خمدت ، وليس انتهت ، تظاهرات الاسبوع الاول من تشرين الاول 2019 ، ونحن بانتظار تداعياتها . انها مثل الزلزال . يقع الزلزال أولا ويدمّر ما يمكن تدميره حسب مقياس رختر ، بيد ان الدمار الاكبر يحدث عند استقرار الارض على زلزالها . ونحن الآن بانتظار تداعيات الزلزال وكيف ستستقر الأرض بعد ذلك .
لابد من الاعتراف انّ ما حدث كان صدمة لمرشد الثورة الاسلامية الايرانية قبل ان يكون صدمة لطبقة أحزاب الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسنّي في بغداد . فلم يكن المرشد يتوقع أنّ من يطالبه بمغادرة العراق هم شيعة العراق الذين يعتبرهم وقود الثورة وحاملي لوائها واليد الذي يبطش بها ويقهر بها قوى الاستكبار العالمي وحلفائه في المنطقة . لذا فانّ المرشد استشعر خطورة ما حدث قبل ان تستشعرها طبقة الاسلام السياسي وحكومتها في بغداد ، وايقن ، انطلاقا من اديولوجيته في تصدير الثورة الاسلامية ، أن تداعيات الأحتجاجات السلبية على ايران ستكون أخطر من تداعياتها على حكومة بغداد . وانّ استمرارها سيقود في المحصلة الى انهيار خط ايران الدفاعي الأول ، والمرشد غير مستعد لتقبل هذا الأمر لاسيما وان ماحدث قد قلّل من هيبة أيران الثورة وأفسد صورتها ، والمرشد لا يسمح بذلك ، وفوق ذلك هو يعلم ان القوات المسلحة العراقية وقوات الشرطة ليست على استعداد للعدوان على المحتجين أوالتصدى لهم بالسلاح الحي ، اذا لم يساوره شك في ان تلك القوات ربما تتعاطف معهم ، لهذا السبب أمر بتدخل أيران المباشر وعن طريق وكلائها المحليين وبشكل فوري ودموي لأخمادها ، وهذا ماحصل.
صدمة طبقة أحزاب الاسلام السياسي ، وبخاصة الاسلام السياسي الشيعي كانت في انكشاف عورتها، أذ أدركت بشكل لا ترقى اليه ريبة ، كم هي عميقة الفجوة بينها وبين عموم الشعب وبشكل خاص شعب الوسط والجنوب ، وكم هي بعيدة كل البعد عن هموم الناس، وبشكل خاص الشباب منهم ، وهي التي تدّعي انهم حاضنتها الرئيسية . لقد فقدت هذه الطبقة شرعيتها السياسية بعد أن تلطخت يدها بدماء ضحايا الاسبوع الاول من تشرين الاول ، وبعد هذا التاريخ لا تستطيع ان تدعي تمثيل الشعب بعد ان ساهمت بقتل شبابه.
أما صدمة السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء فهي أكبر بكثير من صدمة الطبقة السياسية، أذ يتوجب عليه الآن ان يتحمل أوزار الفساد المتجذر والمستشري في جميع مفاصل الدولة العراقية منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا . وهو يحاول استجداء الوقت بجملة من القرارات يحاول بها التخفيف عن معاناة الشعب ، بدعوى انها جاءت استجابة لمطالب المتظاهرين ، وهو يعلم علم اليقين ان تلك القرارات التي خرج بها ليس لها صدى في واقع حياة الناس ، وستبقى حبرا على ورق ، لسبب بسيط وبديهي ويعرفه كل مواطن عراقي ،وهو أن الفساد الذي تربع على عرش الدولة والذي ساهمت به كل الحكومات التي تعاقبت منذ سقوط النظام السابق في 2003 قد استنفذ الأموال ، ولأن طبيعة العملية السياسية القائمة على مبدأ المحاصصة لا تسمح بتنفيذ تلك الاصلاحات ، ولأن الحكومة نفسها غير قادرة على تنفيذ اي شيء من هذه القرارات ، لأنها تحت رحمة أحزاب الاسلام السياسي . واذا ما رغب السيد عادل عبد المهدي بتقديم استقالته ، رغم ولعه بتقديم الاستقالات ، لن يسمح له فعل ذلك ، وهو الآن رهينة ، ومسلوب الارادة ، وواجبه الآن هو امتصاص غضبة الشعب والمناورة على طموحاته باطلاق الوعود والآمال وهي كلها هواء في شبك. أن تنفيذ القرارات التي تخدم العراق ومصالح شعبه بصدق تحتاج الى قادة سياسيين وتنفيذيين مخلصين وتحتاج الى اموال كبيرة ، والأثنان غير متوفرين في العراق في الوقت الحاضر ، لأن طبيعة العملية السياسية في العراق ، لاتسمح بظهور قادة مخلصين ، والفساد المتأصل في هذه العملية لايوجّه الأموال الآّ باتجاه مصالح الطبقة السياسية الحاكمة .
ان زلزال الاسبوع الأول من تشرين الاول 2019 لن ينتهي بعد ، ونحن بانتظار استقرار الزلزال على أرضه ، فهل ستستقر ارض العراق في الحضن الايراني أم في الحضن الامريكي، أم سيستمر المتصارعان في مسك العصا من الوسط ! الجواب على هذا التساؤل ستظهر ملا محه في بداية العام القادم ، بعد ان يقدم الفريق الاممي الفنّي تقريره عن الهجوم على منشآت آرامكو في السعودية الذي حدث في 14 ايلول الماضي في تشرين الثاني القادم . انّ الاجابة على هذا التساؤل تتوقف على محتوى التقرير وما يقرره مجلس الأمن بشأنه . وفي كل الأحوال ، فبعد الأول من تشرين الأول 2019 ، لم تعد هناك دولة عراقية ولم تعد هناك حكومة عراقية ، وما تبقى سوى أرض العراق وشعب العراق . شعب يتمسك بارضه وارض تتمسك بشعبها .