22 ديسمبر، 2024 9:36 ص

بعد عقود من الخصام..هل ينتهي العداء التاريخي بين تركيا وأرمينيا وأذربيجان؟

بعد عقود من الخصام..هل ينتهي العداء التاريخي بين تركيا وأرمينيا وأذربيجان؟

تشهد الفترة الأخيرة تصريحات متبادلة بين مسؤولين في تركيا وأرمينيا وتعتبر إيجابية لتطبيع العلاقات بين البلدين رغم العداء التاريخي لأكثر من قرن، ومدى قدرة الطرفين على تجاوز كل الخلافات التاريخية ورسم خارطة طريق جديدة في العلاقات بين البلدين من اجل حفظ الامن والسلام في منطقة القوقاز.
طبعا لم يكن التقارب بين تركيا وأرمينيا وليد اللحظة،سبق ذلك اتصالات غير معلنة، نجحت قبل أشهر، في دفع أرمينيا للإعلان عن موافقتها على فتح أجوائها أمام رحلات الطائرات التركية المتوجهة إلى أذربيجان.
فبعد ثلاثة عقود تقريباً من قطع العلاقات واغلاق الحدود بينهما في عام 1993 بسبب احتلال ارمينيا اجزاء من الأراضي الأذربيجانية في منطقة قره باغ ، كان هذا الملف يُعدّ الأبرز بين ملفات الخلاف بين البلدين بعد العداء التاريخي بينهما، وثمة من يرى أن حظوظ التوصل الى اتفاق بين أنقرة ويريفان لتجاوز خلافاتهما وإعادة إحياء مشاريع بناء علاقاتهما،وأن رغبة التطبيع متبادلة بين الجانبين لأسباب عدة لعل أبرزها أن أرمينيا تواجه انسدادا جغرافيا من جانب تركيا بعد إغلاق الثانية حدودها عام 1993 تضامنا مع الشقيقة أذربيجان خلال حرب قره باغ الأولى والثانية ، واليوم السبب الأهم لذلك الإغلاق لم يعد موجودا بعد استعادة أذربيجان أراضيها في منطقة قره باغ الاستراتيجية الذي احتلته أرمينيا لنحو ثلاتين عاما، ورغم ما أشعلته المعارك من خلافات بين أرمينيا وتركيا التي قدّمت دعماً سخياً لحليفتها أذربيجان،في معارك خريف 2020،وتوقفت المعارك بعد إبرام اتفاق الثلاثي على وقف الأعمال القتالية برعاية موسكو، ليكرس ذلك هزيمة عسكرية لأرمينيا ومكاسب ميدانية كبيرة لأذربيجان. وان أذربيجان لم يعد معترضا على هذا التقارب كما كان عليه الحال في عام 2009.
ان التطبيع العلاقات التركية الأرمينية سيرتبط طبعا بالتطبيع العلاقات الأذربيجانية الأرمينية لان تركيا وأذربيجان تعملان بايقاع واحد في علاقاتهما على كافة الأصعدة وان عملية التطبيع بين البلدان الثلاثة لها اهمية استراتيجية كبيرة للغاية حيث سينهي هذا التطبيع عمل الأرمن في الشتات وخاصة في فرنسا وامريكا ضد تركيا لان من اول شروط التطبيع ايقاف الحملات الدعائية الكاذبة حول مزاعم المجازر التي اتهمت الدولة العثمانية ضد الارمن .
تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا سيحد من الدور الايراني على تركيا وأذربيجان حيث ان ايران ترفض فتح المعابر والحركة البرية الغير مشروطة بين تركيا ودول أسيا الوسطى وباكستان وافغانستان والصين. ومن اجل التواصل تركيا بريا وعبر خطوط السكك الحديدية مع دول الجمهوريات التركية في اسيا الوسطى نجحت تركيا في ترسيخ المصالحة الاشقاء بين تركمانستان واذربيجان وبذلك نجحت في فتح الطريق الى باكستان وافغانستان عبر تركمانستان الى اذربيجان وبحر قزوين من دون المرور بالاراضي يالايرانية ,حيث ان حرية التنقل عبر المعابر التي ستربط تركيا مع اذربيجان مرورا بالاراضي الارمينية ستعود على الاقتصاد التركي بفوائد كبيرة لانه سيخفف تكلفة النقل التجاري بين تركيا واذربيجان وجمهوريات اسيا الوسطى التركية تركمانستان واوزبكستان كازاخستان وقرقيزستان .
