18 ديسمبر، 2024 6:58 م

بلاد في مهب الريح.. أين المغيثون؟

بلاد في مهب الريح.. أين المغيثون؟

من دخل البلاد بغير حربٍ يهون عليه تسليم البلاد، فأبكي كالأيامى لفقد مُلكٍ لم تدافع عليه مثل الرجال..هكذا قال أهل الحِكمة من الاوائل.
حادثة حصلت لملِك يتزعم إحدى البلدان في العهود السابقة، عندما غزو بلاده فما دافع عنها كالرجال، لانه تربع على عرش البلاد بالوراثة من ابيه دون عناء، لهذا انشأت والدته البيت الشعري الذي تصدر مطلع حديثنا.

الحرب بمفهومها التقليدي كان يقتصر على الجانب العسكري، حين تحصل معركة ما بين طرفين، سيكون فيها طرفٌ رابح والاخر منهزِم، لكن بعد مرور الزمن اتضح إن الحروب لها عِدة وجوه؛ السياسي منها والإقتصادي، ما يسمى “بالحرب الباردة”، كوسيلة بديلة عن الآلة العسكرية في بسط النفوذ بالقوة، من دون أن تُجيش الجيوش وتكون فيها خسائر بشرية ومادية، ليس كما حصل في السابق، كما في الحربين العالمية الأولى والثانية، التي خسرت فيها البلدان المشاركة الكثير من الموارد البشرية والمالية، وتعرضت مدن وعواصم تلك البلدان لتدمير شبه كامل، لهذا وعت تلك الدول الدرس، متخذةً منهجاً جديداً، في استخدام الحرب الباردة، عن طريق لعبة السياسة والأقتصاد في بسط سيطرتها، والتحكم باسواق المال ورسم سياسة للدول كيفما تريد.
بلاد حباها خالقها بنعم كثيرة، امتلاكها موارد بشرية فاعلة وثروات طبيعية لا حصر لها، لكن وللأسف يقابل هذا الخير الكثير؛ الفُقر والحِرمان وعدم الأستقرار لابناءه، بسبب تكالب الطُغاة عليه.. لو تم توضيف الموردين بمسارهما الصحيح ووضعا بأيادي مخلصة، لكان الآن من البلدان التي يشار إليها بالبنان ولا يعدوها أحد.
العراق من البلدان الذي سبق وتقدم على أقرانه في مواكبة الحداثة في التطور العُمراني والتكنولوجي دون الحاجة إلى خبرات خارجية، فغبطه المُحب والمخالف، لكن ما إن وصل حزب البعث للسلطة لعقود من الزمن، وخوضه حروب بالإنابة تارة ونزوات قائد الضرورة تارةً أخرى، جعلت من البلاد أشبه بدار مهجور، هَوت جدرانه على أهل بيته، تُرك يصارع الزمن وحيداً ليرمم ما تصدع منه، ولم يكترث اليه أحد، سِوى اهل بيته الأصلاء، ويأن اليه من ذاق طعم الهُجران، فكانت فترة مُظلمة نقلته من بلد ثري إلى بلد مثقل بالديون.
ما إن بزغ فجر العراق الجديد بعد احداث التاسع من نيسان من عام 2003، اندلعت حروب، وكأن العراق والحرب تؤمان لا يفترقا، لكن هذه المرة ليست مع دول الجوار و العالم، وإنما بين القوى السياسية، بعظها مشروعة ومنها باطلة، فاحتدم الصراع وتحول الصراع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تعطلت على إثرها القوانين والمشاريع، وغيب الدور الرقابي، مما أسهم في هدر المال واستشراء الفساد، بسبب نزوات بعض القائمين على السلطة التشريعية والتنفيذية، وياليت كان النزاع لأجل مصلحة الوطن والمواطن، وإنما كان نزاع شخصي لِلي الأذرع!
مما انعكس سلباً على واقع البلاد، من نقص في الخدمات الأساسية لمتطلبات العيش فضلاً عن الواقع الإقتصادي الذي هوى من عرشه مغشياً عليه شيئاً فشيئا، لسوء الإدارة والفساد المستشري كالنار الهشيم الذي توغل في اغلب مؤسسات الدولة، مما ادى إلى انهيار البنى التحتية للأقتصاد العراقي، واصبح يترنح نتيجة تخبط القائمين على إدارة ملف البلاد عامة والإقتصاد خاصة.

