22 نوفمبر، 2024 4:43 م
Search
Close this search box.

بعد عام من المقاطعة: الأزمة الخليجية وتداعيات التدخل التركي الإيراني

بعد عام من المقاطعة: الأزمة الخليجية وتداعيات التدخل التركي الإيراني

بعد مرور عام على الأزمة الخليجية، لا يبدو أن هناك حلًا يظهر في الأفق، لا وجود لحل توافقي رغم المبادرات الدبلوماسية ودعوات الوساطة، حيث تدخل الأزمة الخليجية العام الأول وتحمل معها مزيد من التعقيد ليس فقط من الجانب القطري وعدم تجاوبه مع الطلبات الــ 13 العربية لحلحلة الأزمة من خلال الوسيط الكويتي في 23 يونيو 2017، ولكن بفعل التدخل التركي – الإيراني في الأزمة منذ ساعتها الأولى، هذا التدخل الذي أوجد ذريعة لمزيد من الانخراط التركي – الإيراني في الشئون العربية.

وتتضمن المطالب العربية اشتراطًا بإغلاق قاعدة تركية في قطر وإخراج القوات التركية من أراضي الإمارة الخليجية، وإغلاق قناة الجزيرة الإخبارية التابعة للدولة، وتقليص العلاقات مع إيران، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان وحزب الله اللبناني، كما وصنفت تلك الدول، عشرات الأشخاص ممن لهم علاقة بقطر، على أنهم إرهابيون، ووضعت 12 كيانًا على قائمة بالمنظمات المرتبطة بالإرهاب، إضافة إلى ذلك مغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران.

بدايات التدخل

بعدما أعلنت الدول الأربع العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، في يوم 5 يونيو 2017، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، أعلنت على الجانب الآخر كلا من تركيا وإيران مساندتها لقطر في مواجهة الحكومات العربية؛ حيث ساعدتا إيران وتركيا الدولة الغنية بالغاز على مواجهة هذه العقوبات التي شملت أيضًا اغلاق المجالات الجوية والبحرية أمام الطائرات القطرية.

يذكر أن المقاطعة العربية لقطر جاءت على خلفية اتهام الأخيرة بممارسة سياسات داعمة للإرهاب والتنظيمات الإرهابية المختلفة مما يهدد استقرار المنطقة، إلا أن هذا لم يمنع تركيا وإيران من تبني سياسات داعمة لقطر على الرغم من اختلاف المشروعين التركي والإيراني في محدداتهم السياسية والاستراتيجية.

إن العلاقات القطرية شهدت مزيدًا من التقارب مع كلا من إيران وتركيا، وعليه شهدت الخلافات العربية – العربية تصعيدًا وتفاقمت بشكل غير مسبوق في هذا الوقت بفعل هذا التدخل، إلا أن هذا التدخل يمر بعدة مراحل صعودًا وهبوطًا.

فخلال الفترة الأولى من الأزمة الخليجية قامت كل من تركيا وإيران، حيث أكد رئيس الدولة التركية على دعم بلاده لقطر من الناحية العسكرية والاقتصادية، حيث أرسلت تركيا سفينة محملة بالأغذية بعد نفاد البضائع من المحلات التجارية في الإمارة الصغيرة التي تستورد 80 بالمئة من احتياجاتها الغذائية. كما وافق البرلمان التركي مطلع بسرعة فائقة على إرسال آلاف من الجنود إلى القاعدة التركية في قطر والمشاركة في تدريبات مع القوات القطرية، ولم تكن الموافقة على إرسال القوات التركية إلى قطر إلا بعد المقاطعة الخليجية مباشرة علمًا بأن نشر القوات جاء تنفيذًا لاتفاقية بين البلدين تم توقيعها عام 2014، في إشارة إلى التلويح بالقوة عبر نشر قوات عسكرية تركية داخل الأراضي القطرية، عوضًا عن استعداد القطاع الخاص التركي للمشاركة في تنفيذ مشاريع بطولة كأس العالم في كرة القدم في قطر 2022.

على الجانب الإيراني، عرضت إيران استخدام ثلاثة من موانئها لشحن أغذية ومياه إلى قطر مع تراجع الإمدادات الخليجية لها، حيث تعتمد قطر على الأسواق الخليجية في تلبية احتياجاتها الغذائية.

وفي لقاء بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة القطري، في 26 نوفمبر 2017، اتفق الوزيران على ضرورة إزالة القيود التجارية، وتسهيل الظروف أمام التبادل الاقتصادي بين البلدين، وتبادلا وجهات النظر حول آخر المستجدات في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وآليات تعزيزها، حيث تلعب إيران دورًا مهمًا في وصول السلع إلى قطر من الدول الأخرى.

كما أتاحت قطر لإيران استعراض قوتها العسكرية ضد دول المنطقة انطلاقًا من أراضيها، وذلك من خلال المشاركة الواسعة للحرس الثوري في معرض ومؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري “ديمدكس 2018″، وعليه أعلن “رضا تنكسيري” نائب قائد القوة البحرية للحرس الثوري عن “دعم إيران لقطر حكومة وشعبًا” في مواجهة التحديات الخارجية.

في حين صرحت طهران أن التجارة بين البلدين ازدادت بنحو 250 مليون دولار خلال الأشهر الـ12 الأخيرة، في وقت تعتمد قطر بشكل أكبر على الصادرات الإيرانية وخصوصًا المواد الغذائية، عوضًا عن المجالات الجوية والبحرية والبرية الإيرانية ستبقى على الدوام مفتوحة أمام قطر.

