مقابل انتشار الإسلام في اوربا , لأنها من دون التخلي عن المبادي والأخلاق الإنسانية وخلق ذريعة الإسلاموفوبيا , لن تستطيع تحقيق اهدافها بالهيمنة على العالم بسهولة , ومن ناحية اخرى نراها مع المؤيدين من الملحدين العرب والغربيين يستنكرون ضرب اعناق العملاء وسفاحي ذو القربى والخونة والجواسيس وقطع ايدي اللصوص ,
فأين تلك القيم والممارسات اللااخلاقية من رؤية الدين الإسلامي الذي يخالفها بالعفّة والنبالة والكرامة , ويرى ان الخلق هو صفة من صفاة الخالق المنزّه عن الضلالة وعن كل شائن لا يليق بجلاله , فكيف لهذه الصفة التي خصّها بالتشريع والتربية وجعلها من قبل بعقائد رصينة ,
ان يتآصر معها الزنيم والكافر والفاسق على الأرض ويعرض عنها من دون ان يبرأها (= يخلصها ) مما فيها من كبائر كما وعد الحق إذ قال : ما اصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها إن ذلك على الله يسير . ( سورة الحديد 22 ) .
والإسلام على العكس مما يراه الملحدون في كتاباتهم كونه متعسفا ويدعو الى قتل الإنسان عندما يكون كافرا مستندين في ذلك الى حديث الرسول (ص) : أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله , ويقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم واموالهم إلا بحقها .
والمقصود بالناس هنا هم العُرب والأعراب والمتعرّبة الذين لادين لهم ويعيشون في الجزيرة العربية , فهؤلاء وجب قتالهم في بداية الدعوة لأنهم يفضلون البقاء على مرض الإلحاد والجهالة الذي يقودهم الى العالم السفلي , وهذه هي الرحمة التي جاء بها الإسلام اليهم لينقذهم من ذلك , ولكن بعضهم لا يعقلون .
اما بعد ذلك فقد جاءت سورة الغاشية الواضحة بالمعاني والدلالات ليقول الحق فيها : ” فذكر انما انت مُذكِّر , لست عليهم بمصيطر , إلا من تولى وكفر , فيعذبه الله العذاب الأكبر ” (21-24) , وهذه هي السنة التي توارثها المسلمون من غير قتال الى يومنا هذا ,
اما في الفتح الإسلامي الذي بدأ بعد وفاة الرسول وخاصة في عهد الدولة الأموية , فلم يأمر به الله احد إنما جاء بفتاوى الجهاد في سبيل الله , وما اكثر الذين افتوا من غير علم والى يومنا هذا وتسببوا بالرزايا على المسلمين .
اما ما يتداوله الملحدون ومعهم امريكا ودول الغرب , من ان الإسلام بسط نفوذه على العالم بقوة السيف فهذا امر مزيف وبعيد عن المنطق , إذ لو نزلت سورة الغاشية على الرسول الكريم يوم الخميس مثلا , هل يقول في خطبة الجمعة ما قاله في حديثه السابق ؟!
ولو نزلت سورة الأنعام : اتبع ما اوحِيَ اليك من ربك لا إله إلا هو واعرض عن المشركين (106) ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل (107) , فهل من المنطق ان يقول الرسول (ص) ما قاله في حديثه السابق ؟!
الجواب : كلا بالطبع , لأن الدعوة الإسلامية في زمن الرسول كانت ممنهجة بشكل يومي , والسور والآيات بعضها يتغيّر نحو الأسهل وبما ينفع المسلمين , اما ولولة الملحدين الذين يقارنون الإسلام بالعلوم والمفاهيم التي تتغيّر على اساس يقول أنْ لا شيء بالكون يبقى ثابتا ,
فذلك جهل ما بعده جهل , إذ ان علوم الخالق ليست علوما نابعة من عقل بشري مادي لكي تنحطّ بعد دهور كما ينحط جسم الإنسان بتقادم بالسنين أو كالنظرية النسبية لآينشتين ابدا , لأن في علومه لا يختلط الفاسد مع الصالح الكريم ومثال ذلك ; هل انحط علم متلازمة الأيض عند الإنسان منذ بدء الخليقة الى الآن ؟ وهل تغيرت قوانينه وهو يفلق الحب والنوى ويخرج الحي من الميت والميت من الحي؟!
وهل تغير معه علم الفلك أو علم الإستاتيكية الكهربائية المتمثل في حجر العنبر او الكهرب عند دلكه باليد ليكوّن الشحنة الكهربائية ؟! وهل تغيّرت قوانين الكون وحركة الشمس والقمر ومعها قانون التماسك بين الذرات ؟
فكيف بالقرآن , وهو كلام الله خالق الكون , المليء بالفقه والعلوم المطلقة والتامة ان يتغير ولا يصلح لكل زمان ومكان , وقد جعله دلالة الى وجوده أولا وذاته ثانيا ولسائر صفاته ثالثا ؟!
ختاما , ان الأخطاء والمفارقات التي يقع بها الملحدين في كتاباتهم كثيرة , فهم يتمسكون بظاهر الجمل وبشكل منفرد من دون رؤية القرآن من الداخل وارتباط السور والآيات من الناحية التأريخية , فيمزجونها وهي المقدسة مع البعض من مفرداتهم المسيئة للمؤمنين واتهامهم بجهالة العقل من دون اختيار دقيق في اشارة الى غياب إيمانهم بالإسلام لتكون مدنسة لكلام الخالق ,
شأنهم بذلك شأن مدنسي القرآن الساعين الى حصول ورقة تافهة لإقامتهم في بلاد الغرب , ولكن ليعلم الملحد ان الخالق بنفسه انذر الانسان عن طريق ذبول جسده لكي يرتد على الأقل في ما تبقى من عمره , دون المساس بقوانين الحياة التي منحها اياها ليبرهن على رحمته بعباده لأنه حريص وينتظر ان تتغير ازدواجيته المتمثلة بحبه للحرية بلا قيود ومرض الإلحاد النفسي الثقيل الذي يعانيه ليبرهن له صلاحية الإسلام مهما تقادم العمر به وهو جاهل مرتد ليلبي توبته بالمغفرة .