أنا العراق فوق الشمس، وأنشودة المطر تعزف لحن الإنتظار، بعد أن جففني طاغية معروف بالخسة، والدناءة، وإنعدام الضمير، عانى منه القصب والبردي الحرق والقطع على يده، بعد أن وقفا سداً منيعاً، للمحافظة على أرض الجنوب الثائر، أنا أول حجر للحضارة، وعصافير الكتابة غرّدت في أول مدرسة، ومكتبة بانيبال تشهد لي بذلك، ومنها إنطلق الحرف الى بقاع العالم، ليبزغ فجر الحضارات والسلالات، وعظام أجدادي المسالمين دفنت بكهوف أورنمو، وأريدو، وأوروك، نعم إنه العراق حيث الأهوار والآثار.
كنوز وفيرة في بلدي، ولكنها تحتاج الى راعٍ نزيه، فإختفاء الطيور وجفاف الماء، ولا حشرات تلقح المحاصيل الزراعية، ومزامير القصب والبردي، تئن ألم الفراق عن فراتيها، حيث كان الطاغية المقبور، يجبرها على إنهاء الصلة بالماضي، فقد صب جام حقده على الأهوار بكل مفاصلها وأركانها، فلم يترك نخلة ولا قصباً، وكوخاً وطيناً حراً، إلا وحزَّ رقبته محاولاً النيل من كبرياء الجنوب، لكننا أبينا أن يكون له ذلك، لأن هذه الصور العملاقة كلها هتفت: هيهات منا الذلة.
آثارنا رمز حضارتنا وعراقتنا، هي الأخرى نالت من القمع والأهمال المتعمد، كما أهلها في المحافظات الجنوبية، مع أن الطاغية لو فكر قليلاً وإهتم بها، لكانت تدر عليه ذهباً، لكن عزله الأهوج لعراقنا بحصار مظلم عن العالم، وحقده الطائفي جعله يخربها بكل ما أوتي من قوة بربرية، وكأنها بنظره تنادي أيضاً: يا حسين خلصنا من يزيد، وها قد حانت ساعة الخلاص، فلا أهوارنا ولا آثارنا، ستكون ساحة للصراع والتجريد مرة أخرى، لأنها باتت تراثاً عالمياً وبإمتياز!
بعيداً عن السياسة والعنف، يعلن حشد الأهوار والآثار إنتصاره، بضمهما للائحة التراث العالمي لتكون محط إهتمام العالم، فحري بنا الإستعداد التام، لنجعل منهما مصادر خير للعراقيين، لما لهما من أهمية للمحافظة على الإرث التأريخي، والحضاري لبلاد الرافدين، ومرود إقتصادي كبير، وليضاف هذا النصر لسلسلة إنتصارتنا، المتحققة في ساحات الشرف والجهاد ضد الإرهاب، ويمكننا الآن كتابة تأريخ جديد، ونرسم لوحة جنوبية معطاء، لا يوجد مكان فيها الحرب، بل نؤرخ علاقة للحب، مثل ملحمة كلكامش ونبتة الخلود.