23 ديسمبر، 2024 12:42 ص

بعض من ماضيات العرب !! بعض من ماضيات العرب !!

بعض من ماضيات العرب !! بعض من ماضيات العرب !!

ان اية امة في الكون لا يمكن لها الاستمرار والبقاء بنفس خصائصها بدون ان تتقد في انساغ وعيها الجمعي صوره لفعل حضاري يجسد قدرتها على الفعل والابتكار بمستوى معين، ليكون عمرها بعد فترة الاتقاد, استهلاك للمعنى الوجودي لهويتها وانتظارا” للاتقاد القادم.
اختار العرب طواعية” ان يكونوا مع الله ضد الحياة لأنهم فهموا ان الجنة تأتي عندما نموت عطشا” وجوعا وشحاذين على أبواب الأمم الأخرى، فالنظرة المشخصة لحياة العرب الان لا تجد الا أقواما” قد تذيلوا قوائم الأمم في الانحطاط والتفكير السلبي. اندفعوا في بداية القرن العشرين كحال المجتمعات الأخرى في تأسيس قواعد البقاء والتطور، ولكنهم أنتجوا قوانين مرتبكه لا تعبر عن وجودهم المعاصر بل تمزقت قوانينهم بين النسق الصوفي الذي يسقيه منظرو المنابر في تبريرهم للفقر والقبول بأسوأ الأحوال، وبين انساق مبالغ في تصورها لحقوق الانسان والمرأة والطفولة وغيرها.
ان اغلب الباحثين في شؤون الأمم والدارسات التاريخية لازالوا لا يصدقون ان الرسالة الأعظم في الكون نزلت في جماعة توصف بأنها عباره عن ثلة من اللصوص وقطاع الطرق وتجارا” للربا وعابدي الحجارة، وانهم امة متخلفة واميه الحرف ولا تعي وجودها وصيرورتها، وكأن الأديان لم تنزل في اقوام شتى لتذوب في حتمية الموت الطبيعي لتلك الاقوام، ليبقى سر انقداح وتوهج المعنى السماوي في أعماق البدو سرا” تم التحايل على اخفاءه سواء بنية حسنه او اهمال منظم.
صور المؤرخون العرب قبل الإسلام بأن حياتهم بائسه، بلهاء، وعقول لا تعي وجودها، حيث درجوا على تشويه الطبيعة الفكرية والحياة الروحية للعرب بشكل مخجل،خاصة المؤرخون المسلمين ,ظنا” منهم ان انكار فضل العرب وتوسيع المسافة بينهم وبين سمو الاسلام سيعزز قوة الاسلام في التاريخ في بعده الاعجازي في تحويل كائنات مشوهه الى أدوات بالغة الكفاءه النبل والفروسية لنشر الإسلام بزمن قياسي.
العرب قبل الإسلام لم يكونوا يوما” كما ذكره المؤرخون الكلاسيكيون، بل ان كثير من المؤرخين المعاصرين كالعقاد وجواد علي، بالغوا في عكس الرواية بحيث وضعوا مستويات الوعي والعمق الادراكي للعرب بما يفوق الكثير من الاقوام الأخرى، ولهم تراث رائع تعاونت المعاول من شتى الأنواع على تفتيته.
يعتقد الكثيرون ان العرب لم تكن امة أُميه، فحياتهم تشغلها التجارة وحركة البضائع وتداول السجلات، وحساب الدفاتر والعقود، اذْ كيف لأمي ان يقوم بهذه الاعمال بأميته؟، يقول النبي (ص) “قريش اهل الله وهم الكتَبة والحسَبة ” وهناك دلائل كثيره تؤكد ان العرب كانت اميتهم ليست في القراءة والكتابة و أنما في عدم وجود كتاب مقدس. كما يقول الله سبحانه (وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين) , وحتى النبي ربم لم يكن اميا”,اذْ كيف يخاطبه الله (وماكنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا” لارتاب المبطلون ), او يكون لا يقرأ ولا يكتب كيف يخاطبه الله (فاذا قرأت القران فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )؟؟.
ان الدهشة قد تأخذ المريء بعيدا” في تصوره لتاريخ العرب عندما يقرأ شعرهم الجاهلي ، وربما ينكر ان يكون قد كُتب قبل الاسلام كما أنكر ذلك طه حسين، حيث يتميز الشعل الجاهلي بالقدرة الحسيه المدهشة في التصوير والتخيل والحكمة، ومن يقرأ شعر دريد ابن الصمة، او زهير بن ابي سلمى عندما يقول (لسانُ الفتى نِصفٌ ونصفٌ فؤادُهُ .. فلم يبقَ إلاّ صورةُ اللّحمِ والدَّمِ) لا يشعر الباحث بأنه يقرأ كلاما” خطه شعراء جهله او اميين.
ان معجزة النبي لم تكن مثل غيره من الانبياء كأحياء الموتى او ابراء المرضى، بل كانت معجزةُ ثقافيه في كتاب مكتوب (حتى تُنزل علينا كتابا” نقرأه)، فقريش كانت تقرأ وتكتب خلافا” للمدن الاخرى كيثرب، وما جاءهم على يد النبي كان يخاطب الوعي المتقدم للعرب وليس وعيا” مفككا ضعيفا او مستعارا”, فبيئتهم كانت تعرف التدوين والمراجعه والتصنيف , فالمفردات التي وردت في القران ماكنت لتأتي لولا وجودها بينهم مثل ( سطّر, حطَّ, دواة, مداد, لوح, صحف, حبر , سِفر, خطاب, وغيرها الكثير.
رغم إندراس ما يثبت وجود حركه للترجمة في قريش من اليونانية والفارسية في كتب المؤرخين العرب الا ” ان بعض المصادر الضئيلة للمبشرين المسيحين في الجزيرة، تذكر ان هناك مترجمين من اليونانية للعربية كالنضر ابن الحارث والحارث بن كلده الثقفي، وابن حزيم، حيث مارس بعضهم الطب واساليبه من كتب يونانية، وطبيعي ان يتم ترجمة الكتب الاخرى كالفلسفه, فأسماء حكماء اليونان كانت معروفه بين العرب, فكانت التوراة والانجيل بين اليهود والمسيحيين العرب تُقرأ بالعربية, ويقال بأن وهب بن منبه كان يتاجر هو واخوه بتجارة الكتب بين الشام واليمن, ويذكر المؤرخين المسلمين ان عمر (رض) قال ( ايها الناس بلغني انه ظهرت في ايديكم كتب, فلا يبقين احد عنده كتاب الاّ اتاني به ) فظن المسلمون انه يريد ان ينظر فيها ويقوم محتوياتها الفكريه, فما إن آتوه بها احرقها جميعا امام دهشة المسلمين, اي ان الناس كان لديها الكتب والمدونات.

