23 ديسمبر، 2024 7:44 ص

بغدادُ مِن مَعالمها علّامتها الحنفي

بغدادُ مِن مَعالمها علّامتها الحنفي

رجل دين مَدينيّ بغداديّ (الشَّيخ «جلال الدِّين الحنفي» 1914- 2006م) لقبَ نفسه بالحنفي اعتزازاً بأبي حنيفة الكوفيّ وبالبغداديّ اعتزازاً بتاريخ مدينة السَّلام بغداد وبمثابته بجامع الخُلفاء فيها، انجبَ: بكره لَبيد كُنّي به، ثمَّ واعية وداعية.تعلَّمَ القُرءان الكريم على مُلّا إبراهيم الأفغاني في محلة الميدان، وبعض علوم القُرءان في كتاتيب البصرة، حيث كان والده مُوظَّفاً في البصرة في العهد العُثماني مِن مُريدي طالب النقيب، عاد والده إلى بغداد فدرس في مدارس الباروديَّة والمأمونيَّة والحيدريَّة الابتدائية وحاز 100% في الامتحان الوزاري سنة 1929م. أشتغل مُصححاً ومحرراً في المجلّات الإسلاميَّة ويدرس في المساء، دخل دار العلوم العربيَّة والدّينيَّة واتصل بأشياخه: محمد القزلجي ورشيد آل شيخ داود وكمال الدِّين الطّائي وسليمان سالم الكركوكلي وعبدالقادر الخطيب ومحمدسعيد الاعظمي والأساتيذ: رشيد شلبي وعبداللَّطيف اثنيان ومحمد شفيق العاني ومحمد فهمي الجَّرّاح وغيرهم. في عام مولِد صدّام 1937م عُيّن خطيباً في جامع عطا في الكرخ وإماماً في جامع نعمان الباجه جي في الرّصافة، عام 1939م سافر في بعثةٍ إلى الأزهر الشَّريف ودخل كُليَّة الشَّريعة رفقة شاكر البدري. ولمّا قامت الحرب العالميَّة الثانيَّة عاد إلى العِراق. نُقل إلى جامع الوصي (الحُرّية حالياً) في محلة العيواضية عام 1949م ونُقل إلى جامع أمين الباجه جي عام 1953م ثم نقل الى جامع كوت الزّين في البصرة ثم إلى جامع الكهية في الميدان عام 1957م، ولتدخله في شؤون الأوقاف فُصل عام 1959م وصدر مرسوم جُمهوري بإعادته فرفضه، عام 1966م اُنتدب مُشرفاً لُغويَّاً في وزارة الإعلام العراقية، واُنتدب إلى الصّين الشعبية لتدريس اللُّغة العربيَّة في معهد اللغات في (شنغهاي) حتى عام 1969م تعلَّم خلالها اللُّغة الصّينيَّة. قال: نشأت زاهداً في الحياة فكنت أعزف عن كل مظاهر الحياة ومباهجها ومُغرياتها فكنتُ ألبس (الدِّشداشة) وأرتدي فوقها العباءة وعمامتي البسيطة هذه التي لا تشبه العمامة المصريَّة والشَّاميَّة والعِراقيَّة فانفردتُ بها. أنا استغرب وأتعجب مِن الأئمَّة والخُطباء الرَّسميين الذين يرتدون اللّباس الاُورُبي (السّترة والبنطلون) وفوقها الجُّبة يخنق رقبتهم (الباينباغ) وغير ذلك من اللّباس الذي اُبتدع عندهم. قبل 30 عاماً عام 1988م، خلال غزو بداوة صدّام، نشرت مَجَلَّة «التضامن» اللندنيَّة للحنفي:

