إنّ آيات القرآن متفاوتة في بلاغتها، بل فيها ما لا يتماشى مع البلاغة، بل فيها ما لا يتماشى بظاهره مع المعقول. فمنها ما هو غير مفهوم، ومنها ما لا يبلغه الفهم إلا بتاويل وتقدير. وليس هذا القول ببدعة، فالقرآن نفسه قائل بذلك ومعترف به. ففي سورة آل عمران: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات )… ألآية – 7.
والمحكمات هي التي أحكمت عبارتها فلا يتطرقها الإحتمال فيكون المعنى فيها مفهوما وصريحا، والمتشابهات هي ما ألتبست في معانيها فلا يكون المعنى فيها صريحا ولا مفهوما. والاصل في التشابه هو المشابهة، يقال: تشابه الرجلان إذا أشبه أحدهما الآخر حتى ألتبسا، لأنّ شدة المشابهة تؤدي إلى الإلتباس ولذلك أُستعمِل التشابه بمعنى الإلتباس.
وإليكم بعض ألأمثلة للآيات التي لا تتماشى مع البلاغة:
2- مثال آخر على عدم معقولية ألآيات ومنافاتها للمنطق:
جاء في سورة الفرقان قوله : (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا)…. ألآية – 45، إنّ المعنى في قوله : ( ولو شاء لجعله ساكنا) لا يتماشى مع المعقول، وبيان ذلك أنّ الشواخص الماثلة في سطح الأرض تحجب الشمس عمّا دونها من الأمكنة فيكون فيها الظل، فالظل إذن هو عدم نور الشمس لكونه محجوبا بالشخوص الماثلة.
وهذا الظل يختلف امتداده بإختلاف ارتفاع الشمس في الأفق، فعند الطلوع تأتي أشعة الشمس أفقية وحينئذ يحجبها كل شاخص في سطح الأرض ويكون الظل مديدا، وكلما أرتفعت الشمس تقلص الظل على قدر ارتفاعها حتى إذا كانت الشمس في سمت الرأس كان الظل من شاخص قالصا إلا قليلا.
فهذا هو إمتداد الظل وهذا هو قلوصه وانقباضه بإرتفاع الشمس.
ومعلوم أنّ طلوع الشمس وأرتفاعها في الأفق ناشيء من حركة الأرض ودوارانها على محورها، فليس من المعقول جعل الظل ساكنا غير متقلص ولا منقبض إلا إذا وقفت الأرض عن حركتها المحورية والدورية، وذلك محال لأنّه مخالف لنواميس الطبيعة التي هي سنة ألله و (لن تجد لسنة ألله تبديلا)…. سورة ألأحزاب-ألآية-62 وسورة الفتح- ألآية- 23.
وعلماء الكلام مجمعون على أنّ قدرة ألله لاتتعلق بالمحال، على أنّ وقوف الأرض عن حركتها المحورية والدورية لا معنى له سوى زوالها وفنائها، وإذا فنيت الأرض لم يبق ظل ساكن ولا متحرك، فماذا يُراد إذن بقوله : (ولو شاء لجعله ساكنا)… سورة الفرقان- ألآية- 45؟
التفسير المنطقي لهذا التناقض بين ألآيتين، (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) و (لن تجد لسنة ألله تبديلا) هو بشرية القرآن وأنّ محمداً لم يكن يعلم بألحقائق العلمية حول دوران ألأرض حول محورها وحول ألشمس ليستنتج أنّ إمتداد الظل وتقلصها هي نتيجة لهذه الحركة الدورانية ، ولم يخبره ألله بهذه الحقائق العلمية رغم كونه نبيا!!!!
3- مثال على عدم تماشي اللفظ مع البلاغة :
في سورة النمل قوله : (لقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين)…. ألآية – 15.
نتكلم عن هذه الآية من جهة اللفظ دون المعنى لأنّ البلاغة تشمل اللفظ والمعنى معا، فنقول من ضروريات البلاغة أنّ المعطوف إذا كان مُسبَبا عن المعطوف عليه كان من حق المعنى وتمامه وصحته أن يُعطف بالفاء السببية كقولك : أعطيته فشكر لأنّ الشكر مسبب عن العطاء.
وكذلك حمد الله من داود وسليمان فإنّه مسبب عن إيتائهم العلم، فكان من مقتضى البلاغة أن يقول فقالا، ولكنه عطف بالواو وذلك مخالف للبلاغة لأنّ المعنى المقصود ليس هو مجرد الإخبار بحمدهما حتى يصح العطف بالواو، وإنّما المقصود الإخبار بحمدهما لأجل أنّ ألله أتاهما علما وفضلهما به على كثير من عباده المؤمنين.
يكون ألآية بعد التصحيح كما يلي:
(لقد آتينا داود وسليمان علما فقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين).
للموضوع صلة.
مصادر البحث:
– الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس ….. ألشاعر معروف الرصافي.