19 ديسمبر، 2024 1:03 ص

بعضا من ايام الدراسه الجامعيه -5

بعضا من ايام الدراسه الجامعيه -5

الانتقال الى جامعة ميونخ
بعد نهاية السمينار والفصل الدراسى الصيفى توجهة الى قسم التاريخ لاستلام وثيقة المشاركه والدرجه التى حصلت عليها, كان الاستاذ فى غرفته واخبرته السكريتره بطلبى, ودعانى للدخول. كان الاستاذ رجلا فاضلا وبمزاجية طيبه فتح الحديث عن السمينار والمواضيع واريتاحه لانسيابيه الجلسات والنقاشات التى حصلت, واكد ثانيه على مساهمتى والبحث الذى قدمته, وفقا لاقتراحه بتكملة, وتطوير الموضوع حول تنبؤات ماركس. سألنى عن الدراسه وكيفية تموليها… اجبت على اسئلته وذكرت بانى سوف انتقل الى جامعة ميونيخ, قال لى, ان ازور بروفسور (هانس ماير) واخبره ان موعد اجتماع الاساتذه الكاثوليك قد تغير . كانت جهودى مركزه فى الحصول على سكن حيث ازمة السكن فى ميونيخ مزمنه منذ سنين بالاضافه الى ارتفاع اسعار الايجارات, وكنت سعيدا ان اجد سكن على مسافة 15كم من مركز المدينه, وتوجهت بعد بضعة ايام الى الجامعه وزرت بروفسور (هانس ماير) لابلغه تحيات بروفسور ( ماينهارد كوزليك) ومضمون الرساله وشكرنى على زيارته, واخذ يستطلع عن دراستى واحوالى وذكرت له بتدبير الدراسه عن طريق العمل, واعقب بان الدراسة والعمل عملية شاقه وقد تطول اوان تكون غير موفقه, اخذ يكتب على ورقه ووضعها فى ظرف وقال لى ان اعطيها لسكرتيرة قسم (الخدمات الاكاديميه الخارجيه). توجهت الى هناك, وبعد بضعة دقائق تسلمنى السكرتيره مبلغ (0350مارك) وذكرت بان البروفسورهو المشرف على هذا القسم والذى له صلاحيات واسعه. فى الحقيقة لم اجد تفسيرا لهذا المطر الجميل الذى نزل علي, وبعد بضعة ايام توجهت لاشكر البروفسورعلى رعايته, وقال لى يمكن ان تعمل فى القسم كاحد العاملين الدارسين, هذا فى الحقيقة عرض مغرى ويمكن ان يؤمن حوالى 70% من تكاليف المعيشه, واردف قائلا , يمكننى ان اكون ذو فائده للقسم وللجامعه وسلامة العمليه الاكاديميه, وسئلته عن الطريقه والمحتوى, قال ان اشارك فى مظاهرات الطلبه وفى الاجتماعات التى يعقدونها واقدم له صورة مختصره عن المواضيع وحول النشطاء. قلت فى نفسى ان هذا الخنزير يخطط لى ان اكون مخبرا, تالمت كثيرا ولكن لم ابدى انفعالا عاطفيا, ربما كان يتصور بانى اجنبى وظروف الدراسة والعمل ليست سفره سياحيه ويمكن ان اكون صيدا سهلا . شكرت البروفسورعلى المقابله ولم اشارك فى مواضيعه التى يقدمها فى حقل العلوم السياسيه وحاولت جاهدا ان لا التقى به وكان يحسب على جناح اليمينيين من الكادر التدريسى. كم عدد الطلبه الالمان والاجانب الذين تحيطهم ظروف ماديه وغير ماديه معقدة وصعبه وتعرض لهم اغراءات ووعود مستقبليه واعده يمكن ان تغير من حياتهم ومستقبلهم, فى الوقوع او القبول بعلاقات مريبه ومظلله ولا يستطيعوا لاحقا الرجوع عنها.ان تصوراتنا المثاليه عن العلاقات الجامعيه وعلمية الاساتذه والمساعدين لا تتفق مع الواقع وتخضع لاعتبارات الاتجاهات السياسيه والعضويه فى هذه الرابطه وذاك النادى والخلفيه الاجتماعيه. لازالت نسبة ابناء الطبقه العامله بين مجموع الطلبه لاتزيد على 4% وهذه النسبه تستمر ايضا فى الاقتصاد والادارات الحكوميه فى المناصب القياديه.
كانت حركة احتجاج الطلبة وحرب فيتنام على اوجها وقوتها وكانت سنين حركة الطلبة من اجمل سنين اقامتى فى المانيا وكانت الاكثر انفتاحا, الحرية , فكرا , سلوكا وممارسات واستطاعت تعجل من حركة الاصلاح الاجتماعى والجامعى وطرحت افكار مجتمعية متقدمه خاصة حول موضوع الديمقراطيه والحريات, قضية المراة وقضايا العالم الثالث.
