26 نوفمبر، 2024 3:44 م
Search
Close this search box.

بعد المتغيرات الدراماتيكية في المشهد السياسي العراقي الحالي .. المرجعية الدينية الرشيدة والمسؤولية التاريخية بدعم بيروستروكيا شاملة

بعد المتغيرات الدراماتيكية في المشهد السياسي العراقي الحالي .. المرجعية الدينية الرشيدة والمسؤولية التاريخية بدعم بيروستروكيا شاملة

قبل الخوض في الحديث عن غرض وفحوى  عنوان هذه المقالة ، أود الإشارة الى انه خلال الفترة الأولى من وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة (1985 – 1987)، تحدث عن تغييرات وإصلاحات في مقدمتها تعديل التخطيط المركزي في عموم الاتحاد السوفيتي  ، ولكنه لم يقم بأي تغيرات جذرية حقيقة (تسريع). وكانت علامات ومؤشرات انهيار الاتحاد السوفيتي قد لاحت في الأفق والأحداث كانت  آخذة  بالتسارع نتيجة الأمراض المزمنة التي عانى منها الاتحاد  لعقود  مضت وفي مقدمتها الفساد والتدهور الاقتصادي الذي اصبح عبئا كبيرا على ابنائه والتي عملت الولايات المتحدة على تحقيقه على مدى سنوات طويلة فكتب عن ذلك الرئيس الامريكي الأسبق ريتشارد نيكسون  في كتابه الشهير “نصر بلا حرب ”  الذي كتبه عام 1988، . عندها قدم غورباتشوف وفريق من المستشارين الاقتصاديين إصلاحات أكثر جذرية، عرفت باسم ( البيريسترويكا) اي إعادة الهيكلة او اعادة البناء ، اذ  صاحبتها (الغلاسنوست)  التي تعني الشفافية. وهناك من يؤرخ بأن هاتين السياستين أدتا معاً  إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه سنة  1991 ، الا انه في حقيقة الامر كانت مضاعفات مرض الاتحاد السوفيتي هي التي أدت به الى الانهيار وكأنه شابه الدولة العثمانية التي سميت بالرجل المريض حتى تفككت وتوارت عظمتها كإمبراطورية كبرى كان يشار اليها بالبنان لعدة عقود خلت.

نعود الى صلب الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه وبدون مقارنة مع النموذج السوفياتي لدى انتقاله الدراماتيكي نحو إعادة البناء والإصلاح  ولأسباب شتى  ، وبعد تداعيات الانهيار غير المتوقع للكتلة  الصدرية  وما طرحه السيد مقتدى الصدر في خطابه بالأمس ، فكأننا نجد أنفسنا امام بيروستروكيا جديدة بدأت تدب  في جسد البلاد بعد ان كانت أعداد كبيرة من الجماهير تعول على هذه الكتلة و كتلة المواطن في احداث التغيير المرتقب اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان بقية الكتل – عدا الكتلة التي تتولى السلطة حاليا – سوف توفر لها الدعم في تشكيل الحكومة الجديدة .

هذه الكتلة التي تعد عامل توازن معول عليها في المشاركة في العملية السياسية وإذا ما تفتت او توارت  كما تشير التطورات الدراماتيكية  خلال الأيام القليلة الماضية ، فان ذلك يعني انفراط عقد المكونات السياسية الرئيسة بأجمعها . وهو مؤشر خطير على ديمومة واستمرارية العملية السياسية بسلام ونجاح مستقبلا لان عدد معتبر من حبات العقد المنفرط ستصبح عبئاً على الواقع السياسي والاجتماعي في العراق نتيجة الخروج من دائرة اللعبة السياسية بما تضم من مناصب وامتيازات ومشاركة في صناعة القرارات المؤثرة في الدولة والمجتمع تستند اليها وتعول عليها الجماهير الواسعة لهذه الكتلة في اغلب مدن العراق. 

