بعد انقطاع طويل قمت بجولة في بعض مناطق وشوارع الحبيبة بغداد ، وفي هذه الأثناء خطرت في بالي أغنية بلبلة الشرق السيدة فيروز عندما صدحت بحنجرتها الذهبية وصوتها الشجي السلحر :
بغدادُ والشعراءُ والصورُ …… ذهبُ الزمانِ وضوعه العطرُ
عيناكِ يابغدادُ أغنية …… يغنى بها الوجودُ ويُختصَرُ
لمْ يُذكر الأحرارُ في وطنٍ …..الّا وأهلوكِ العلا ذُكروا
رائعة فيروز حرّكت في داخلي شجونا وشؤونا … طربا وحزنا في نفس الوقت ، طربتُ وبكيتُ بلادموع وتساءلت مع نفسي :: هل مازالت عينا بغداد أغنية ؟؟ وهل مازالت بغداد ( ذهب ) الزمان ؟؟ وهل مازال الوجود يغنى ببغدادَ ويُختصرُ ؟؟ لقد سالت الدموع واستيقظت الجروح وأنا ارى حبيبتي قد شاخت وهرمت وتقطّعت أوصالها ، وأفل نجم شبابها وتلوّث هواءها .. بعدها عبرت على أحد الجسور لأرى ( دجلة الخير ) النهر الخالد وأنا أدندن مع نفسي رائعة الجواهري الكبير
وهو يتغنى بنهر دجلة :: حييتُ سفحكِ عن بُعدٍ فحييني …… يادجلةَ الخير ياأم البساتين
وجدتُ دجلة تبكي وتشكو الجفاف وكأنها تستنجد بي وتحاورني وتقول : أنقذوني .. فطالما أنقذتكم من الظمأ …. نعم يادجلة نعم ياحبيبتي فقد ارتوينا منكِ وارتشفنا من عذب ماءكِ ولقد منحتينا الأمن والسكينة والجمال ..
ياحبيبتي بغداد لقد وجدتك مهشمة الأجزاء ، وطيور الحزن تحلق فوق رأسكِ ، وأين ذلك البهاء والجمال ؟ وأين تلك النجوم التي كانت تتلألأ فوق رأسك ؟؟ ورحم الله أبا نواس حيث قال :: ( يادارُ مافعلتْ بكِ الأيامُ ) .. لقد بكيت عندما رأيت شهريار يبكي وشهرزاد تبكي وأبا نواس يبكي .. ظننتُ انني استطيع ان أشعل شمعة من جديد وأكتب كلمات الفرح بمداد دجلة ، لكن اين هو الفرح ومن اين يأتي ؟؟ وبغداد تبكي على دندنات جراحها بسبب حماقات الطغاة والفاسدين والسراق .. لقد خذلكِ القدر وتكالبت عليكِ المنايا وكل الصور تعكس الألم والأسى … والناس يئنّون من الجراحات بعد أن سُلبتْ حقوقهم وحرياتهم ..
يابغداد .. ياأميرة الأميرات : لاتبكي ، فالبكاء لايليق بكِ .. اخلعي ثوب الحزن … ايتها الحسناء اسمحي لي ان أمسح دموعك فأنتِ باقية ولابد ان تصنعي التاريخ من جديد ، وستبقين ملهمة للشعراء والعاشقين ، وسوف يثمر صبرك وسوف يرحل الطغاة الى مزبلة التأريخ ، وسوف يشرق فجر جديد وسوف يعود شهريار وهو يعانق شهرزاد .. أما النجوم فسوف
تعود تتلألأ فوق سمائك .. وسوف نلبس ( ثياب العيد ) فرحا وابتهاجا ياحبيبتي لاتحزني لنا سقوف لاتخاف المطر .