“ أدركتُ مِن القَرن العشرين ما يزيد على ثمانية عقود، فأنا الآن مُتذكِّر مِن هذه العُقود أوائل أيّامها وسوابق أحداثها وملامح التطوّر فيها، وأنا مُتذكر كذلك ما تلا ذلك، ولبثتُ أتابع حياة البغداديين مُتابعة دقيقة حتى تفقهتُ فِقه أدبهم ومِن ذلك أمثالهم ونكاتهم وأغانيهم مِمّا يدخل في إطار لُغتهم ومُصطلحاتهم وتابعت ما استطعت صناعاتهم وحرفهم وسُننهم الاجتماعيَّة وأعرافهم البيئيَّة“. كانَ في مُقدِّمَة مَن ظهر في السّاحة العلّامة الابُ «انستاس ماري الكرملي» “وكنتُ اتصلتُ به وأنا ما أزال طالباً في الصَّف الخامس الابتدائيّ وواصلت التردد عليه في دير اللّاتين ببغداد وآخرونَ مِن رجال الصَّحافة الذين وجدناهم على جانب كبير مِن الحرص على هذا النمط مِن التدوين الشَّعبي الشَّامل“. تردد على كُلِّ مكان وعلامة حياة فيه “ فشاهدتُ (القصَّة خون) الذي يسرد سيرة عنتر بن شدّاد العبسي في بعض المقاهي في محلَّة الفضل ورأيتُ صراع الدّيكة، وشاهدتُ الدَّلالين يُعلنون بيع البُيوت وإيجاراتها في المقاهي.. ولاحظتُ وسائط النقل البريَّة والنهريَّة حتى أني ركبت في احد الأيّام (الگاري) الذي كان واسطة نقل مألوفة بين الكاظميَّة وبغداد في جهة الكرخ ولم اكُن اُريد بذلك الوصول إلى مكان ما، ولكن لمُجرَّد أن أرى مَذاق مِثل هذه الوسائط وما تحدثه في النفوس مِن نشوة، وشاهدتُ (الزَّور خانات) ومُصارعة البهلوانيَّة، بل أني اشتركت في زور خانة (مهدي زنو) رحمه الله في الدَّهانة، وصلَّيتُ في مُعظم مساجد بغداد واخترقتُ مُعظم الأسواق ومِنها سوق (القاطر خنة) وسوق الغزل وسوق الهرج وسوق الصَّفافير وسوق حنّون، وكنتُ اتبع السّبايات التي كانت تمور في بغداد، وأدركُ بعض حالات السُّفور في أوَّل بروزه في البلد.. وكُنتُ في أواخر العشرينيّات أمشي مع صديق فمرَرنا ونحن في محلَّة (دُكّان شناوة) ببيت فقالَ لي اُنظر إلى هذا الشُّبّاك فانَّ فيه سِلكاً ظاهراً على الطَّريق يجلب الاخبار مِن مصر فكذبته وأسكته إذ كانَ ما قاله مِمّا لا تُصدِّقه العُقول يومذاك، وكان عبدالعزيز البغداديّ وهو صاحب محل للسَّجائر يمنح جوائز لمَن ينجح في سباقات كان ينظمها فكان يقم له هديَّة واحداً مِن هذه الرّاديوّات وذاك قبل انتشارها في الأسواق، ثمَّ ظهرَ الرّاديو في بعض المقاهي، وقالت العامَّة في بغداد أن هذا مِن عمل الشّيطان فلمّا سمعنا القرآن الكريم يُتلى مِن إذاعة مصر، ولنقل أخبار المُصاهرة المصريَّة- الإيرانيَّة؛

زواج آخر مُلوك فارس پهلوی «ذهبَ مع الرّيح ( برباد رفته )» وامبراطورة إيران آخر أميرات اُسرَة باني مصر الحديثة “ مُحمَّد على باشا ”، شقيقة آخر مُلوك مصر “ فاروق ”، الحسناء المُعمِّرَة 92 عاماً “ فوزيَّة ” شبيهة حائزة جائزة اُوسكار عن بطولتها لفيلم «ذهبَ مع الرّيح عن الرّواية الأشهر Gone with the Wind (1939)»، نجمة هوليود “ ویوین لی/ ڤيڤيان لي Vivien Leigh ” الَّتي وُلِدَت باسم Vivian Mary Hartley في الهند البريطانيَّة (5 تشرين الثاني 1913- 8 تُمُّوز 1967م). عدلت الناس عن نسبة الأمر إلى الشَّيطان وانتشرت الرّاديوات في البلد وقلَّ انصراف الناس إلى (الفونوغراف) وبعد مرور عدَّة عُقود مِن الزَّمن ظهر التلفزيون الذي كان يعمل على شاشة غير مُلوَّنة“. وللرّابط صلة:

