24 نوفمبر، 2024 7:18 م
Search
Close this search box.

بعد اإقالة رئيس هيئة النزاهة هل نحن بحاجة ضرورية لمحكمة دولية لمكافحة الفساد

بعد اإقالة رئيس هيئة النزاهة هل نحن بحاجة ضرورية لمحكمة دولية لمكافحة الفساد

أعلن في العراق عن إزاحة القاضي حيدر حنون من منصبه رئيسا لهيئة النزاهة المكلفة بمحاربة الفساد، الأمر الذي مثّل خلطا لأوراق الجهود المبذولة لمكافحة الظاهرة التي استشرت وتغوّلت في البلاد وتحولّت إلى عملية نهب واسع النطاق للموارد الكبيرة المتأتية للدولة من قطاع النفط ومختلف القطاعات الأخرى، وأصبحت عائقا أمام الاستثمار والتنمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والخدمية للسكّان, وحيدر حنون، الرئيس السابع لهيئة النزاهة، أنضم إلى مصير أسلافه الذين جميعهم – دون استثناء – غادروا المنصب بـ”شكل قسري,,, وكان 6 رؤساء للهيئة، سبقوا حنون، تركوا المنصب بعد جدل وشكوك، واتهامات بالفاسد، فيما أحدهم القاضي توفيق عزت قتل بحادث سير، ورجح بانه مدبر.
ويواجه حنون، وفق المعلومات، ثلاثة دعاوى أمام محكمة جنح الكرخ، إضافة إلى محاكمة ثانية ، أمام محكمة جنايات الكرخ عن دعوتين, محكمة تحقيق الكرخ، أصدرت أمر قبض بحق رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، بعد أن قررت فتح تحقيق معه بخصوص تلقيه رشى، وفق تسريب صوتي منسوب إليه. وسبق أن تلقت محكمة تحقيق الكرخ الثالثة في 11 أيلول الماضي، طلباً من رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، بإجراء التحقيق بخصوص التسجيلات الصوتية المنسوبة إلى رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حيدر حنون التي تتضمن جرائم تقاضي رشى. ملمحًا إلى “تستره” على قضايا تتعلق بنور زهير، حيث “اختفت” حين وصلت عنده

واستغربت لجنة النزاهة في البرلمان من “خبر اقالة حنون ومن ثم تعينه مستشاراً في وزارة العدل”، وقالت “إذا كان فاسدا كيف يتم تعيينه بمنصب آخر رفيع,,, وغالبا ما تتهم هيئة النزاهة بانها “أداة سياسية” بيد الحكومة. وتتصارع الأحزاب للسيطرة على هذا المنصب تحت ذريعة المحاصصة والاستحقاق الانتخابي. وبعض رؤساء الهيئات كانوا جادين بمحاسبة الفساد، لكن اصطدموا بهذه الإرادات السياسية ,, بنية النظام، والأطراف التي شاركت في تأسيس النظام السياسي، متخادمة بقضايا الفساد، لذا تجد نفسها أعلى بكثير من هذه المؤسسات الرقابة,, وخضوع الهيئة للمحاصصة، وفي قضايا كثيرة لا تتمكن الحكومة من حمايتها، خصوصا إذا اصطدمت ببعض الملفات الحساسة,, هيئة النزاهة، تصطدم بالدولة الموازية، ثم لن يستطيع اي من الرؤساء السابقين من حماية أنفسهم”,, حدوث تشابه في مصير رؤساء الهيئة إلى أن منظومة الفساد بالعراق بعد 2003، أكبر من الهيئات الرقابية، وأصبحت رديفة للدولة، وتمتلك أدوات وغطاء سياسي ,,