ان فتح ممر “زنغازور” البريّ الذي سيربط تركيا بأذربيجان وسيكون بمثابة بوابة تركيا إلى القوقاز ووسط آسيا، ومن المخطط أن يمرّ الخط البريّ بالقرب من الحدود الأرمينية عند قدومه إلى تركيا، ما سيُتيح لأرمينيا الحصول على فرصة للاتصال بروسيا وإيران والخروج من العزلة نحو الرخاء.
وستستفيد ارمينيا ايضا من اعادة فتح خط السكك الحديدية الواصلة بين ارمينيا وروسيا عبر الاراضي الاذربيجانية وهذا مطلب مهم للغاية لارمينيا التي تعتبر روسيا شريكا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا . كما ان تركيا ستفتح لارمينيا موانئ البحر الاسود القريبة منها مقارنة مع الموانئ الايرانية.
في نهاية المطاف هل سيطفىء الإرث التاريخي للعلاقات بين تركيا وأذربيجان مع أرمينيا حيث يُعتبر ملف ادعاءات الكاذبة في “مذابح الأرمن” والتي تعتبر من أبرز ملفات الخلاف بين تركيا وأرمينيا ، حيث تُصر أرمينيا على وصف الصراع الذي جرى على حدود الدولة العثمانية الشرقية إبّان الحرب العالمية الأولى بمصطلح “الإبادة الجماعية”، ولكن تركيا تعتبر ما جرى في تلك الفترة مأساة جماعية للاطراف جميعا وأن حربا أهلية في الأناضول في تلك الفترة تزامنت مع مجاعة، تسببت بمقتل ما بين 300 و500 ألف أرمني، فضلا عن عدد مساوٍ من الأتراك والاكراد والجركس وتطالب بترك هذا الملف للمؤرخين في كلا الجانبين و أعلنت تركيا أكثر من مرة استعدادها لفتح الأرشيف العثماني بشكل كامل للمؤرخين المحايدين. هنا نتساءل عن مدى قدرة الأطراف الثلاثة على تجاوز الإرث التاريخي الثقيل وتغليب المصالح الاقتصادية التي ستنتج بعد إعادة إحياء خطوط النقل في المنطقة.
ان اية تسوية إقليمية واسعة في هذه المنطقة سينتصر الجميع من دون ادنى شك بذلك، ومن شأن خطوات فتح الحدود أن تساعد في استقرار منطقة القوقاز بأكملها، ويتيح لأرمينيا، التي تعد أفقر دولة في المنطقة، الوصول إلى الأسواق في تركيا وخارجها، وتربط تركيا ببحر قزوين، الغني بالطاقة، وآسيا الوسطى. وأن من أسباب المهمة للتطبيع الجانب الأرميني مع تركيا في رغبة يريفان بالاستقلال عن النفوذ الروسي المسيطر على كل مفاصل البلاد، لا سيما بوجود حكومة أرمينية ينظر على أنها غربية الهوى والتوجه للانضمام للاتحاد الأوروبي وللحلف الأطلسي.
نجد بعد اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا في قره باغ برزت ديناميكية جديدة في العلاقات بين دول القوقاز، ليصبح الاتجاه السائد يُركّز بدرجة أكبر على التعاون والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة. وأن السلام ضروري من أجل جميع شعوب المنطقة ولشعب أرمينيا في المقام الأول في القوقاز، من اجل رخاء شعوب بلدان هذه.
بعد اتفاق قره باغ، سعت موسكو إلى تهميش دور تركيا في دبلوماسية ما بعد الصراع ولكن التطبيع الان مع أرمينيا سيُساعد تركيا على لعب دور أكثر فعالية في التنافس الجيوسياسي والجيواقتصادي مع موسكو في المنطقة حيث ان روسيا تدعم عملية السلام في المنطقة، لكنّها تتوجس من دور تركيا المتنامي وامتداده إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة ولكن روسيا تعرف جيدا أن من الصعب جداً تطبيق أي اتفاق للسلام على المدى الطويل في منطقة القوقاز من دون أن تكون تركيا طرفاً به لان أن تركيا أقوى دولة في المنطقة.