23 ديسمبر، 2024 10:01 ص

2- بعد سنوات…الضحية
أجل ابي الغالي لم اعد كأي فناة فأنا ذات اعاقات متعددة وكان يمكن ان اكون في عداد الاموات لولا الرعاية العظيمة التي بذلتها أمي الغالية إذ قدمت الغالي والنفيس وكل ما تستطيع وعرضتني على المختصين مذ ساعات اصابتي الاولى داخل البلد وخارجه وامضت الليالي والايام والاشهر والسنوات ولفترات متفرقة بين المشافي والعيادات تنتظر كلمة اطمئنان تنطلق من شفاه الاطباء ولكن عبثا كان كل ذلك العناء وكل ذلك البذل فالنتيجة واحدة في كل كشف وفي كل تشخيص والمؤكد ان هناك نزف دموي في الدماغ اصاب البصر والاعصاب والنتيجة المحتمة هي انني اعيش الظلام الدائم بفعل فقد البصر وكذلك ضعف القابلية الادراكية فضلا عن ضعف الاطراف حيث اصبحت غير قادرة على السير والحركة الطبيعية لأنني اصبحت مقعدة وهكذا تحملت امي الغالية مسؤولية العناية بي مذ اصابتي وحتى هذا اليوم فهي التي تقوم على شؤوني جميعا وكان الامر هينا حين كنت طفلة أما اليوم وشقيقتي التوأم في المرحلة الاعدادية وكان يمكن ان أكون معها لولا اصابتي فأن الامر جد متعب وجد صعب وجد مؤلم وجد لأي كلمة تحتمل هذا المعنى من العناء والنصب.
لازلت اذكر احاديث متفرقة بين امي الغالية والاخرين تضم مناقشات مستفيضة لعمل اي امر يمكن ان يغير واقعي الصحي المؤلم او يخفف من شدته حيث تؤكد فيه انها على استعداد للتضحية بكل ما تملك وبكل ما يمكن ان تقترض من اجل الوصول للشفاء وان كان امر البصر لا يتغير بأي حال من الاحوال فليكن شفائي من العاهات الاخرى التي تعيقني عن الحركة والسير والقيام على شؤوني الطبيعية بنفسي… واشد ما واجهت من صعوبة هي الفترة التي اصيبت بها بفيروس كورونا إذ لم تكن قادرة على العناية الكافية بي لارتفاع حرارتها وشدة الصداع ولكنها رغم خوفها علي َّ من انتقال العدوى لي ورغم شدة آلامها كانت ترتدي الكمامة والقفازات وتلبسني ايضا الكمامة وتقوم بإطعامي وتنظيفي وتبديل فراشي وكان يزيدها الما حين تعتريني نوبات الغضب حيث اصر على ان اتخذ موضعا معينا او ارفض تناول طعاما او شراب ولا اكتفي بالامتناع بل اصرخ واصرخ فاسمعها تتوجه لبارئها باكية وتدعوه بأن يرأف بحالي وحالها وييسر لي امر الشفاء هي لا تريد اكثر من ان اكون فقط قادرة على العناية بنفسي والقيام بأموري الطبيعية دون الحاجة الى الاخرين.
الحق اقول لك وها انا اخبرك ابي الغالي انني حين اسمعها تجهش بالبكاء اشعر بالألم وهذا يسبب لي مزيدا من التمنع والغضب فتظل بجانبي فقط تنتظر مني السكينة والهدوء.
هل يوجد في هذ العالم اما عانت ماتعاني امي…؟
البعض يقول لها انك لم تقصري مع هذه البنت وان الذي امتحنك بهذا الامتحان القاسي قادر على ان يقيض لك سبيلا فترد قائلة ونعم بالله الا ان خوفي ان افقد قدرتي على العناية بها في يوم ما او ان يأخذ الله أمانته وتظل هذه البنت وحيدة لا تجد العناية الكافية فليس من احد مهما كان حنونا ومحبا وطيبا يرعاها كالأم.
حين اسمع هذه الاحاديث ابكي بصمت وقد ينتبه لي أحد هم فيدعوني ان اجفف دموعي وقد يحتضنني اخ او اخت او خال او خالة ولكن ذلك لا يمنعني من الغضب ولا يخفف المي .
اقتربت احداهن مني ذات يوم وراحت تتأملني وهي تتمتم قائلة :-
– آه ما اجمل هذه العيون (انها تصف عينيّ) واضافت :-
آه ما اجملك ووضعت في حجري عدة لعب قائلة :-
اية لعبة تختارين…؟
شعرت بالحرج ولم ادر ما أقول وبعد فترة من الصمت اقتربت منها امي قائلة :- – ستختار هذه اللعبة وادركت عندها انها تهمس للمرأة انني اعيش الظلام الدامس فأنا رغم جمال عينيّ المفتوحتين الا انني كفيفة اعيش الظلام.