قد يستغرب – بل ويتسائل أحياناً – الكثير ممن يعرفني عن أسباب قلة اهتمامي بما يجري في صحراء الأنبار وداخلها وضواحيها من حرب تدور بين العراقيين (شعباً وحكومة وجيشاً) من جهة ، وبين (قوات داعش) الغازية من جهة أخرى ، ولم يلتفتوا إلى أنني أهتم بـــ (النتائج) أكثر من المقدمات .
إن من الغباء أن يتصور البعض بأن غزو داعش للعراق جاء بناءً على أفكار (شخصية) أو فتاوى (مزاجية) ، أو مجرد أفكار (تكفيري – إصلاحية) كما يزعم الزاعم ، بل الحقيقة إن كل ما يدور إنما هو محض (مخطط) مرسوم ومدروس بعناية فائقة ، بل ومنشور ومعلن و (مقروء) مسبقاً ، وإن تشدق البعض وأتهمنا بالرضوخ لنظرية (المؤامرة) التي أصبحت شماعة يعلق عليها العاجزون أسباب كسلهم .
كلنا يتذكر فشل قوات الإحتلال في جر العراق إلى (فتنة واقتتال طائفي) في العراق ، في السنين الأولى من الإحتلال ، وبنفس الوقت ، كلنا يعرف كيف أستخدم المحتلون ورقة (تفجير مرقد الإمامين العسكريين) كورقة أخيرة رابحة ، استطاعت من خلالها أن تدفع بعجلة (الحرب الطائفية) في العراق إلى الأمام ، وبتسارع شديد .
إن كثيراً من الأحداث والتحركات والقرارات تمر على المتلقي (العراقي) والعربي دون أن يشحذ ذاكرته لفهم ماهيتها وعلاقتها بالماضي والحاضر ، وما سيترتب عليها من أثر في المستقبل ، ولذلك ، يقع (العراق) والعراقيون (والعرب) بين لحظة ولحظة في براثن الحروب والتقهقر بشكل انسيابي مع أي مؤامرة تحاك ضدهم من الداخل والخارج ، ربما لأن (العرب لا يقرأون) فعلاً .
الحرب العراقية الإيرانية ، غزو الكويت ، دخول الأصابع (الصهيو – أمريكية) في المنطقة ، الحصار على العراق ، الإحتلال الأمريكي العراق ، مجلس الحكم ، الدستور ، الربيع العربي (السلفي) ، الصراع على السلطة في العراق ، سوريا ، لبنان ، إيران ، قطر ، تركيا ، السعودية ، داعش .. كلها مفردات في مشروع كبير مكتنزة به أجندات العقل (الغربي) الذي يخطط لسنين طوال ، تاركاً مسألة التنفيذ لغياب القابلية الذهنية (العربية) و (الإسلامية) .
إن ما يجري في العراق – وما جرى – ليس من صناعة الصدفة أو مما يمكن تقييده (ضد مجهول) بأي حال من الأحوال ، بل إنما هو جزء من نظرية (الفوضى Chaos) التي تؤكد على تأثر النتائج بمقدمات أولية لا يمكن تجاوزها حتى وإن غفل عنها البعض ، وهذا ما يجري في العراق خصوصاً ، وفي الوطن العربي والعالم عموماً .
والمتتبع لحالة العراق بما تحتويه من الإنفلات الأمني ، وتأجيج الحس الطائفي ، وتراكمات الفقر ، وسوء توزيع الثروات ، والحرب على السلطة ، وتراكم ملفات الإرهاب والفساد ، والتصريحات المكثفة لبعض الساسة ، سيجد بأن كل هذه المعطيات إنما هي أدوات (محسوبة) لدفع (الوعي الجمعي) لدى العراقيين نحو الرغبة في (الخلاص) عبر تفعيل (الفيدراليات) ، والذي سيؤدي بدوره لفتح الشهية نحو (الإنفصال) ، كنتيجة طبيعية ومنطقية .
لقد آن الأوان بالعراق – وحسب افتراضات مشروع الحفاظ على الأمن القومي الإسرائلي – أن يعيش حالة (التقسيم) بأدق تفاصيلها ، خصوصاً بعد أن أكتملت خطوات إذكاء الحس (الطائفي والعرقي) ، وبعد أن أشتعلت جذوة الصراع حول (الثروات) ، وبعد أن تأججت المخاوف من العودة الى (القتل على الهوية) ، وانتشار أخبار تأسيس (المليشيات) المتطرفة في العراق .
إن الذكاء (الغربي) قد وضع نصب عينيه مسألة استنزاف الوعي والقدرة والطاقات (العراقية) عبر (إشغالها واشتغالها) بالهموم والصراعات الداخلية عن الإلتفات إلى مسألة العرب الكبرى (إسرائيل) ، وذلك من خلال خلق الصراع (الكردي – السني) على حدود الأقاليم التي تضج بالثروات النفطية ، وإيجاد الصراع (الشيعي – السني) عبر حدود الأقاليم التي تمتلئ بالإحتقان الطائفي والعودة إلى (السلطة) وضرورة الحصول على مزيد من المكاسب التي (تمليها إرادة الدول المحيطة بالعراق) .
إن السياسي العراقي الذي أثبت عدم قدرته على إدارة الملفات العالقة في مختلف المجالات ، لن يكون بوسعه سوى الرضوخ لهذا المشروع الذي يراد منه (كف الشر والأذى) عن إسرائيل عبر إشغال العراقيين بصراعاتهم الداخلية ، وبالتالي ، فلا الإنتخابات الجديدة ، ولا تصريحات الساسة ، ولا الحراك السياسي سينهي هذه الطامة ، ما لم يكن هناك وعي وقراءة واضحة لخطورة ما يحيط بالعراق من أجندات ، وما لم ينتبه الساسة إلى ضرورة البدء بمقدمات واعية وصحيحة ، لأن (النتائج ، تعتمد على أخس المقدمتين) ..
العراق – عاصمة العالم
[email protected]