http://algardenia.com/asmafealtareck/1256-2012-10-27-19-17-47.html

جنون وعبث البعث العدميّ وفظائع رفاق النفاق في بَدء قيامَة جُمهوريَّة العِراق روايات مُتناقضة مُتضاربة، سمير عبدالكريم اسم مُستعار ” لجهاز آيديولوجي لمكافحة الشيوعية” للمُخابرات العامَّة عمل فيه “شُيوعيون منهارون وجواسيس عُتاة”، اصدر كتاباً بعُنوان ” أضواء على الحركة الشُّيوعيَّة” (عن دار المُرصاد في قبرص 5 أجزاء، عام 1979 وما بعده) إن فهد أمين عام الحزب الشُّيوعي الذي أعدم في 14 شباط 1949م تعهّدَ أن يترك العِراق ولا يعود إليه مقابل الإفراج عنه، قولٌ كرَّره عبدالكريم قاسم للانقلابيين عليه، ردَّ عليه رفيق السّلاح عبدالسّلام عارف: “ تريد تكون تشومبي ثاني؟!” (تشومبي قاتل لومومبا رئيس الكونغو، سألوا رجلاً ركب البحر وعاد سليماً: ما أعجب فيما رأيت من ذلك؟ قال: «سلامتي». وسمع ابن الأعرابي رجلاً يقول لآخر: أتوسل إليكم… فقال له: «جمعتَ بين ساكنين»!).

