23 ديسمبر، 2024 2:11 م

بقاء الحشد الشعبي من عدمه

بقاء الحشد الشعبي من عدمه

من الأمور المهمة جداً ، وقد تكون مصيرية لواقع ولمستقبل العراق ، مسألة بقاء الحشد الشعبي من عدم بقائه وتأثير ذلك سواء على المستوى المحلي ( شعبياً ورسمياً أي حكومياً ) أو على المستوى الإقليمي ( موقف الدول الأقليمية كإيران والسعودية مثلاً ) أو على المستوى الدولي ( كموقف أمريكا خصوصاً والدول الأوربية وغيرها ) . الحشد الشعبي تأسس بموجب فتوى ( شيعية المصدر ) وضم مليشيات وفصائل متنوعة من مختلف الشرائح غالبيتها شيعية المذهب ومعظمها إذا لم يكن جميعها ذات ولاءات طائفية أو حزبية أو فئوية ومن ثم بتحايل معين ، عادةً ما يتبعه الساسة في الدول المتخلفة ، تم إضفاء الإطار القانوني والشكلي لتشكيلات الحشد الشعبي من خلال إعتباره منظومة عسكرية خاضعة للقائد العام للقوات المسلحة وهو رئيس الوزراء ، بالرغم من إن تشكيلات الحشد الشعبي ، شكلياً ، تخضع للقائد العام للقوات المسلحة إلا إنها في الواقع عبارة عن فصائل مسلحة تتبع كلياً لقائدها المرتبط طائفياً أو فئوياً داخلياً أو خارجياً . هذا المشهد واضح للجميع بدون إستثناء حتى لأكثر الأشخاص غباءً . ليس من شك من أن الحشد الشعبي كان له دور في معارك التحرير الى جانب دور جهات متعددة أخرى متمثلة بالقوات المسلحة العراقية بكل صنوفها والتحالف الدولي في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية . ولولا تشكيل التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ومساهماتهم ومشاركاتهم الفاعلة في معركة داعش خصوصاً من ناحية الإستطلاع والإسناد الجوي والمهام اللوجستية الأخرى لما كان بالإمكان القضاء على داعش ولعجز الجيش العراقي والحشد الشعبي وحتى بمساعدة الجارة إيران من تحرير الأراضي التي إحتلها داعش . إلا إنه مع كل الأسف يدعي الكثيرون من الجهلة بأن النصر تحقق على أيدي المجاهدين من الحشد والجيش ناكرين الدور الأساسي لقوات التحالف الذي حقق النصر . الجميع من الأذكياء فقط يعلمون هذه الحقيقة والأغبياء والجهلة هم من ينكرون ذلك . من البديهي بعد إنتهاء المعارك يحاول الجميع الإعلان عن أنهم من حقق النصر ولولاهم لكانت الأمور مختلفة ولكانت العاصمة بغداد ساقطة بيد داعش . الحقائق بكل أبعادها تشير الى انه لولا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لسقطت بغداد وجميع المحافظات من قبل داعش ولوجدت الجيش وفي مقدمتهم الحشد الشعبي بدون أي زي عسكري يهربون الى مختلف الإتجاهات . أليس هذا هو الواقع وما حصل في الموصل والمحافظات الأخرى عند دخول داعش بأفراد وسيارات وأسلحة بسيطة معدودة هزمت أقوى التشكيلات العسكرية العراقية المسلحة بكل أنواع الأسلحة المتطورة . أليس تلك القوات المسلحة العراقية في ذلك الزمن عند دخول داعش هي نفس القوات المسلحة الآن ؟ المهم على الجميع أن يدركوا بأن الحشد الشعبي ليس هو صانع النصر ، مع إحترام تضحياته ، وإنما النصر تحقق أولاً من خلال التحالف الدولي ومساهمة القوات المسلحة العراقية بكل صنوفها وقوات البيشمركة وأخيراً الحشد الشعبي . وهنا تجدر الإشارة الى إن تشكيل الحشد الشعبي جاء لهدفين رئيسيين أولهما مواجهة خطر داعش من ناحية وثانيهما إيجاد مؤسسة أخرى عسكرية مؤثرة موازية للمؤسسة العسكرية التقليدية مهمتها الأساسية حماية النظام والدفاع عنه عند تعرضه لأي خطر أو تأثير على وجوده، وحتى مواجهته لأي إنقلاب عسكري . هذه هي حقيقة تشكيل الحشد الشعبي .
