18 ديسمبر، 2024 7:39 م

مدينة خيرها لغيرها كالبلد الذي هي عاصمته الأبدية، لم تر الراحة مذ رأت نور الحياة على يد الخليفة البخيل أبي جعفر المنصور الدوانيقي الذي كان الدانق وهو عملة مشهورة في زمان الخليفة قريبا الى نفسه أكثر من سواه مما يحب ويفضل.

ولطالما غرقت بغداد، ولطالما حزنت، وإحترقت بالصراعات والمشاكل والبلاء الراتب والحروب، فكم من مرة غزاها العتاة من طواغيت الأرض، وحكمها الطغاة، فأحرقوا قلوب ناسها وعذبوهم، وأذاقوهم الويلات، ونفوهم في البلدان، وملئوا منهم السجون، وتركوهم مشردين في العراء، وفي كل زمن بلاء، ولافرق بين حاكم وحاكم، فكلما مرت الدهور تعاظمت الخطوب، وتناوشتهم بأصناف البلاء والوباء.

عقود من السنين يعاني العراقيون من حكام عتاة فجرة ولصوص وسراق وطغاة ومولعين بالدماء ولذة التعذيب والترهيب، والناس عندهم جرذان وحشرات، وأصناف من الأوبئة يجب الخلاص منها، والقضاء عليها، فهم زائدون عن الحاجة، ولاضير أن تطحنهم الحروب والفيضانات والمجاعات، وكان كل حاكم يسوقهم الى محرقة ويتفرج عليهم وهم يذوبون كالحديد المنصهر ويباهي بهم وبرجولتهم التي تسحق على السواتر وفي الخنادق، بينما نساؤهم تترمل، وأطفالهم تيتم وأمهاتهم ثكالى يبكين غدر الزمان، والقدر المحتوم الذي لايتجاوز العراقيين حتى يأخذ منهم مايريد.

الشتاء يأخذ من العراقيين أمانهم فيصيبهم بالفيضانات التي لاتأتي من بحر، أو نهر، بل بالمطر وآلة العجز التي عليها دوائر الخدمات الفاسدة والمترهلة والفاقدة للمسؤولية الأخلاقية والمهنية، وفي الصيف تسلبهم الحرارة راحتهم، وتثير أعصابهم فيكونوا مثل العليل الذي لايجد راحة من مرض، ولاتسكن أوجاعه، ويظل الوجع يعصر بروحه حتى يهلكها، وحين يشكو يتهمونه بالخيانة والتآمر على الوطن، بينما هو ناقم على من يحكم الوطن، ولاينشر عدلا في ربوعه، فتغيب العدالة، وتموت رويدا، ويكون القانون كرجل مصاب بالجذام ينفيه الناس فيسير لوحده في دروب الحياة.

بغداد بين حريق وغريق، وألم عتيق، لايكاد ينتهي حتى ينبعث من جديد على شكل وجع محتدم، وألم منتظم ينشر الفوضى في الجموع، ويتركها تتصادم مثل سفن غارقة في بحر لجي، وفي ظلام دامس.

لك الله ياوطن العذابات.