قضية حيدر حنون تظهر صعوبة محاربة الفساد في العراق بسبب ضلوع جهات وازنة في ممارسته تتجاوز سلطاتهم سلطات رئيس الوزراء نفسه ,, جهات عراقية مطّلعة على الملف قالت إنّ ذلك جاء بمثابة نهاية طبيعية لمسار من الضغوط الشديدة التي تعرّض لها خلال الفترة الأخيرة ضمن تطورات ما يعرف بقضية سرقة القرن والتي شهدت منعطفات صادمة, واعتبروا تعثّر محاربة الفساد ضربة لصورة السوداني الذي أراد أن يكون عهده مختلفا عن عهود سابقيه في مجال النزاهة وحماية المال العام , كما وتظهر قضية حنون صعوبة محاربة الفساد في العراق بسبب ضلوع جهات وازنة في ممارسته من رؤساء أحزاب وقادة ميليشيات نافذين في الدولة العراقية وتتجاوز سلطاتهم سلطات رئيس الوزراء نفسه,,,

منذ الغزو الأمريكي للعراق وتنصيب أول حكومة منتخبة ديمقراطيًا في وقت لاحق، كان الفساد مشكلة مستشرية بالنسبة إلى الحكومة العراقية. فقد اختفت، سنة بعد سنة، مليارات الدولارات من الأموال العامة أو تم تحويلها بطريقة غير مشروعة إلى خارج البلاد. وتم نهب ما يقدر بنحو 350 مليار دولار من الدولة العراقية بسبب الفساد، مع إعادة استثمار جزء كبير منها في الخارج، على ما يبدو لدعم الجناة ليس إلا. ولا بد من وقف هذه الحلقة المفرغة ونؤكد , نظرًا لعدم قدرة المؤسسات العراقية أو عدم رغبتها في مكافحة الفساد كما يجب، تصبح الحاجة إلى تدخل هيئة دولية واضحة. لذلك، يُعد دعم الحملة العالمية لإنشاء محكمة دولية لمكافحة الفساد ضروريًا من أجل محاسبة الحاكمين الفاسدين عندما تفشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك ,, الطبقة السياسية والحاكمة في بغداد فشلت حتى الآن في وضع المصلحة الوطنية فوق أي شيء آخر،

وتقرّ الحكومة العراقية بوجود الفساد في مؤسساتها، وكانت وثيقة استقالة وزير المالية العراقي علي علاوي قد كشفت عن بعض ذلك، إذ جاء في نصها “نجحت الحكومة في وضع إستراتيجية جريئة للإصلاح الاقتصادي والإداري، ومع ذلك، فإن الإستراتيجية لم تحقق الأثر المنشود بعد في وقف الانحدار في القدرات الإدارية وفعالية القطاع العام أو في تغيير المحاور الاقتصادية للبلد بشكل جذري,, وأضاف “لم تنجح الحكومة في ضبط الفساد ثم الحد منه. الفساد وحش متعدد الرؤوس وقد حفر في السنوات العشرين الماضية جذورا عميقة في البلاد، لا يمكن السيطرة عليه -فضلا عن اقتلاع جذوره- إذا لم تكن هناك إرادة سياسية وإجماع على القيام بذلك، إذ لا يزال الفساد مستشريا ومنهكا وواسع الانتشار,, ولا ينكر المسؤولون العراقيون وجود فساد مستشر في الدولة، إذ إن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي كان قد كشف في سبتمبر/أيلول 2014 عن وجود نحو 50 ألف موظف وجندي في وزارة الدفاع العراقية يتلقون رواتبهم دون أن يكون لهم وجود على أرض الواقع، أما في أغسطس/آب 2015 فكشف عادل عبد المهدي الذي كان يشغل حينها منصب وزير النفط أن الموازنات العراقية منذ 2003 ولغاية 2015 بلغت 850 ملیار دولار، وأن الفساد في العراق أهدر 450 ملیار دولار، مضيفا أن استغلال المناصب من جانب المسؤولين لمصالح خاصة كلف الدولة 25 ملیار دولار, وفي سبتمبر/أيلول 2021، كشف رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح -في مقابلة متلفزة- أن أموال العراق المتأتية من النفط منذ 2003 تصل لنحو ألف مليار دولار، لافتا إلى أن التقديرات تشير إلى أن الأموال المنهوبة من العراق إلى الخارج تقدر بنحو 150 مليار دولار، مشددا على أن العراق يعمل على استعادتها من خلال مطالبته العالم بتشكيل تحالف دولي لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة,, أكد الخبير الاقتصادي العراقي مظهر محمد صالح أن المحاصصة بددت الثروات العراقية من خلال الطبيعية الريعية للدولة التي أدت تركيبة النظام إلى تبديدها خلال السنوات الماضية. ولم يحدد حجم الفساد في البلاد بسبب تنوع أبواب الفساد، ما بين الفساد المالي المباشر والرشى والسرقات، وصولا إلى الفساد الإداري الذي يبدد الأموال، ،و وصف عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر أن ما تحدثت به بلاسخارت أمام مجلس الأمن “غيض من فيض”، مشيرا إلى أن حجم الفساد المالي في البلاد ينخر جميع مفاصل الأحزاب السياسية دون استثناء، معتبرا أن الصراع السياسي الحالي لا يخرج عن كونه محاولة للسيطرة على مقدرات البلاد والمناصب الحكوميةا, و شبّه كوجر الفساد بـ”السرطان” الذي لا يمكن السيطرة عليه، وذكر أن موازنة عام 2021 التي بلغت نحو 100 مليار دولار لم تنعكس بأي شكل على الوضع الاقتصادي، لافتا إلى أن من أبرز وجوه الفساد السياسي الاقتصادي: تعمد إيقاف الاستثمارات في الموارد الطبيعية والبشرية، وأن إيقاف هذه المشاريع لا يقف عند مصالح الأحزاب ذاتها بل يمتد لمصالح دول إقليمية