إن من طبيعة الامم الحية ان تؤرخ لأحداثها وتاريخها ، وكان العرب قبل الاسلام كغيرهم قد أرّخوا لماضيهم طبقا” للأحداث العظيمه في حياتهم، فكإنو يؤرخون بعام الفيل، او العام الذي ترأس به عمرو بن لحي، او عام وفاة كعب بن لؤي، وهو نفس الاسلوب الذي لازال يتبعه البدو وبعض القرى في بعض مناطق جنوب العراق حيث يؤرخون لوفاة اسلافهم او لحدوث الكوارث الكبيرة.

لم يتميز العرب بشأن كما تميزوا في الشعر والادب، حيث بلغت اللغة العربية ذرة مجدها واتساع مداها في الافهام من حيث رسمها لأبسط خلجات الانسان، فنطق العرب بما لا يمكن ان تجد عظمته في الامم الاخرى، ولكن ما اقترفوه بحق تراثهم الادبي لا يمكن وصف فداحته، من حيث أسقاطه وشيطنته في وعي الحفاظ والدارسين واعتباره نتاجا” جاهليا لا يجوز الاقتراب منه الا ما ندر. حيث كان هناك من الشعر والنثر ما كان يفوق الخيال في بنائه اللغوي وارتباطه بحياةهم , فالعرب امة الشعر والادب , يسجلون به احداثهم وبطولاتهم وانسابهم, ولكنهم أسقطوه ولم يدونوا منه الا القليل جدا” حيث تم ذكر 125 شاعرا” لزمن يقارب الالف سنه , يعلل البعض بأن أغلب هذا التراث كان يعارض الاسلام لذلك تم دقنه والتبرؤ منه.