أشهر الفرص التاريخية أضاعها وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس عام 1954م، انسحب من المُؤتمر الدّولي حول فيتنام في جنيف. قرَّر المُؤتمر بأكثرية الأصوات أن تجري انتخابات ديمُقراطيَّة شَمال وجَنوبي فيتنام. قصر النظر أنتجَ نشوب حرب سقط فيها 5 ملايين إنسان، وفقدت أميركا 60 ألف عسكري، وتكبدت عشرات المليارات، وتوسعت حربها إلى الجّوار في كمبوديا ولاوس، وإلى حرب بالواسطة مع السّوفيت والصين، وزعزعة الأمن العالمي. وبعد كل هذه الدورة العدميَّة، انتهت الحرب بأوَّل هزيمة للآلة العسكرية الأميركيَّة مُنذ الحرب العالمية الثانية. تكرَّر ذلك في حرب القُطرين التَّوأمين العِراق وإيران 8 سنوات ومِثلها 8 سنوات لاحقة في الصّراع على سوريا. ومحسن الشَّيخ راضي عضو القيادة القطريَّة وعضو ما سُمّي بمجلس قيادة الثورة كان مُعتقلاً قبل 8 شباط وخرج ولم يذهب لزيارة أهله في النجف، وقرّر بعد أن هدأت الأوضاع السَّفر إلى النجف سافر يوم 19 شباط، وفي المساء عرف باعتقال سلام عادل ولم يعد إلّا بعد أربعة أيّام إلى بغداد (مدير المعتقل مدحت إبراهيم جُمُعة والأكثر حماسة لتعذيب الشُّيوعيين: مدحت إبراهيم جُمُعة وعمّار علوش جُمُعة ومحمد المهداوي وهاشم قدّوري وبهاء شبيب، وكان يتردّد بعض جماعة القاهرة أحياناً، مِثل عبدالكريم الشّيخلي وأحمد طه العزّوز). إبراهيم الحريري اُعتقل في قصر النهاية في اليوم الذي اُعتقل فيه سلام عادل، وبقي معه في السّرداب ليومين وروى كان يُجبر سلام عادل على أن يظلّ واقفاً دون نوم يُعاني آلام شديدة في الفقرات وعِرق النسا والعمود الفقري وبدأ يفقد السَّيطرة على نفسه مساء اليوم الثاني وفارق الحياة في اليوم الرّابع وهو مُحطّم فاقد السَّيطرة على نفسه ويهذي، وخاطب مَن مَعه: إنها مِحنة وعلينا الصُّمود. وتقول زكية شاكر عضو لجنة بغداد للحزب مُعتقلة مع سلام عادل في قصر النهاية، أنها شاهدته في سرداب القصر ورُغم التعذيب كان يستجمع ما بقي له من طاقة ليطلق حشرجة. حازم جَواد في كتاب بعُنوان: العِراق مِن حرب الى حرب – صدام مرَّ مِن هُنا (دار رياض الرّيس، بيروت ، 2009) مقابلة له مع غسّان شربل عام 2004م منشورة في صحيفة الحياة اللّبنانيَّة، نفت ثمينة ناجي يُوسُف الطّالقاني (أرملة سيِّد حسين أحمد الرَّضيّ الموسوي وشهرته سلام عادل) بشدّة ما أورده حازم جَواد، واصف سلام عادل الَّذي زار لندن سِرَّاً، بالعميل البريطانيّ، في ردها المنشور في صحيفة الحياة بتاريخ 28 شباط 2004م ونفى زكي خيري (الرّافض لتأميم نِفط العِراق كي لا تتكرّر تجربة تأميم مُصدَّق نِفط إيران المُحبَطة بإنقلاب أميركيّ في طهران) في مُذكراته “صدى السّنين في ذاكرة شُيوعي عِراقي مُخضرم”، مركز الحرف العربي، السّويد، ط2، 1996م، وج 2 طبعة خاصَّة في السّويد، إعداد سُعاد خيري. تصريحات سلام عادل في 30 آذار1959م وقبله شِعار الحزب الشُّيوعيّ العِراقيّ عام 1956م: نفط العرب للعرب!، وتحركات ابراهيم كبه وزير الاقتصاد أثارت مخاوف احتكارات النِّفط العالميَّة، جاءت مُتسقة مع موقف عبدالكريم قاسم. تأميمات المكسيك وإيران ومصر لمصالح أجنبية (انظرابراهيم علاوي، نجم محمود، المُقايضة، مصدر سابق، ص 182 وما بعدها). يقول ابراهيم علّاوي إن الحزب يدعو إلى فرض رقابة صارمة على شِركات النِّفط” (صحيفة ديلي تلغراف البريطانيَّة، 20 نيسان 1959). الطَّبيب صادق حميد علوش قرَّر: أنهم ماتوا بالسَّكتة القلبيَّة لأنهم ظلّوا حتى الصَّباح مُعلّقين وأرجلهم مرتفعة عن الأرض قليلاً. وقد أُبلغنا في صباح أحد الأيّام بأنَّ قادة الحزب الشُّيوعي ماتوا!، فغطينا نحن مع الأسف ذلك بقرارات رسميَّة: كتاب علي كريم – عراق 8 شباط 1963م، مُراجعات في ذاكرة طالب شبيب، مصدر سابق، ص 199).

صدر عن دار تُموز بدِمَشق كتاب «التجريب في الرّواية العراقيَّة النسوية بعد عام 2003م» للدكتور سعيد حميد كاظم، في الأصل أُطروحة الدّكتوراه من جامعة بابل عام 2016م قسّمها إلى أربعة فصول عزّزها بمقدمة مُستفيضة، وتمهيد شافٍ، وأنهى الأطروحة بخاتمة مُحكمة ضمّنها خلاصة البحث والنتائج التي توصّل إليها عبر هذه الدراسة التي غطّت 466 صفحة مشفوعة بالمصادر والمراجع ذات العلاقة بموضوع المَثل: “تجريب المُجرَّب عقله مُخرَّب!”.