إن قطر باتت الآن أقرب إلى تركيا وإيران مما هي أقرب للعالم العربي والدول الخليجية التي هي جزءًا منه، بل وشكل هذا التقارب تهديدًا للعديد من الدول العربية وذلك بفعل التدخلات التركية والإيرانية ؛ حيث أتاحت قطر فرصة ذهبية أمام إيران وتركيا للتدخل الرسمي في الأزمة، مما يعرقل جهود المواجهة الإقليمية للتدخلات التركية والإيرانية، بل يمتدد ذلك إلى تهديد الأمن الإقليمي للدول العربية.

مأزق جديد

تبذل ايران وتركيا مساعي حثيثة للارتقاء بعلاقاتهما مع الدول المجاورة لها، ولعل الخلافات بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، شكل المحرك الأساسي للتقارب الثلاثي الإيراني التركي القطري، إلا أن هذا التقارب قد يشهد مزيدًا من الانفصال في ظل العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية.

فبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018، دعت واشنطن في الــ 13 من نفس الشهر قطر إلى وقف تمويل المليشيات الموالية لإيران، وذلك بعد الكشف عن عدد من رسائل البريد الإليكترونية التي تثبت تورط مسئولين قطريين مع أعضاء في منظمات كحزب الله مثل حسن نصر الله وكبار قادة في الحرس الثوري الإيراني خاصة قاسم سليماني.

وهو ما يوضح بأن التقارب القطري – الإيراني تقارب قديم في أهداف مشتركة واحدة، مصلحة واحدة هي “تقويض الأمن في المنطقة” عن طريق دعم التنظيمات المسلحة ودعم من يساندها لوجيستيًا.

وعليه، يأتي الموقف الأمريكي تجاه قطر متوافقًا مع الرؤية العربية المتعلقة بتورط قطر في أعمال مشبوهة وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الحصار الإقليمي والدولي عليها، وما يمكن أن يتطور لمرحلة فرض عقوبات دولية بجانب العقوبات العربية، مما يضع إيران وقطر في سلة واحدة من الاستهداف.

على الجانب التركي، تعاني تركيا من العديد من المشاكل الاقتصادية وتراجع سعر الليرة أمام الدولار عوضًا عن تنامي الخلافات الداخلية التركية بما قد يمهد إلى تراجع دور تركيا الخارجي لمزيد من الاصلاحات الاقتصادية الداخلية، خاصة بعد نتائج الاستفتاء حول النظام السياسي التركي في17 أبريل 2017، حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4%)، وبين المصوتين ضد التعديل في الاستفتاء (48.6%) وهو فارق يزيد في عدد الأصوات عن مليون صوت، وبذلك يمثل انتصار “متواضع” بفارق ضئيل على معارضيه أو “انتصارًا بطعم الهزيمة”. وهو ما يمكن تفسيره بتراجع التوجهات الخارجية تجاه المشاكل الداخلية، خاصة في ظل إعلان أردوغان عن انتخابات رئاسية مبكرة في 24 يونيو 2018، والمقرر لها الانعقاد في 3 نوفمبر 2019.

مستقبل الحضور التركي – الإيراني

لا شك أن بعد اندلاع العديد من الأحداث في المنطقة والعديد من التحديات التي تواجهها كلا من تركيا وإيران ستلقي بظلالها على مستقبل الحضور لكليهما في الأزمة الخليجية مع قطر، وعليه يمكن تصور مستقبل الحضور وفق العديد من السيناريوهات منها:

السيناريو الأول: يمكن أن يستمر الحضور التركي والإيراني في مساندة قطر، وذلك وفق عدة مؤشرات أهمها أن السوق القطري يمكن أن يوفر لكلا الدولتين مساحة ليست بالقليلة في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجههم، والمتعلقة بتراجع سعر العملة التركي أمام الدولار، وبالنسبة لإيران يمكن لقطر أن تكون مصدر خارجي لمواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها بفعل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

السيناريو الثاني: قد تشهد الفترة القادمة إعادة مراجعة للتوازنات الإقليمية والعلاقات العربية التركية، عوضًا عن التوترات الموجودة بالفعل بين العرب وإيران في العديد من الملفات، بما يحقق تراجعًا في حجم الدور الذي تؤديه كلا الدولتين تجاه قطر.

السيناريو الثالث: وهو بمثابة إعادة الأمل في المحادثات العربية – العربية بين الدول المقاطعة من جهة وقطر من جهة أخري، بحيث يمكن التوصل إلى تفاهمات متبادلة حول المطالب الــــ 13 التي أعلنتها الأربعة دول بما يحقق المنفعة المرجوه منه، وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هذا السيناريو لما ورد من قطر من سياسات كانت من شأنها تصعيد الأزمة، إلا أنه يظل قائمًا في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.

إجمالًا: يمكن أن تشهد هذه الأزمة بوادر انفراجه خاصة فيما يتعلق بالتدخل التركي والإيراني، وذلك من خلال مراجعة الدول العربية لملف علاقاتها مع تركيا وإيران وسبل مواجهة حقيقة تدخلهم في الشئون العربية، حيث شهدت الفترة الأخيرة مزيدًا من الحضور التركي والإيراني في العديد من ملفات المنطقة والتي على تماس مباشر بالأمن الإقليمي العربي.

أحدث المقالات