تميز العرب بصناعات معروفه كالخزف والنحت وصناعة الحلي والمجوهرات والعمارة , وتشييد القصور بمقاييس رائعة, يقول ديو رانت ان الكثير من البحوث الإريكولوجية اثبتت ان العرب وبسبب تجارتهم تفننوا في تشييد القصور والقلاع العربية, ولكن عندما ظهر ( الاسلام يجب ما قبله ) تم طمس ذكر الكثير من هذه الصناعات والحرف التي كان يصدر منتجاتها العرب الى الامم الاخرى والاّ لا يمكن تخيل ان العرب كانوا يصدرون الرمل والحصى للأمم الاخرى.

كان العرب يطربون الحياة في افراحهم مثلما يغذون السيوف بالشهامه والفروسيه في بطولاتهم فكانوا يعزفون ويغنون ويرقصون كثيرا”, بالقدر الذي كانوا عندما يتقاتلون كانوا ينشدون على الآلات الموسيقية التي يجيدون صناعتها بمهاره حيث وجدت الكثير من الآلات التي تميزت مكة في صناعتها.
أشتهر العرب في الطب بشكل لا ينكره احد، وكان اشهرهم زهير بن جناب وأبي رمثه التميمي واين حذيم، والحارث ابن كعب، والحارث بن كنده الثقفي وابنه النظر حيث ينسب اليه الكتاب المشهور (المحاورة في الطب) وتبنى الاسلام مقولاته في الصحة العامة ك(المعدة بيت الداء والحميه راس الدواء ) وغيرها، وكان هناك ايضا” نساء طبيبات اشتهرن بالقبالة والتوليد كزينب بنت ابي اود , و ام عطيه الأنصارية, ورفيدة بنت اسلم وغيرهن.

رغم كل ما قيل ومايقال عن العرب في بداوتهم وانحطاط اخلاقهم وكثرة عوراتهم كحال الامم الاخرى , ما كان لهذه العيوب ان تبقى حيه في تاريخنا لولا تجددها على يد انصاف المثقفين ورعاة البداوة ودعاة وقف الزمن, العرب كغيرهم من الامم تبدا الاشياء صغيرة في افنية وعيهم لتتطور وتكبر , ولكن توقف نمو الحياة في شرايينهم قبل 1400 سنه لانهم فهموا ألرساله ان ينفطم الانسان من كل شيء , من هويته , ووعيه, وعمقه التاريخي, فتحول الى المسلم الى كينونة تعيش في هويه ممزقه بين البداوة المتغلغلة فيه وبين السمو الروحي الذي لم يدركه بوعيه البسيط, فالعيب ليس في القدماء الذين تركوا ماتركوا , وانما فيمن لا يرى مجدا” الا في جلابيب الموتى وارواحهم الحيه التي لانراها بجوارنا الا بفضائلها, وفي لعق دسم مسموم ببكتريا التحلل.
الدين ليس قصيدة عموديه تموت ان ماتت القافية او قلعة لا يمكن توسيعها الا بهدم اركانها, فوعي الانسان بغايات النبوة لا يحتاج الى ان نقتفي اثر من مات على ضفاف الانهر غازيا” وحالما” بعذراوات الشام وقلبه خالٍ من صفاء الحب لله, بل ان نشرف العقل الذي فعلته التجارب بأنتخاب الكمال الذي لم ولن تحققه امه الا وقد اشرقت السماء في اركانها بحب الله سبحانه. وحاشا لله ان ينزل رسالته حيث لا يليق، بل الاّ على قوم وصفهم القران قبل الرساله بأنهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس).
[email protected]