– [ ] في ضوء هذه الحقائق يبدو إن تشكيلات ومهام الحشد الشعبي الآن ليس الدفاع عن الوطن وتحرير الأراضي وإنما لأهداف أخرى غير معلنة . إنه إمتداد للحرس الثوري الإيراني وجزء لا يتجزأ من منظومة السياسة الإيرانية في المنطقة . إن من يُرّوج للحشد الشعبي بإعتباره منظومة عسكرية عراقية خالصة تخضع كلياً لأوامر القائد العام للقوات المسلحة أمثال العامري والمالكي والمهندس وفياض ومقتدى الصدر وحيدر العبادي والحكيم وكذلك رئيس الوزراء وعشرات من النواب والشخوص المنتمين لهؤلاء ، هم أنفسهم يعلمون علم اليقين بأن حقيقة وجود الحشد الشعبي هي ليست كما يُروَّج لها بأنها لحماية الوطن كمهام القوات المسلحة العراقية بكل أصنافها .الخلاصة من كل ما ورد أعلاه هل يفترض حل الحشد الشعبي أو إبقائه كما هو ؟ للجواب على هذا التساؤل المهم لا بد من توضيح ما يلي :
– [ ] ١- ساهم الحشد الشعبي في مواجهة داعش بكل شجاعة وساهم في تحرير بعض المناطق بدون شك ولكن الهدف الأسمى لهذه المشاركة هو في الحقيقة لحماية النظام الحاكم الذي تسيطر عليه معظم الأحزاب الشيعية ذات الطابع الديني الطائفي . فعندما سقطت الموصل مباشرة لم تصدر الفتوى بتشكيل الحشد الشعبي وإنما تشكل عندما وصل خطر داعش على حدود بغداد والذي يعني سقوط النظام بسهولة ولهذا جاءت الفتوى لإنقاذ النظام من السقوط ليس إلا .
– [ ] ٢- بعد إنتهاء المعارك وتحقيق النصر على داعش ليس هناك مبرر منطقي من بقاء الحشد الشعبي بتشكيلاته المعقدة . فمن جانب إنه يخضع ( شكلياً ) للقائد العام للقوات المسلحة ومن جانب آخر إنه يخضع لقياداته المرتبطة معظمها بأجندات غير وطنية .
– [ ] ٣- إذا كانت هناك حاجة فعلية للحشد الشعبي لحماية العراق لماذا لا يندمج مع القوات المسلحة العراقية بكل أصنافها بحيث يتم توزيع كافة أفراد الحشد على الوحدات العسكرية بمختلف صنوفها ويصبح للعراق جيش واحد متجانس بصنوفه وتشكيلاته ومهامه وقياداته وينتهي بذلك كل هذا الجدل العقيم من بقاء الحشد أو حله . أليس هذا هو المنطق أم لا ؟ ولكن من المستحيل تحقيق ذلك لأن دمج الحشد الشعبي وإذابتهم بالقوات المسلحة النظامية سوف يُجرد قياداته وتوابعهم من التحكم والسيطرة بشكل مطلق على زمام الأمور في البلد وتضيق أمامهم فرص السرقة والإستحواذ على موارد البلد لأغراضهم الشخصية ولأتباعهم .
– [ ] ٤- إن الحشد الشعبي في معظم تشكيلاته ومهامه صورة مشابهة لحد ما للحرس الثوري الإيراني وبذلك يمكن إطلاق تسمية ” الحرس الثوري العراقي ” بدلاً من الحشد الشعبي . فالحشد الشعبي أصبح الآن منظومة مسلحة تسليحاً يوازي تسليح القوات المسلحة من ناحية ، والأهم من كل ذلك أنشأ إمبراطوريات مالية كبيرة ودخل في كثير من المفاصل الإقتصادية وكون له مصادر مالية أساسية لتمويل نشاطاته المختلفة خارج السياقات المعروفة للدولة . وبذلك حقق الثلاث عناصر الأساسية للسيطرة الفاعلة على مقدرات الأمور في البلد وهي : السلاح والمال والمجندين العقائديين . وهذا هو نفس حقيقة وواقع الحرس الثوري الإيراني الذي تأسس وفق تلك العناصر ، والإختلاف الوحيد هو إن ” الحرس الثوري العراقي ” يخضع لحد كبير لتوجيهات الحرس الثوري الإيراني وليس العكس .