بغدادُ مِن مَعالمها بُستان نجيب باشا اتخذه والي بغداد مدحت باشا مُتنزهاً عامّاً (حديقة البلديَّة). عام 1313هـ 1895م صدر أمر نظارة الدّاخليَّة العُثمانيَّة لاتخاذ هذا المُتنزه مُستشفىً عسكريّاً. كان المُستشفى العسكريّ في محلة الميدان تحوَّل إلى نادي الضُّباط العسكري وبقي المُستشفى إلى نهاية العهد العُثماني وكان أهل بغداد يدعونه (خستخانة المجيديَّة، الشَّمّاعيَّة) واليوم المُستشفى الجُّمهوريّ التعليميّ (مدينة الطّب)،

و“ مُستشفى الجُّملة العصبيّة ” صاحبها أنجبَ رئيس الحكومة العِراقيَّة «أبو يُسر العبادي» مولود عام مولد «أبو نصر سيّار كوكب الجَّميل» 1952م، الَّذي كتبَ:

مهرجان مستشفى المجانين

في منطقة قديمة تقع مستشفى المجانين، ويجتمع حوالي 35 مجنوناً صرفاً، والعالم كلّه يترّقب أخبارهم المضحكة ونوادرهم التافهة وحركاتهم البهلوانية، خصوصاً وأنهم أخلوا المستشفى من أطبائها ، واستولوا على ادارتها منذ 15 سنة.. وكلّ أربع سنوات يقيمون احتفالاً هزلياً سخيفاً لهم بهذه المناسبة، وهم يحسبون أنفسهم من العقلاء، وقد أودعهم فيها جنود الاحتلال، فاكتشفوا فيها كنوزاً من الذهب، فراحوا يتكالبون في السيطرة عليها لنهب الكنوز واستلاب الحياة، كانت المستشفى بمبانيها واقسامها تحيط بها الحدائق الغناء واشجار البرتقال.. فكان أن خربها هؤلاء المجانين خراباً، وفتحوا قسماً فيها للمجنونات من النساء الحيزبونات.. كنا نجد هؤلاء قبل سنوات بثيابهم الوسخة والرثة وهم ينتعلون النعل البلاستيكية، ويفترشون الارض ويعيشون على الصدقات والاعانات أو نجدهم يتشاتمون على شاشة المستقلة.. وفجأة وجدناهم في احتفالهم يلبسون الألبسة الفاخرة، ويقتنون السيارات الفارهة ، وقد أطالوا لحاهم، ولبسوا محابسهم.. وظهر بعضهم بالعمائم البيضاء والسوداء وقد جعلوا المستشفى خرابا.. كتب احد العاملين “تقريرا ” عنه، قائلاً: كانت المستشفى مأوى منغلقاً لمجانين البلاد ولم يكن يسمح لهم بالخروج أبداً، ولكن ابان الحرب فتحت أبوابها على مصراعيها، وأخذ المجانين يرقصون عراة في الشوارع ووراء كلّ مجنون يسير الالاف المؤلفة من التابعين والمعتوهين واللكامة والمداهنين والمنافقين والمرابين والسفلة والقتلة.. وغدوا كتلاً وأحزاباً تقودهم شرذمة من الجهلاء السفهاء: مجنون نائم في غرفته وهو يتخّيل نفسه ملكا بلا عرش ولا تاج.. لا يسمع شيئا ولا يرى أمرا، ليس له الا النوم والعلف وقضاء الحاجة، وتحيط به الخدم والحشم. ومجنون يهذي بتعابيره وشعوذاته التي لا يفهم رأسها من ساسها، وهو فاقد للوعي والعقل، وهو ينتظر خروج القمقم.. وقد غدت اخبالاته مسخرة كوميدية في كلّ العالم.. ومجنون يتخيل أنه من قبيلة عربية، ويريد اقامة الدعاوى ضدّ امريكا كونها احتلت العراق في حين شاهده العالم كله واحداً من كلاب اميركا السائبة قبل سنوات! ومجنون