على الرغم من الدور الحاسم الذي تلعبه هيئة النزاهة في التحقيق في الفساد وتعزيز المساءلة، فإن الشبكة المعقدة من اللوائح والمعاملات الورقية تحرم اللجنة من الموارد اللازمة لتتبع الأدلة، أو التعامل مع هيئات القانون الدولي، أو مقاضاة الجناة. فوزارة المالية العراقية، حتى بعد زيادة ميزانيتها الممتدة على ثلاث سنوات بثلاثة أضعاف، لم تخصص أي أموال لهيئة النزاهة من أجل تعزيز قدراتها في الملاحقة القضائية. وفي حين أن الآثار الضارة للفساد معروفة جيدًا، لم يبدِ المسؤولون العراقيون اهتمامًا يذكر بمكافحته. وكذلك، لا تُقدَم أي حوافز للسياسيين في الحكم كي يمكّنوا عمل هيئة النزاهة، بحيث يخشون أن يتم استخدام نظام العدالة الأكثر جرأة كسلاح ضدهم من قبل خصومهم في المستقبل

من المؤسف أن الفساد في العراق لا يزال السبب الرئيسي للنزاعات والانقسامات الطائفية والخلل الحكومي. فالفساد المتأصل في الحكومة العراقية يشل قدرات الدولة ويزيد من الفقر وآثار تغير المناخ والهجرة الجماعية والعنف. وبدلًا من التوصل إلى حل محلي، من الضروري أن يُسمح لمحكمة دولية بمحاكمة هؤلاء الأفراد الفاسدين الذين يعرّضون مستقبل المدنيين العاديين للخطر من خلال أفعالهم

في هذه البلاد الجميع يتحدث عن النزاهة والإصلاح ، لكنه يرفض التمييز بين النزاهة والسرقة ، وفي الدول العادية يكون القضاء سيفاً قاطعاً لمحاربة الجريمة المنظمة. أما في بلاد نافأكثر ما يخشاه المواطن هو الحديث عن سرقة البلاد ، لأن السياسيين سيغضبون ويزمجرون ويتباكون أمام القضاء ، أما الحفاظ على المال العام وإشاعة العدالة الاجتماعية ، فهذه أصبحت من الكماليات 

أحدث المقالات

أحدث المقالات