لو خضنا في ملفين بعُجالة و هما الملف الدبلوماسي والإقتصادي، اللذان يعدان عصب الحياة للدولة وهويتها، نجده في العراق من ادنى المستويات، ابسط تشخيص لذلك، الجواز العراقي في ذيل قائمة الدول التي لا يمنح له التأشيرة إلا بُقدرة قادر، سيما إذا وددت الذهاب للدول الأسكندنافية للسياحة مثلاً، بينما دول الجوار التي لا تملك ما يملكه العراق تذهب لتلك البلدان دون الحاجة لتأشيرة الدخول “الفيزا”، يعود ذلك ضعف وسوء إدارة الملف الخارجي في رسم سياسة العراق الخارجية مع بلدان العالم، فضلاً عن روح الآنا التي أدارت الملف الخارجي في فترة معينة، حيث سوقت لنفسها ولم تسوق للعراق كبلد بشكل عام.
اما الجانب الإقتصادي الكلام فيه يدمي القلب، بلاد تمتلك من الثروات الشيء الكثير يعجز عن ذكرها، يمكنه ان يعيش دول بأكملها من خيراته، لكن كما اسلفنا سوء الادارة والفساد المالي والإداري اصبح بلد مهدد ان يعلن أفلاسه.. بلد السواد يستود الخضروات! وعلى هذا اجري القياس على باقي القطاعات، في طليعتها الإقتصاد العراقي.. اليس وادي الرافدين فيه اراضي شاسعة ويحتوي على نهرين؟! فضلاً عن مئات المعامل والمصانع على ارضه؟
مع كل هذا نجد القائمين لم يحركوا ساكناً فيما يخص ملف الإقتصاد والعمل على إنجاع هذا الشريان الحيوي، وان تحركوا بخطوات خجولة، لا تسمن من جوع ولا تغني من فقر، خير شاهد، قيمة الدينار العراقي كما هو لم يطرأ عليه تحسن في قيمته، بل تركوه يتدنى يوماً بعد يوم وفاتورة هذا التدني يدفعها المواطن.

من دخل البلاد بغير حربٍ يهون عليه تسليم البلاد.. لو تعرضت البلد لخطرٍ ما، ستجدهم اصناما وكأن على رؤوسهم الطير لا يحرك ساكن، ببساطة لا يعنيه امر البلاد والعباد بشيء، لانه تقلد بمقاليد الحُكم دون عناء، لهذا اتخذ منه مغنما، ولا يكترث سوى لمصالحه، والشواهد كثيرة منها ما حصل مع داعش، لم نجدهم في الصفوف الاولى حين تطلب الامر ذلك، بينما العكس حصل، عدد ليس بالقليل منهم حمل امتعته وارتحل تاركاً خلفه العرق يواجه خطر داعش التكفيري، ولم ينبري للدفاع عن الوطن والعقيدة غير ابناءه البررة المتمسكون بالعراق، لان البعض منهم “السياسيون” يعمل على إحراق العراق تلبيةً لأسياده، فوجدنا منهم من كان داعم لتنظيم القاعدة وداعش التكفيري، ومنهم من تستر على الفاسدين للحِفاظ على مكتسباته الشخصية، وما بين هذا وذاك اصبح المواطن تأهاً في وطنه.

أخيراً وليس آخراً من عدم اللامبالاة مسألة تأخر صرف راتب الموظفين، من دون التحرك لإيجاد مخرج لهذا المأزق ان أستمر، غير مكترثين للنتائج، لو كانوا حريصون على العراق لأخذوا بهدي المرجعية الرشيدة وبمن اطلق المبادرات الواحدة تلو الأخرى، لأنتشال العراق مما هو عليه، و لكان حال العراق افضل بكثير مما هو عليه الآن.
لهذا بعض القائمون لا يكترثون للعراق ولا يعنيه بشيء فمن ادخل القاعدة وداعش، وتستر على الفاسدين سهلٌ عليه ان يبيع العراق بثمن بخس، ويخرج منه دون ان يرفع صوته وبندقيته مدافعاً عنه، كما فعلها جرذ العوجة والملِك الي استشهدنا به سابقا وتُجار المناصب والسياسة حينما تطلب الآمر منهم الثبات، لكن تجده يراوغ هنا وهناك لعله يبقى لبرهة من الزمن، لهذا تجده يلقي الملامة على الآخر، السلطة التنفيذية ترمي الكرة بملعب السلطة التشريعية، ان هي من ساهم في تأخير صرف الراتب بعدم مصادقتهم على الإقتراض، ومن جهة أخرة السلطة التشريعية تلقي بالملامة على الحكومة.. واقعً لو تمعنا جيداً كلا السلطتين تتحملان الأخفاقات التي حصلت في العراق، بتصديهم للعمل الحكومي والتشريعي، ومن يتصدى عليه تحمل المسؤولية لا الهروب منها، بسبب البعض استشرى الفساد وهدر المال.. وقد اثبت بالدليل القاطع معضمهم ليس برجال دولة لهذا تجدهم في المواجهة يهربون حاملي امتعتهم، تاركين العراق وشعبه يلاقي المصير لوحده… اما من مغيث يغيث هذا البلد الكريم الذي أثكلته الجِراح وويلات الزمن؟