كانت أيام الحصار المفروض على العراق في تسعينات القرن الماضي إبان اجتياح الجيش العراقي الكويت صعبة للغاية. شلت الحياة بكل معنى الكلمة ولم تكن هناك مواد أولية لتشغيل المعامل والإنتاج. فأصبحت المصانع تعمل على تدوير المواد القديمة وتصنيعها من جديد لإستخدامها بدلاُ من المواد الأولية المفقودة في السوق. فكانت الناتج رديئة للغاية بسبب فقدان المادة للكثير من خصائصها المهمة.
يروى أن شخصاً إسمه محمد قد حمل إبريقاً مملوءً بالماء وخرج إلى (الجول) الفناء أجلكم الله. وهو يختلي هناك سمع صوتاً يناديه (ول محمد ول محمد)، نظر محمد إلى يمينه ويساره فلم يجد أحداً. عاود الصوت إلى مسامع محمد (ول محمد ما عرفتني؟). بدهشة كبيرة تكلم محمد (منو انت منين تحجي؟).
الصوت كان منبعثاُ من الإبريق (أني الإبريج.. شلونك وشلونه أخوك خالد؟)
كانت صدمة كبيرة لمحمد وهو يجد أن الإبريج يعرفه ويعرف أخيه خالد ايضاً.
الصوت القادم من الإبريق من جديد (ول محمد شلون ما عرفتني؟ أني كنت نعال في بيتكم.. أنت اشكد لابسني وأخوك خالد اشكد لابسني وطالعين برا).
تبين أن الإبريق كان نعالاً في بيت محمد قبل أن يعاد تدويره ليتحول فيما بعد إلى إبريق. وشاءت الصدف أن يشتري محمد هذا الإبريق الذي صنع من إذابة النعال القديم في نفس البيت، ليعود النعال (كرمكم الله) هذه المرة إبريقاً بيد محمد.
هكذا كانت المواد في السابق تارة خفاً كخفي حنين وتارة أخرى خرطوم ماء وتارة إبريقاً. الأمر يشبه تماماً وبالضبط عندما تجد مديراً يعين معاوناً ومدير شعبة يعين مديراً عاماً ومن ثم يعاد المدير القديم مديراً عاماً من جديد أي مدير معاد ومدير الشعبة يرجع مديراً للشعبة مرة أخرى أي مدير شعبة معاد.. وهكذا صعوداً ولا أريد الخوص أكثر فأكثر. وكأننا نعاني من شحة البشر كما كنا نعاني من شحة المواد الأولية. وعليه تجد الأشخاص الذين يتم تدويرهم في الإدارات فاقدي الخاصية مثل البلاستيك المعاد. وقس على ذلك.