18 ديسمبر، 2024 6:45 م

بغداد العظيمة… تغرق في الظلام

بغداد العظيمة… تغرق في الظلام

لم تكن المرة الأولى، وقطعاً لن تكون الأخيرة، ان تغرق مدينة عظيمة بحجم بغداد في الظلام… هكذا يقول التاريخ، وتلك هي سننه التي لا تحابي ولا تعرف طريقاً للمجاملة!

بطبيعة الحال، أنا لا أقصد ذلك اليوم العجيب الذي شهدت فيه بغداد قبل أيام انطفاءً تاماً للكهرباء، وانقطاعاً للماء، أبداً، بل ان المقصود ظلام آخر، هو أشد قتامة، وأكثر ثقلاً.

وإذا استحضرنا بدءاً مقولة العلامة الكبير ابن خلدون (ان المدن العظيمة والهياكل المرتفعة إنما يشيدها الملك الكثير)، فقد بات لزاماً الاشارة إلى هذه المتلازمة الأساسية، بين اتساع الملك وارتفاع هامات المدن، ليس هذا فحسب، بل ان العظمة المقصودة لا تتعلق بالمباني فحسب، بل في الإنسان نفسه الذي ان أصابه الوهن فقد العمران قيمته، وكانت إشارة التدهور والانهيار.

لقد غرقت بغداد منذ زمن في ظلام دامس، ولم تعد تنفعها ــ والحالة هذه ــ أي أضواء مصطنعة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة!!

غرقت منذ زمن ببحرٍ من الدم الزكي اريق ظلماً وأصاب ملايين العوائل بالوجع الذي لا يندمل ولا ينسى، وظلام فكرٍ شائك، ونزاع عقيم على تاريخ أليم، وخوض في جدالٍ كالح يبعث على الكآبة كأنه شعار تويتر الجديد.

ان ظلام المدن ان وقع فهو إنذار شديد، باقتراب الاستبدال، بعد انتهاء الفرص، والتاريخ لا يمنح الفرصة لإثبات الوجود مرتين!!

بغداد تغرق منذ زمن، والأرقام ترسخ ذلك، فما معنى أن تقع 651 مشاجرة في أقل من 10 أيام، في دليل واضح على هذا المتغير المجتمعي الذي تسلل لنا دون ان نشعر وأصاب قيمنا وسلوكنا في مقتل، وكأن نفوسنا اليوم تشتعل بلهيب تموز القاسي، فكيف الحال مع آب اللهاب!!

وما معنى ان يقطف موسى، تلك الزهرة التي لم تكد تبتسم للحياة بعد، بهذا التوحش العجيب من قبل زوجة أبيه التي استسلمت اللغة العربية أمام وصفها بالكلمات؟!

وما معنى أن تسجل المحاكم العراقية آلاف حالات الطلاق في شهر واحد في ظاهرة تفكك غير مسبوقة ولها من التأثيرات والتراكمات الكثير؟!

بعد عقدين من الاخفاق، تغرق بغداد مجدداً في الظلام، حاجزة مكانها في أقسى مراحل التاريخ وأشدها.. دون ان ينجح الردع ولا انتقائية الأحكام في منع ذلك.

والتاريخ يا سادتي لا يعرف سوى الانجاز، وعلاج ظواهر الأشياء فقط وإغفال البنى المتهالكة للنفوس والمدن والمجتمعات لا ينفع.. ولا يُقنع!

فهل من معتبر؟!!