الملفات التي بحثها الرئيس العراقي في عواصم مختلفة؛ توضح الاهتمام الاقتصادي الذي يتمتع به الرجل. وهذا يجعل طريقة إدارة الدولة في المرحلة القادمة، أسهل من السابق، إذ أنّ الاقتصاد ومخرجاته قد تحقق، مطالب الناس وتقلّص من حجم المعاناة وبالتالي تفضي إلى استقرار مطلوب في النظام السياسي.
إنّ المسؤولية الخارجية التي يضطلع بها الرئيس، تشير الى طريقة أدارة جديدة ومتقدمة؛ يمكن أن تستثمر لخلق السلام في المنطقة.
لا شكّ أنّ الموضوع ليس بهذه السهولة، بيد أنّ ترسيخ مبدأ “العراق ساحة لتلاقي المصالح وليس للصراع” كمنهج تسير عليه الدولة، سيقود حتماً الى نتائج إيجابية، ويقلل من حدة تأثير التدخلات الخارجية، ويؤسس لعراق مؤثر في السياسية الإقليمية وليس متأثراً.
حركة برهم صالح، يمكنها تحقيق ذلك المنهج، وهنا تحتاج هذه الحركة الى ثلاث مرتكزات لإسنادها وجعلها حقيقة واقعة:
المرتكز الأول: نجاح الحكومة في المهام المناطة بها، وتغليب مبدأ تكامل الأدوار لا تقاطعها.
المرتكز الثاني: أن تساند القوى السياسية المختلفة هذا المنهج، من خلال تحديد الاولويات والذهاب نحو اتفاق يقضي بممارسة العمل السياسي ضمن اطار وطني معروف الحدود.
المرتكز الثالث: الدعم والمساندة الشعبية من خلال صناعة رأي عام وطني تساهم به مختلف الشرائح الاجتماعية، فالهدف المعلوم يتيح للمواطن، المساهمة في بناء دولة ناجحة وقوية.
إن جولة الرئيس برهم صالح الإقليمية والتي كانت آخر محطاتها (طهران والرياض) تعني أنّ العاصمتين المتقاطعتين تستمعان للرؤية العراقية الذاهبة الى افراغ أزمات المنطقة من محتواها وصولاً لتحقيق السلام، لا سيما وأن الأجواء مهيأة بعد سنوات من الخسائر، الى قبول هكذا رؤية تحقق مصالح الجميع.
التدهور بعلاقات العراقية مع المحيط العربي والاقليمي, والعائدة إلى عهود سبقت، سادت بها الحروب والصراعات مع ذلك المحيط، يمثّل أحد أسباب أزمة الدولة. لحظة التغيير التي توّجت بسقوط ذلك النظام, وتأسيس نظام جديد كانت تحمل ملف هذه الأزمة على أمل حلّها, بيد أنّه تأجّل كثيراً تحت تأثير التعطيل المتعمد, سواء الداخلي أو الخارجي. وعلى أية حال, لم توفق الحكومات السابقة في تسوية الملفات العالقة مع الدول الإقليمية؛ كالملف الكويتي, والإشكالات التي تشوب العلاقات العراقية-الاردنية, وغيرها من البلدان.
ولعلَّ زيارة الرئيس صالح للكويت وفتحه لملفات يمكن اعتبارها محور المشكلة, وكذلك حديثه مع الأردن عن الاشكاليات بين الطرفين “ملف الشخصيات المطلوبة”؛ يعكس جدية في احداث صلح حقيقي مبني على مبدأ المصالح والثقة المتبادلة, وهنا يكمن دور وتأثير رئيس الجمهورية وفعاليته في تمثيل العراق ككل وليس جزء, بمعنى أنّه يحمل القضايا الوطنية المتفق عليها من قبل الجميع وهذه تمثّل ضمير الدولة, على عكس ما تقوم به أحياناً ممثّليات العراق أو وزارة الخارجية, عندما تنشغل في القضايا التي لم يحصل عليها اتفاق داخلي, فضلاً عن كونها تثير حساسيات معينة, وغير مؤثّرة بشكل مباشر في حياة الناس.
الحراك الذي يحمل طابع الحياد الضامن لمصلحة الدولة, يمكن أن يخلق تفاهمات مع الاطراف المتقاطعة في المنطقة, بل يمكن أن يجعل العراق يلعب أدواراً كبرى في خلق التسويات التاريخية الكبرى بين تلك الاطراف.
إنّ هذه الحالة الجديدة في الرئاسة العراقية, إضافة إلى كونها تساهم في التفكير السياسي للدولة, فهي تنعكس بشكل مباشر على اداء الحكومة؛ إذ أنّ النجاح في ملف العلاقات الخارجية يوفر بيئة نجاح في الجوانب الأخرى كالخدمات والاستثمار والاعمار.
مقارنة بغداد بين سياسة عراق ما قبل 2014، وعراق 2018؛ تجعلها بين منهجين متخاصمين: سابق كبّل الدولة بقيود دفعتها لأزمات شتى، ومنهج جديد يريد تجنيب المنطقة برمتها أوار الحروب، فضلاً عن ترسيخ النصر الذي تحقّق بجهود عظيمة: والخيار بين عراقين؛ إما قبول قدر الحرب، أو المضيّ بطريق المستقبل.