23 ديسمبر، 2024 2:11 م

بلاد ما بين النهرين بين فكي كماشة تركيا وإيران

بلاد ما بين النهرين بين فكي كماشة تركيا وإيران

لا زال العراق يعاني الكثير من الأزمات, إلا ان التحدي الأخطر يتمثل بانخفاض مناسيب المياه في هذا البلد, صاحب أعظم نهرين في المنطقة , خصوصا وأن الحكومات المتعاقبة قد اهملت بشكل كبير متابعة هذا الملف, حتى أصبح ورقة ضغط تمارسها دول الجوار الجغرافي التي تسعى الى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.

المشكلة الرئيسية في الازمة المائية ناتجة من ان نسبة المياه التي تغذي نهري دجلة والفرات, اللذان يمثلان المصدر الرئيسي للمياه في العراق, اذ ان نسبة٥٦%من واردات نهر دجلة المائية من تركيا, فيما تغذي إيران نسبة١٢% من وارداته, في حين يحصل النهر على ٢٢% من مياهه داخل العراق, أما نهر الفرات ويحصل على ٨٨% من مياهه من تركيا و٩%من سورية و٣% من الأراضي العراقية.

هذه النسب تبين أن تركيا تتحكم بالنسبة الأكبر من مياه دجلة والفرات, فيما تتحكم إيران بنسبة لابأس بها من مياه دجلة, اما القضايا الاخرى التي تتسبب بازمة المياه في العراق فتعود الى قلة السدود الخزينة التي أنشئت على النهرين داخل الأراضي العراقية, فعلى سبيل المثال السد الخزان الوحيد على نهر الفرات هو( سد حديثة) في حين ان سدود الرمادي والفلوجة والهندية هي نواظم أي سدود تنظيمية لا تخزن المياه لكنها تنظم مرورها.

الواقع أن السياسة المائية في العراق فاشلة طوال سبعة عشر عاما, ولم يكن هناك أي خطة للحكومات العراقية لتأهيل السدود وإنشاء خزانات ماء يمكن ان تكون رافدا مهما لنهري دجلة والفرات الذي يعتمد عليهما العراق بشكل اساسي١٠٠% من حيث مياه الشرب والزراعة وما يخدم استمرار حياة العراقيين رغم الميزانيات الانفجارية ما بعد عام ٢٠٠٣.

تتركز معظم المخاوف من شح المياه من سد( اليسو) في الجانب التركي, إذ أن تركيا تعمل جاهدة في مشروع الغاب الذي ستنشأ من خلاله ٢٢ سدا في هضبة الاناضول على روافد نهري دجلة والفرات, مما له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العراقي والأمن الغذائي, ويعود السبب الى عدم وجود اتفاقية محددة بين العراق وتركيا لقسمة المياه باستثناء تفاهمات وبروتوكولات مشتركة حول بعض الحالات السابقة, خاصة وان إتمام سد اليسو التركي الذي سيغير المعادلة بالنسبة لنهر دجلة , حيث يتحول النهر الى قناة متدفقة داخل الحدود التركية بدلا من قناة متدفقة خارج الحدود.

يعتقد الجانب التركي ان نهري دجلة والفرات هما انهارا وطنية داخلية وليست أنهار دولية كما تم توصيفها في القانون الدولي,إذ ترى إسباغ صفة الدولية على نهري دجلة والفرات يتم في حال كون النهر مشتركا بين حدود تركيا والعراق, أي بمعنى يشكل فاصلا بين حدود الدولتين, وهذا لا ينطبق على الواقع من جهة الحدود, وبالتالي فإن لتركيا الحق في إقامة السدود وحسب ما تقتضيه مصالحها الوطنية,وعلى هذا الأساس تبلورت في تركيا مشاريع مقايضة النفط مقابل المياه , ويظهر هذا جليا في دعوة الرئيس التركي الراحل تورغوت اوزال عندما ذهب الى حق تركيا في السيادة على مواردها المائيه,

وأن لا يكون بناء السدود التي تنوي بالفعل إقامتها على نهر دجلة سببا في اثارة ازمة دولية, بل اعتبر نهري دجلة والفرات هي أنهار وطنية وليست انهارا دولية, وبالتالي فإن لتركيا الحق في التصرف في كيفية استغلال مواردها المائية بالشكل الذي تراه مناسبا لها ومنسجما مع مصالحها.

وفيما يتعلق بإيران فإن اتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥, تحدد طبيعة التصرف ب٤٢ نهرا ورافد, إلا أن الاتفاقية معطلة منذ عام ١٩٨٠, وتسعى الحكومة العراقية الى توقيع اتفاق مع الجانب الايراني لتحديد حصة العراق, الا ان ايران لم تلتزم ببنود الاتفاقية, حيث أقدمت في خطوة احادية بتغيير مسار اهم رافدين داخلين الى العراق وهما الوند وكارون, هذا بالإضافة إلى ٣٥ رافدا, مما تسبب بخسارة العراق نحو ٨٠% من المياه المتدفقة اليه من إيران مما تسبب بأضرار كبيرة بالمساحات الزراعية في محافظات العراق,كما اقرت طهران عام ٢٠١١ مشروعا لبناء ١٥٢ سدا بعضها للتحكم واستنفاد المياه الداخلة الى العراق عبر الأنهار والروافد, فيما لم تعترض الحكومة العراقية على التجاوزات الايرانية , ولم تطالب بتفعيل الاتفاقيات الدولية التي تنظم التدفق المائي بين البلدين.

من ذلك يظهر تمادي تركيا وايران في هضم الحقوق المائيه للعراق, وعدم احترامها الاتفاقات الدولية بالنسبة للأنهار الدولية, لذلك على الحكومة العراقية الضغط على تركيا وإيران, لما لديها من ملفات سياسية وأمنية واقتصادية عدة, لعل أهمها التبادل التجاري, فان العراق يستورد من تركيا ما يعادل ٢٠ مليار دولار سنويا, وما يعادل ١٠ مليار دولار أو أكثر من ايران, وهذه الميزه ان ارادت الحكومة استغلالها كورقة ضغط لتجبر تركيا وإيران على الالتزام بالمعاهدات والاتفاقات الموقعة سابقا لحفظ حقوق العراق المائية.