ان الانتقال الى جامعه اواثينين فى مرحلة الدراسه ياخذ بها نسبة عالية من الطلبه وذلك لما توفره من مجالات للتعرف على مختلف المناهج والاساتذه والاجواء العامه خاصة ان الطلبه مشمولين بقانون لتأمين الدراسة( البافوك) وكذلك بالتأمين الصحى وعند نهاية الدراسه يدفع الطلبه نصف المبلغ الذى صرف عليهم دون اجور الفائده. ان مدن جامعيه مثل ميونيخ وبرلين من الجامعات المفضلة لدى الطلبه ليس فقط للمستوى العلمى وانما ايضا لديناميكية المدن وجاذبيتها وفضاءاتها المفتوحه بالاضافه لما توفره من فرص عمل كثيره. ان هذه المدن تمثل فى حقيقة الامر الخطوة الاولى للشباب فى الاستقلاليه عن البيت والعائله وتجربة الحياة المستقله بما يتوفر من تنوعات كثيره من جماعات ومنظمات المجتمع المدنى واخرين يشاركوهم الافكار والهوايات, وتقدم صورة صغيره مكثفه عن الشباب الالمانى الذين يتوقون نحو الاستقلاليه والتحرر والتخلص من الاجواء الضيقه والرقابه فى المدن الصغيره والريف. ان مدينة ميونيخ مركز صناعة السينما بالاضافه الى شركات متعددة الجنسيه مثل (سيمنس) عملاق الصناعات الكهربائيه و ( ب ام دبليو) لصناعة السيارات هذا بالاضافه الى موقعها الجغرافى قرب جبال الالب وطريق الجنوب نحو النمسا وايطاليا. احيانا تشاهد بعض المشاهير ونجوم السينما , برجيت باردو احد الملكات تتمشى فى شارع ليوبولد مع صديقها انذاك غنتر ساكس او الامريكيه جين فوندا, وفى صدفة اخرى كنت مع احد الزميلات نقضى بعض الوقت واذا بالمخرج العالمى الكبير (اورسون ويلز Orson Wills ) يجلس فى المقهى ويتطلع فى حركة الشارع, واقترحت على الزميله ان نسلم عليه ونبدى اعجابنا به, وتم لنا ذلك فعلا, دعانا الرجل للجلوس والحديث, كان فى منتهى اللطف واخذ يسئل عن اللافتات والاحتجاجات التى تحصل هنا, واخذنا نشرح له ما يدور فى اروقة الجامعه وعن اسلوب الحياة فى مدينة ميونيخ. كان الرجل فى منتهى الذكاء ورهافة الحس وذو حرفية عاليه والتواضع, ان الابداع لا ياتى اعتباطا, ولاعجب ان يكون فلمه ( المواطن كين- Citizen Kane) من افضل الافلام التى انجزت فى تاريخ السينما الذى افرز ثورة فى اللغه السينمائيه, قام باخراجه وشارك فى كتابة السيناريو, كان هذا قبل 80 عاما تقريبا وكان عمره 25 سنه. كان قسم الاجتماع فى جامعه ميونيخ ضمن قسم الفلسفه, وهذا يعنى فى التسجيل لكتابة رسالة الدبلوم ان يقدم الطالب وثيقة اجادتىه لاحد اللغات الكلاسيكيه, وكان الكلام يدور حول اللغه اللاتينيه, وكان هذا الشرط يكلفينى على اقل تقدير 1-2 سنه للقيام بامتحان مؤهل, الا انى عاودت السؤال فى رئاسة القسم حول امكانيه حل بديل للطلبة الشرقيين الذين لم يتعاملوا مع اللغة اللاتينيه ابدا, وجاء الجواب ايجابيا, ان تكون لغة كلاسيكيه, كالفارسيه والتركيه مثلا, هنا تجسد امامى عمق وفصاحه وعمر اللغة العربيه واعتزازى بأنتمائى القومى ومن سكان بغداد الاصليين, ترعرت فى مركز ومناطقها السكنيه القديمه, ساحة الوثبة, القاطرخانه, عكد النصارى, صبابيغ الال..الخ. قصدت قسم الاستشراق فى الجامعه واحالونى الى احد المتخصصين فى اللغه العربيه. كان الاستاذ يجلس فى غرفة كبيرة ومحاطه برفوف مليئة بالكتب التى بان عليها قدم عمرها الزمنى, بالاضافه الى الكتب المطروحه على حافة الممر والتى لم يكن بينها ما يعود الى الانجازات المعاصره من الكتاب والمؤلفين. فى مقابلتى للاستاذ بادرت بالكلام حول النقص الواضح فى الانتاجات العربيه الحديثه وذكرت عدد من المبدعين واخذنا نتبادل الحديث عما يدور فى اوطاننا العربيه, وقدمت له نقدا حول الاسلوب والنوايا التى تستخدمها وسائل الاتصال حول العالم العربى وهذا يشمل ما ينشر عن الاجانب واللاجئين ايضا. بعد ذلك قال الاستاذ ان المقابله قد انتهت, قلت له انى جئت لتقديم امتحان فى اللغه العربيه, قال الاستاذ, كانت حديثنا امتحانا جيدا, سوف اكتب الى قسم الاجتماع بنجاحك فى الامتحان.
قضيت سنتين فى جامعه ومدينة ميونيخ وكانت مفيده ومثمره وتعرفت على زملاء استمرت المراسلات معهم عدة سنوات, وعدت ثانية الى جامعه الرور – بوخوم التى تربطنى بها ومع المدينه علاقة حميمه, وما زالت صداقات مع زملاء الدراسه القدماء قائمه رغم السنين وسنين العمر والحالة الصحيه التى تعانى من مختلف المعوقات والصعوبات والالام.