23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

منذ اعلان النائب عبد الحسين عبطان المنتمي لتيار الحكمة الاستقالة من عضوية مجلس النواب تحت عنوان “فسح المجال للشباب”، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وأخواته) تحولت الى ساحة لتبادل الاقتراحات بشان هوية أمين بغداد القادم وهل يجب ان يكون بغداديا إيصلا من “البغادة” او من خارج أسوار العاصمة التي تتوسع حدودها وتضيق مع تبدل الأنظمة التي تعاقبت على البلاد منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة.

وعلى الرغم من عدم اعلان عبطان نيته الترشح لمنصب امين بغداد، لكن تيار الحكمة وقياداته تروج في اكثر من مناسبة بأن عبد الحسين عبطان سيكون المرشح لمنصب امين بغداد وفقا لنظام المحاصصة في توزيع المناصب، وهو مادفع الناشطين على “السوشيال ميديا” الى إطلاق حملة “بغداد للبغداديين” بعد ساعات على استقالة عبطان في محاولة لقطع الطريق على تيار “الحكيم” الذي تعاقبت قياداته على ادارة امانة بغداد ومجلسها منذ ايام صابر العيساوي صاحب اكبر ملف فساد في مشروع تطوير القناة وصولا الى معين الكاظمي الذي شغل منصب رئيس مجلس المحافظة قبل اعلان منظمة بدر انشقاقها من المجلس الاعلى الاسلامي الذي خرج من رحمه تيار الحكمة فيما بعد.

لكن المطالبات بمنح منصب امين بغداد لاهالي العاصمة “حصرا”، قد تزيد الطين بلة، لكونها محاولة لمعالجة الخطأ “بمصيبة” اكبر، وهي “المناطقية والقبلية” التي يمكن ان تخلق “طبقة” فوارق كبيرة بين اهالي بغداد، وتجعل الهوية المناطقية هي معيار التنافس على المناصب وخاصة الخدمية وليس الكفاءة والنزاهة، فبغداد ليس بحاجة لامين “مناطقي” او طائفي يمنح أقاربه المناصب والمقاولات ويمحي الهوية الوطنية التي تتمتع بها العاصمة من محال عقد النصارى مرورا بالازبكية والطاطران وصولا الى تبة الكرد والاثوريين والمعدان وبقية المناطق التي تحمل اسماء عشائر وهويات اندمجت مع المجتمع البغدادي وأصبحت احدى مكوناته الرئيسة، نعم العاصمة بغداد بحاجة لأمين عراقي بعيدا عن المسميات او الانتماءات الحزبية يقدم الخدمات للجميع من دون ان يسأل عن هويته الدينية او القومية.

ياسادة.. ان عمدة مدينة لندن تلك المدينة العريقة بجميع ماتملكه من تقدم عمراني وخدمات، صادق خان، مسلم من أصول باكستانية وصل الى منصبه بالكفاءة والنزاهة ولَم يتسائل اهالي العاصمة البريطانية عن ديانته اوعقيدته وهويته القومية او الوطنية،، فلماذا نستكثر على بغداد التي استطاعت “ترويض” المغول والترك والفرس والشيشان وقبلتهم وجعلتهم من البغداديين يعمرون فيها ويحيون اسواقها ومنازلها بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية والجغرافية، ان يكون محافظها عراقيا فقط يحمل صفات البناء والإعمار ولا ينظر لابن سوق حمادة على انه كرخي او أبن منطقة السفينة على انه معظماوي او يمنح الكظماوي حصانة لانه ينتمي لطائفته، علينا ان نتسأل كيف سمحنا للنائب “المتصابي” عبد الامير تعيبان بان يستغل دعوات المناطقية، ليطالب بتسمية امين لبغداد من السنة “حصرا”، وزادها في ذلك على ان يكون بغدادي “اصلي” شرب من ماء دجلة واكل من خير تربتها، ياسيادة النائب من اخبرك ان نهر دجلة يروي اهالي بغداد فقط ومن قال لك ان اهالي بغداد مازالوا يعتمدون على الزراعة من خيرات ارضهم، بعد ان اصبحت البلاد تستورد جميع المنتجات بفضل العملية السياسية التي تنتمي لها.

الخلاصة… ان مشكلة بغداد وتوفير الخدمات لمواطنيها وجعلها تليق بمكانتها التاريخية لتكون مساوية على الأقل لعواصم بعض الدول “حديثة التكوين” التي كانت تحلم يوما بان تكون شبيه ببعض مناطق بغداد، لا تتعلق بالانتماء المناطقي او الطائفي، انما باختيار شخصية “كفوءة” يضع تاريخ بغداد وحضارتها امامه، حتى لو كان من اهالي النجف او سامراء او البصرة، فالتنافس هنا يكون على المنجزات والتجارب الناجحة وليس الانتماء، اخيرا.. السؤال الذي لابد منه… متى كانت بغداد للبغادة “حصرا”؟..