كان ياماكان … يحكى أنه كان هناك في بلد أسمه ” بروسيا “- ألمانيا الحالية قبل أن تتوحد ولاياتها – يحكمه أمير فذ أسمه ( يوجين )… وهذا ألأمير دوخ اوربا في سلسلة من المعارك والحروب ، لم يشهد مثلها لا الرفيق عنترة بن شداد ولا الملا أبو زيد الهلالي ، الا ان معاركه لم تكن من أجل عيون ليلى العامرية أو الهلالية ، بل من أجل عظمة بروسيا وضمان مكانة سامية لها بين ممالك اوربا الكبرى آنذاك … ونجح في مسعاه أيما نجاح .
كان لهذا ألأمير بغلة يعتز بها ، سماها بما يعني بالالمانية ” الصابرة “- وهي تسمية قريبة الى تسميتها بالعراقي ( أبو صابر ) لانها رافقته في كل معاركه وفتوحاته ، تحمل أغراضه وعدته خلال عشرين سنة ، وتحملت ما تحملت بجلد وصبر ولم تنبس بأية شكوى … كما أنها … ولوطنيتها العالية ، لم تفر من أرض المعركة لتعود الينا بعد ذلك وتؤسس جمعية ” رافضي الحروب ” ، كما انها ، وللحق نقول ، لم تهرب طالبة اللجوء الانساني او السياسي من دول الاأعداء او الاصدقاء …. بل تحملت بكل صبر مصيرها ورضيت بما تقسمه عليها الايام الى حين تقاعدها . اميرنا العظيم صاحب الانتصارات الكبيرة هذا ، سأله البعض مرة : ياأميرنا ، كيف أصبحت قائدا عظيما وسياسيا محنكا فهل هذه العظمة هي خلاصة ما تعلمته من تجارب وخبرات في حملاتك الكثيرة ؟
نظر ألأمير يوجين يمينا وشمالا ، فقط ليتأكد أن ألمخبر السري ليس موجودا ليسجل مايقوله ثم ليحرفه ويقع في التهلكة … وبعد تأكد من عدم وجود الخطر ، أجاب :
يا أحبابي لماذا تظلمونني …. هذه بغلتي ” الصابرة ” ، قد رافقتني 20 عاما في كل معاركي وحملاتي ، وبقيت تؤدي نفس واجبها … تحمل الاثقال على ظهرها وتسير في الممرات التي اليها أوجهها …. فقل لي .. يرحمك الله ما الذي تغير فيها .. ما ألذي تعلمته من 20 سنة في مرافقتي …هل طورت تكتيكها أو طريقة سيرها وحملها لاثقالها وهل صارت قائدة تعلم البغال الاخرى تجربتها ؟ وهل صارت تقودها ؟ ؟
رباط الكلام ….من يولد عظيما ، تزداد عظمته بما يتعلمه من تجارب الحياة وما ينهله من معارف … فيفرض نفسه على الاحداث ليسجله التاريخ في سجل الخالدين . امثال هؤلاء كثيرون… الانبياء الصالحون والقادة العظام ، والمصلحون الكبار .
ومن يولد بغلا – مع كل احترامنا للبغل الحيوان لان دوره كان كبيرا في دورة التطور البشري – فانه يبقى بغلا يقوم بما هو مناط به ، ولا يمكن أن يرقى الى مصاف العظماء مهما كان الحمل ثمينا أو كبيرا على ظهره.
أبو صابر يبقى معززا ومكرما مادام يحمل الاثقال ويكتفي من الدنيا بباقة الجت ، لكنه يبقى بغلا مهما حاولنا تجميله ، وهو لن يتعلم من تجاربه او يتغير حتى لو انتخبناه رئيسا لعشرين سنة ولن يغير من حاله شيئا مهما حاولت الحاشية ووعاظ السلاطين ألباسه لبوس الملائكة .
القادة العظام حجزوا أماكنهم في قطار التاريخ بأفعالهم وأدائهم ومواقفهم العظيمة ، فخلدهم التاريخ . اما “صابرة “يوجين وأبو صابر العراقي ومن مثلهم ممن لم يولدوا عظاما ولم يتعلموا شيئا من فيض الحياة شيئا منها . فطريقهم هو السير بهدوء بعد حين الى المقابر … او الى المجازر …. او المزابل ( لا فرق ) . لان العظمة تخلق وتتطور بالممارسة ولا يمكن اصطناعها لا بالاموال ولا بهتافات المهرجين المدفوعي الاجر .. .
وينطفىء ذكرهم حال مغادرتهم دنيانا .. في حين يبقى ذكر العظماء خالدا … وتصبحون على خير….