آخر يزعم أنه بطل الابطال وهو يلبس البزة العسكرية، ولا تنقصه الا النياشين والاوسمة واسنانه لم تعرف الفرشاة يوما! وكان عاقاً، قتل أهله في غفلة من الزمن، واليوم يريد أن يكون مديراً للمستشفى! ومجنون آخر كان قد سيطر قبل سنوات على المستشفى ونهب ما فيها من كنوز، وهدم حيطانها وعبث بمقدراتها واشعل الحرب بين المجانين، وأدخل اليها كل القتلة المشعوذين.. انه يسعى بكل الوسائل ليعود مديراً ليجهز على ما تبقى! ومجنون آخر، يخرج علينا كلّ يوم مثرثراً مدّعياً التقدم، لا يحب الطرب، ولكنه يأنس للرقص، فكلّ من يدّق له يرقص، ولا يمكنه ابداً ان تأخذ منه حق ولا باطل! لا يقوى على اتخاذ اي قرار حتى وهو على فراش النوم.. ومجنون آخر جميل الطلعة بهي الوجه يشبه ( * ) النسوة في حركاته واحاسيسه يبيح المنكر وينهى عن المعروف.. يتملك العقارات ويعشق الميخانات وبيوت المساجات والدعارات وكلها وجدت في المستشفى بفضله ! وشعاره: خذوا الحكمة من افواه المجانين. ومجنون آخر التحق بقافلة عتاة المجانين بعد ان بقي يمثل دور القرد، وكسوه ببدلة جديدة وبربطة عنق حمراء، وهو يتخيل نفسه رئيس برلمان الى الابد، وهوايته القفز بين الاشجار بسرعة القرود! ومجنونة اخرى تطالب بقتل نصف العالم، وهي سليطة اللسان قبيحة الكلام.. تخيلت نفسها لبوة في غابة استوائية، واكتشفت فجأة نفسها قملة في شعر متعفن! ومجنون آخر، اصابته اللوثة بعد ان كان مستشاراً زراعياً، وليس له الا التشدّق بالمشروع الوطني وهو نفسه غارق في ذممه ومشارك في نهب الكنز الوطني مع بقية المجانين.. رأيته مرة وقد دعي الى مائدة طعام، فاكل بيديه الاثنتين بشراهة وكأنه لم ير أكلا في حياته! ومجنون آخر. جالس يراقب الموقف، ويعرف الجميع انه عاقل، لكنه اصطنع الجنون من أجل أن يقتنص الفرصة ليعود الى ادارة المؤسسة، ولكن يحفّ به المعتوهون من كل صوب وجانب! قال صاحبي: ذهبت الى غرفة منعزلة، دخلتها فوجدت جماعة تصلى وسيّدهم الامام حيران وهو صاخب لا يعرف أين قبلته ذات اليمين ام ذات الشمال، سألته عن هؤلاء المجانين، اجاب: سيعود العقل الى هؤلاء كلهم عندما يتركون لعبة كرة القدم! واستطرد صاحبي قائلا: خرجت لأذهب الى غرفة كبيرة للرياضة، فوجدت فيها اجتماعاً لمعتوهين آخرين يبحثون مصير كتلتهم السنية التافهة ازاء التحالف الشيعي وشعارهم مشروع وطني. فضحكت عليهم ضحكة مجلجلة. خلاصة التقرير: لا يمكن اصلاح مستشفى المجانين أبداً، ولا يمكن علاج رّواده الا بجمعهم كلّهم من الشوارع في سيارة اسعاف وحجزهم بعد تقييدهم وارسالهم الى مستشفى جديد للمجانين والاتيان لها بمدير جديد وطاقم جديد من الاطباء!.
انتهى
( * ) عجوز مدير عام قناة “ الشَّرقيَّة ” الفضائحيَّة «صباح الرُّبيعي» فنان في أحاسيسه وغنجه مازالت عليه مسحة جمال مُذ كانَ في دِعاية صدّام يعمل في تلفزة البصرة- بغداد.