التطورات المتسارعة التي تحدث كل يومٍ في عالم التكنولوجيا، تؤكد أن المستقبل البشري سيكون مشرقاً جداً، إنها مصادقة على مقولة أحد العلماء «خيال اليوم هو علم المستقبل»، فكل ما كان ضرباً من الخيال لدى البشر منذ 100 عام أو أكثر، أصبح علماً يشغل الناس اليوم ويلهيهم عن كل شيء.
ومما تم تأكيده بناء على تلك الرؤية، إمكانية خلق واقع افتراضي ممزوج مع تطبيقات تكنولوجية مختلفة، وخلق حالة من التفاعل مع بعضها البعض، والنتيجة قياس حقيقي عالي الدقة، لكل ما يمكن تطويره أو تحقيقه في عالم الواقع، وفقاً لأنظمة الاقتصاد المعرفي، ومنهجيتها، وبدون مضاعفات قد تحدث لو تم اختبارها في عالم الواقع الذي نعيشه، وبأقل نسبة ممكنة من الخسائر، على كافة الأصعدة.
جاءت فكرة الواقع الافتراضي في نتاج لأحد المؤلفين، ويدعى ستانلي ج. وينبون، عندما قدم فرضية تصف واقعاً افتراضياً، يستند إلى ثلاثة أبعاد، مع ميزة التسجيل الهولوغرافي للتجارب الخيالية، واستخدام حاستي الشم واللمس.
أما تلك التطبيقات التكنولوجية التي قد يحدث تفاعل الواقع الافتراضي معها لتحقيق حالة القياس، فأهمها تطبيق بلوك تشين، الذي تحدثت عنه في مقالتي السابقة المعنونة بـ «بلوك تشين.. حقل خصب للاستثمار المعرفي».
وجاء فيه أن بلوك تشين قد توسع في استخداماته بعد انفصاله عن عمليات التعدين، ومن جملة تلك الاستخدامات، تسجيل التعاملات والأصول، وحقوق الملكية الفكرية، وأكدت أيضاً على أن نضج البلوك تشين وتنامي الإقبال عليه، سيوسع بدوره عمليات التوريد وتحسين سلاسلها، بالإضافة إلى حلوله بديلاً للسجلات الصحية.
وكذلك سيكون ممكناً استخدامه في الرعاية الاجتماعية، والتصويت الآمن، ونقل ملكية الأراضي، وإنشاء سجلات غير قابلة للتغيير. واستخدامات أخرى عديدة، منها إلغاء التعامل بالصكوك في عمليات بيع وشراء العقارات، وتجارة السيارات، ومثلها في سياق العلاقات والتعاملات الاجتماعية، والتعاملات في عالم النشر والتأليف، ستتم من خلاله أيضاً، ويضمن به الناشر والمؤلف كافة حقوقهما.
كذلك فقد تستخدم السيارات ذاتية القيادة، والطائرات بدون طيار «بلوك تشين» لسداد رسوم محطات الشحن ومنصات الهبوط، وستتطلب التحويلات الدولية للعملات من خلال بلوك تشين، ساعة أو دقائق قليلة، بدلاً من حاجتها لأيام، وبدرجة من الأمن والموثوقية تفوق ما تُوفره الأنظمة المصرفية الأخرى، وعدا هذا الكثير مما قد يحققه الـ «بلوك تشين»، ويكون فعالاً فيه.
والأهم في ذلك، تعزيز سبل تجربة العميل، ومعرفة معدلات سعادة العملاء بطرق أكثر دقة، وفهم احتياجاتهم بشكل استباقي، والوصول إلى نتائج قابلة للقياس.
وكما يبدو، فإن هذا الاتساع الكبير والتنوع في الاستخدامات لبلوك تشين، قد فتح آفاقاً جديدة لتطبيقات وتقنيات أخرى في التكنولوجيا، والتي تسعى الآن، كما ذكرت في بداية المقال، لعمل مشروع كبير، يتم من خلاله الدمج بين تقنية البلوك تشين في شكله الجديد، واستخداماته المتنوعة، وتقنية الواقع الافتراضي، التي تسمى أيضاً تقنية الأبعاد الثلاثية وتطبيقات وابتكارات تكنولوجية أخرى.
وبالإضافة لاستخدامات بلوك تشين، تأتي فكرة الواقع الافتراضي، التي تقوم على أساس المحاكاة للبيئات، والعمليات الفيزيائية والحيوية، بل ولها القدرة على أن تعيد عملية ما في ظروف اصطناعية مشابهة إلى حد ما للظروف الطبيعية.
وتهدف إلى دراسة وبناء نماذج، أو برمجيات لتقليد نظام حقيقي قائم، أو مزمع إنشاؤه، ومع “بلوك تشين” وتوسيع قاعدة استخداماته، سيكون الهدف من دمجه مع التطبيقات الأخرى، هو دراسة النتائج المتوقعة التي يتم القياس للنتائج بناء عليها.
إن هذا الهدف، هو محاولة لإيجاد آليات جديدة للقياس، أكثر دقة وأكثر سرعة، ستستخدمها الدول التي تود أن تخوض تجربة الاقتصاد المعرفي، وتسعى إلى استخدام التقنيات التكنولوجية، بالإضافة إلى عملية توظيفها، سعياً للوصول إلى حياة متطورة، بكافة المجالات.
ولأن هذا التحول إلى اقتصاد المعرفة يقتضي اختبارات على نطاقات واسعة في الواقع، ستكلف الكثير جداً من الجهد والمال والوقت، تم اللجوء إلى دمج الواقع الافتراضي، مع الاستخدامات الجديدة لبلوك تشين، وتطبيقات كثيرة، ثم توسيع هذه الاستخدامات أكثر، لتشمل كل مناحي الحياة.
أهم هذه المشاريع، مشروع DEEP، الذي يؤثث الآن لواقع افتراضي مماثل للبيئة، ويحاكي بشكل مدهش الواقع الحقيقي، ويستخدم هذا البرنامج تقنية بلوك تشين، ليس فقط في التعاملات المالية، بل وفي كل شيء.
ولإن مشروع Deep بالتالي يتطلب حلاً فريداً من أجل توفير كل ما يحتاجه المستخدمون لاتخاذ الخبرات التراكمية (مزيج تطبيقات التكنولوجيا المتفاعلة)، إلى المستوى التالي.
وهو مستوى القياس، فإنه يتضمن وفقاً للحل المقترح، مزيجاً من التكنولوجيا الأساسية التي ستكون نتيجة لما سيثمر به هذا المشروع، وهو ما يسمى ساندبوكس للعالم الافتراضي، وذلك ما سيسمح للمستخدمين باستكشاف تكنولوجيا Deep، التي تظهر في خوذ العالم الافتراضي.
وكما يسعى هذا المشروع إلى إجراء عملية تفاعل بين تكنولوجيات مختلفة على مستويات مختلفة وتنميتها أكثر فأكثر، فالنتيجة بالطبع هي مجتمعات يقوم اقتصادها على المعرفة في كل مؤسساتها وبنياتها. وللحديث بقية.