23 ديسمبر، 2024 2:52 م

بغداد بين الامس واليوم

بغداد بين الامس واليوم

-1-
قديماً قال الشاعر :
(بغدادُ) دارٌ لأهلِ المالِ طيّبةٌ
                          وللمفاليسِ دارُ الضَنْكِ والضِيقِ
أصبحتُ فيها مُضاعاً بَيْنَ أَظْهُرِهِم
                          كأنني مصحفٌ في بيتِ زنديقٍ
كانت الأزمة اقتصادية بامتياز .
وكما يتعامل الزنادقة مع القرآن ،
كان الناس يتعاملون مع البائسين المستضعفين من ذوي الفاقة والحاجة …
حيث لايلقون منهم الا التهجم والتضييع .
ومع ذلك فلم تكن مسألة (الأمن) والخشية على الارواح مطروحةً على الاطلاق .
كان الفقير والغني يحظيان بالأمن والأمان، دون ان يكون لديهما هاجس مرعب يتعلق بالسلامة والنجاة من مخالب الإرهاب ..!!
-2-
وبغداد اليوم جرى تصنيفها، من قبل بعض المؤسسات المعنية بشؤون المدن في المعالم ، أنها تحتل المرتبة الأخيرة ، حيث ان الخطورة فيها على الحياة قد بلغت الذروة ..!!
-3-
وتزامن صدورُ هذا التقرير مع حَدَث مروّع هزّ العاصمة بغداد ، بل هزّ العراق بأسره ، فلقد أقدم (ضابط) من حرس الرئاسة على قتل الاعلامي الدكتور محمد بديوي بدم بارد ، دون ان يكون لهذه الجريمة البشعة اي مبرّر ..!!
لقد اعتدى جنود أربعة على الفقيد بديوي بالضرب ، وأنزلوه من سيارته ، ثم جاء الضابط القاتل فوّجه رصاصة غادرة الى رأسه فأراده قتيلا مضمخاً بدمه ….
-4-
وحين يصبح (الدم العراقي) رخيصاً لهذا الحدّ ، ينعكس ذلك – وبكل تأكيد – على الموقع الذي تحتله (بغداد) بين مدن العالم …
-5-
ولولا التدخل المباشر من رئيس مجلس الوزراء  – الذي حَضَر الى محل وقوع الجريمة ، وأصرّ على تسليم القاتل الى الجهات المختصة لتبدأ تحقيقاتها، تمهيداً للقول الفصل الذي ينطق به القضاء – لأمكن اخفاء القاتل او تهريبه…!!!
-6-
ولا ينبغي لأحد أنْ يُحمّل قوميّة معيّنة أو مذهباً معيناً ، أو جهة معيّنة المسؤولية عن هذه الجريمة .
انها مسؤولية القاتل نَفْسِهِ ، وليست مسؤوليةَ أهلِه وعشيرتِه ومذهبِه وقوميتهِ على الاطلاق ….
ان الخلل يكمن في طريقه التعاطي مع المواطنين .
وبَدَلاً من ان يكون الحسُ الانساني هو سيد الموقف، رأينا الهمجية والوحشية والبربرية ، تُطل علينا بأعلى صيغها ، لتفعل فعلها الأثيم ،    بعيداً عن كل القيم الدينية والانسانية والحضارية والاجتماعية والقانونية .
-7-
قال تعالى :
{ من قتل نفسا بغير نَفْسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً }
ان الاعتداء على حياة انسان بريء واحد هو بمثابة الاعتداء على حياة البشرية جمعاء .
وهكذا صان القرآن الدماء ،
وهكذا احتل الانسان الاولوية في سلّم الاهتمامات القرآنية .
فالأنسان هو المحور في كل الرسالات والحضارات .
-8-
ان هذه الجريمة ليست جريمةً بحق الدكتور بديوي وحده ،
 انها جريمة بحق العراق كلّه حيث انها تشوّه صورته ، وتزّهد فيه المستثمرين والسوّاح ، وكل الراغبين بالتوجه نحوه …
-9-
ونحن نستمطر شأبيب الرحمة والرضوان للفقيد الراحل د.محمد بديوي ، ونعزي به اسرته خاصة، وزملاءه الاعلاميين والاكاديميين، والعراقيين عامة .
ونشدّد على وجوب إنزال القصاص بالقاتِل ، والعقاب الصارم بكل من أساء اليه ليكونوا عبرة لكل معتبر .
كما نشدّد على ضرورة إشاعة ثقافة المحبة والاحترام للمواطنين، والتعاطي معهم من موقع الاخوة لامن موقع الغطرسة والاستعلاء .
انّ المأمورين (بحماية) المواطنين ، لايجوز لهم أبداً ان يتحولوا الى معتدين عليهم، ومتهاونين بكرامتهم وسلامتهم .

[email protected]