ربما يتصور البعض إن تنظيم “داعش” دخل إلى نينوى غريباً ، نعم انه غريب على الإسلام لكنه لم يكن عابر سبيل في ارض الحدباء، فهو تجاوز مرحلة التعارف والصداقة فيها خلال عقد من الزمن وعبر أكثر من عنوان سواء بمسمى “جماعة التوحيد والجهاد” أو “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” وما تلاها من تشكيل لمجلس “شورى المجاهدين” او الدولة “الإسلامية” في العراق وصولاً إلى النسخة المعدلة بعنوان “داعش”.
الأسباب التي أسهمت في تعبيد تلك الطرق أمام عربة التطرف الإسلامي في العراق، متناثرة وعديدة ولكن أبرزها يتمحور في تغير قطبية مذهب السلطة الحاكمة مابعد 2003، وما تسبب به سقوط التمثال من اختلال في التوازنات الإقليمية، ولذا فان العراق كان أمام مصير محتوم يبدأ من مقاومة إقليمية دولية لإيقاف عقارب الديمقراطية في العراق بنسخة شيعية يمتد عمقها الاستراتيجي في بيت الثورة الإيرانية، ومثل هكذا تحديات كانت تحتاج إلى ساسة يجيدون طمئنة الأخر لا إلى شخوص تجيد صناعة الأزمة.
قوة داعش في العراق لاتقوم على ترسانتها البشرية أو قوتها اللوجستية بل انها تعتاش في جمهورية الشركاء الأضداد، وليس كما هي مخففة على منابر التصريحات ووسائل الاعلام تحت عناوين الاختلاف في وجهات النظر، وبالتالي فان بقاء نسخة المشاطرة في الحكم بدعة سياسية أريد منها الاحتيال على العرف الديمقراطي، من اجل توفير أغطية شرعية لصراع المتخالفين في الأيدلوجية والمنهج، خوفاً من صناعة قرار سياسي بيد الخصم الوطني يكون ضحيته ضحايا التغير.
سقوط جبال الموصل وصحراء الانبار وما بينهما في أحداث حزيران 2014، عرض نهائي على الهواء مباشرة كان قد سبقها تحضير وتمارين يومية امتدت لسنوات طوال، وهي نتيجة حتمية لبلاد قرارها السياسي مرهون بأغلبية سلطوية لاتجيد التفاوض بقدر ما تجيد التنازل في الأبنية المغلقة، من اجل مكتسبات منزلية وليست وطنية بغية توفير لهم المزيد من الوقت المستقطع للوصول إلى صافرة الحكم، إذا ماكان في حينها صافرة تسمع.
اذا ما نظرنا الى حركية قوى التنظيم سنجد ووفقاً للمنطق العسكري انها لاتستطيع أن تمسك الأرض طويلاً لطبيعة الحجوم ومقاسات السيطرة، والسؤال الذي ينسدل
من تلك القائمة، إذا كانت النتائج معلومة مسبقاً فلماذا تصر على مقاومة سرطان موت خارطتها المكانية. حقيقة إن الانتصار الذي تبحث عنه قد تحقق واقعاً وهو تصدير الإسلام المزيف إلى الخارج الغربي، والمتتبع لجرائمهم سيجد أن ستراتيجية التنظيم تعتمد على تسليط الضوء على أحداث تتجاوز نطاق الاهتمام المحلي، والطيار الأردني احدى الأمثلة الحية، بعد أن جعلوا قضية التفاوض وإطلاق سراحه حديث دولي، ليسدل الستار على الرواية بثنائية القفص والنار.
داعش شارف على إنهاء ستراتيجية احتلال المدن، بعد إن انجز مهامه الأيدلوجية، تاركاً لنا احياء المناطق الميتة واقتسام غنائم الخارطة ومعارك تثبيت الحدود ، في حين يبقى العراق مابعد الإصابة بمرض داعش موضوع اخطر وأكثر تشظياً باحتمالات الانهيار.