– [ ] ٥- إن بقاء الحشد الشعبي بالصيغة الحالية سيضع العراق في موقف محرج ومتأزم في ظل الظروف الإقليمية والدولية السائدة في منطقة الشرق الأوسط في مقدمتها الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها وبين الجمهورية الإسلامية في إيران وبعض مؤيديها . فالسياسة الأمريكية وحُزم العقوبات إتجاه إيران سوف لن يُسمح للعراق أن يقف في نقطة الوسط . لأن عليه أن يحدد موقفه من الكثير من القضايا المتعلقة بالصراع الدائر بشكل واضح ورسمي حتى ولو كان ذلك خلف الكواليس . وبالنظر لكون الإتجاه العام لمعظم فصائل الحشد الشعبي يميل كلياً ومؤيد لموقف الدولة الجارة إيران ضد قرارات الولايات المتحدة الأمريكية فإن ذلك بالتأكيد سيقود الى خضوع الحشد الشعبي للعقوبات الأمريكية وقد تمتد العقوبات لتشمل بعض مفاصل الدولة العراقية بسبب تداخل الكثير من الأمور بين الحشد الشعبي ومؤسسات الدولة وعلى مختلف المستويات . والنتيجة بالتأكيد إذا تعقدت الأمور سيكون العراق ساحة للصراع وقد تبدأ بعض العمليات العسكرية على أرضه وسوف يخسر العراق مع الأسف أعداد من شبابه نيابةً عن الآخرين خصوصاً وإن معظم قيادات الحشد الشعبي ومؤيديه لا يتوانون عن تقديم التضحيات بسبب هذا الصراع مهما بلغت في أعداد البشر أو في الإمكانات المادية والمالية إرضاءً للجارة التي تمثل مركز العقيدة في عقولهم . بعبارة بسيطة ان مصلحة العقيدة الطائفية فوق مصلحة الوطن . ماذا يعني تقديم عشرات الآلاف من أرواح شباب العراق وتعطيل الحياة وتدمير الإقتصاد ومستقبل البلد في سبيل العقيدة ونصرة المظلوم ، الكل فداء ذلك من وجهة نظر معظم قيادات الحشد الشعبي .
– [ ] النتيجة النهائية وفي ضوء التحليل أعلاه ، فإن إبقاء تشكيلات الحشد الشعبي كمنظومة عسكرية موازية للجيش العراقي سيؤدي حتماً الى جر العراق الى نتائج الصراعات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط وسيجعل من العراق الساحة الأولى للمواجهات العسكرية وسيدفع بشبابه نحو الموت ” أي الشهادة بمفهوم قياداته ” نيابة عن الآخرين نصرةً للمذهب ، لأنهم سينفذون حرفياً ما يُطلب منهم من قبل الحرس الثوري الإيراني وهذه حقيقة لا يمكن أن تخفيها قيادات الحشد وإلا على تلك القيادات أن تعلن إستقلالها الوطني وأن لا تكون جزء أو واجهة لأي طرف في الصراع وأن لا تنفذ أي نشاط أو فعالية تأتيها بأوامر وتوجيهات مباشرة أو غير مباشرة من الخارج . وهذا ما لا يمكن تحقيقه لأن ذلك سيجردهم من نفوذهم في السيطرة على قرارات الدولة ومقدراتها . أما إذا دُمج الحشد وانصهرت تشكيلاته جميعاً ضمن الوحدات المختلفة للجيش العراقي النظامي فإن ذلك سيؤدي الى إنقاذ العراق من النتائج السلبية التي ستنشأ من الصراع الدائر في المنطقة ، ولربما يستفاد من هذا الصراع في تقوية مكانته ومركزه وإستقطاب دول العالم المتقدم للمساهمة في حل مشاكله المستعصية المتراكمة ، والتي سببها نفس تلك القيادات ، وتطوير إقتصاده في مختلف المجالات ووضع بعض مؤشرات المستقبل الواعد للأجيال القادمة التي ستواجه أسوء المجهول لو بقت الأمور كما هي عليه الآن وبقي الحشد الشعبي هو الفاعل في الساحة العراقية .
– [ ] في الختام ، تساؤل مهم وهو لماذا لا تتناول بعض البرامج الحوارية في القنوات العراقية مسألة دمج وإنصهار تشكيلات الحشد الشعبي في مؤسسات الجيش العراقي النظامي ، دون الدعوة لحله ، بالشكل الذي تكون هناك قوات مسلحة عراقية نظامية فقط دون وجود تشكيلات غريبة في مفاهيم الجيوش النظامية في العالم . وأعتقد ، لحد ما ، بأن برنامج ” بالحرف الواحد ” أو برنامج ” البوصلة ” الذي أتابعهما بإمكانهما مناقشة هذا الموضوع بالرغم من حساسيته والذي يتطلب جرأة في الطرح والمناقشة والتبرير بدون خوف أو مجاملات أو غير ذلك . أي إن محور النقاش ينصب على : ” لماذا لا تندمج وتنصهر جميع تشكيلات الحشد الشعبي وتتوزع على مختلف صنوف الجيش العراقي وبذلك نحقق مسألتين مهمتين وهما أولاً إن القوات المسلحة العراقية هي منظومة مهنية واحدة تخضع لقيادة واحدة ومعلومة وننتهي من النقاش العقيم : هل يبقى الحشد ألشعبي أم يُحل ؟ ، وثانياً إثبات حقيقة إن الجهات العسكرية والأمنية للبلد لا تتضمن تشكيلات أو مافيات أو عصابات مسلحة وبذلك يمكن تعزيز مكانة البلد ضمن المجتمع الدولي وإحترام مؤسساته والتعامل معه كدولة مؤسسات وتجنيب العراق من الإحراج أو خسارة مكانته الدولية .