لذا ونتيجة لكل ما حملته المرحلة الماضية من فشل على مختلف الصعد ، من تدهور بل انهيار أمني مستمر ،  وفساد مستشري ازكم الأنوف ، وسرقات ،  وسوء خدمات ، وغياب للعدالة ، وتنامي وانتشار الطائفية المقيتة في عموم البلاد . ونتيجة لتجاهل النواب والسياسيين الكبار لنداءات وصوت المرجعية الحكيمة في العودة الى جادة الصواب وتغليب العقل والحكمة على التهور والطيش ،  والنزاهة والعفة  والإيثار على الاثرة  ، وما جرى لدى التصويت على قانون التقاعد خير مثال على ذلك عندما لم يأخذوا بقول الله سبحانه وتعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] ، مع ان اغلبهم يدعون انهم إسلاميون . لذا فإنني ارى ان الفرصة اليوم مواتية الان قبل اي وقت آخر  لان تأخذ المرجعية الدينية الحكيمة زمام المبادرة بالتدخل  – وهي التي طالما سجلت تدخلات تاريخية في تجنيب البلاد الكوارث والويلات على مر السنين الماضية –  من احل ان تدفع باتجاه احداث بيروستروكيا و إصلاح عاجلين يشملان  جميع الكيانات الكبيرة التي تأخذ جماهيرها بتوجيهات المرجعية – بقية الكيانات الاخرى لا تؤثر كثيرا في التغيير المنشود حاليا سوى  بالدعم اللاحق لدى تشكيل الحكومة المقبلة – وتعد التوقيع على قانون التقاعد كمرتكز للدعوة بشأن انسحاب كافة الموقعين ورؤساءهم ممن وقع او وجه بالتوقيع على القانون من العملية السياسية فضلا عن فشلهم في عملهم طيلة  السنوات الماضية لكي يعودوا للعمل ضمن المؤسسات الدينية والخيرية وهو افضل لهم في الدارين الاولى والآخرة ، مع ترشيح بدلاء عنهم للانتخابات المقبلة ، وذلك لن يؤثر على موعد الانتخابات اذا ما صدقت نوايا من يعمل على اجراءات الاستبدال والتدقيق ، لكي تأتي وجوه جديدة الى الساحة السياسية ربما تصلح حال البلد للسنوات القادمة . واعتقد انها فرصة للتغيير لن تتكرر وهي افضل بكثير من التعشم بالتغيير عبر صناديق الاقتراع مع بقاء نفس الوجوه مرشحة للانتخابات ، لان ذلك لن يؤدي الى تغيير الوجوه الحالية اذ سيعود اغلبهم الى الساحة السياسية مرة اخرى لكي يبقى جاثماً على صدور الجماهير لمدة  أربع سنوات اخرى ، وهكذا تعاد اللعبة في كل انتخابات مستقبلية ، ولربما سيورثون أبناءهم وأحفادهم حتى يرث الله الارض وما عليها مادامت أدوات البقاء والاستمرارية لفوزهم في الانتخابات باقية ومنها قانون الانتخابات الذي صممه اللاعبون الرئيسيون على مقاسات كتلهم الكبيرة ، وقرارات المحاكم التي تسيس لدى الحاجة الى ذلك ، ومفوضية الانتخابات او مفوضية الأحزاب المهيمنة وتبعية ولاء أعضاء مجلسها الى الأحزاب التي جاءت بهم ، ومسألة  تمويل الحملات الانتخابية من خلال المال السياسي ، وكوابح تأخير او إلغاء الانتخابات الجاهزة للاستخدام لدى الضرورة ومن بينها تأزيم الوضع الأمني لاختلاق الأسباب لذلك ، وغيرها.

دور المرجعية الحكيمة في اجراء بيروسترويكا شاملة قبيل الدخول في الانتخابات هو إنقاذ للبلد من أتون الحرب المشتعل أوارها في اكثر من مكان هذه الأيام فضلا عن  التخوف من اتساع رقعتها في هذا الوقت العصيب من تاريخ العراق ، وبكل تأكيد سيسجل  التاريخ هذا الإنجاز المشرف  للمرجعية بأحرف من ذهب.

أحدث المقالات