متشابهون ظاهريًّا بكل شيء ,لا زلت أذكر بعض وجوه أعضاء حزب البعث بداية مشوار حكمهم خدميًّا وسياسيًّا عقب أيّام قلائل من ثورتهم “البيضاء” فلا أجد فرقًا مع حزب الدعوة اليوم.. تصادفنا أحيانًأ مواقف معيّنة تدفع الذاكرة لاستعادة صور قديمة وبأسرع من لمح البصر, أجدها هي هي ذات الوجوه القديمة لم يتبدّل منها شيء سوى “الانتماء” تكرار لنفس ملامح وقسمات الوجوه.. ذلك على مستوى التعاطي بينهم وبين الناس كبداية حكم غير أنّ الفرق بين هؤلاء وأولئك, لا ينكر أحد احتواء تنظيم البعث مستويات جيّدة لاختصاصات كثيرة بفكر منفتح على العالم ساعد في ذلك علمانيّة التنظيم وإن بخصوصّيّة, علاوةً على مستويات لأخرى متقدّمة جمعت بين الخبرة الاداريّة والعلميّة والعسكريّة والأكاديميّة بمختلف المستويات بفارق عن حكمهم 1963 ولذلك استطاعوا بفترات قياسيّة إشادة و”تكملة” مشاريع البناء الضخمة بمختلف مستوياتها منها امتداد لفترات حكم سابقة خطّط لها زمن الزعيم قاسم وما قبله, ساعدت قفزة أسعار النفط 1973 عقب نجاح التأميم وقطع امدادات النفط بحرب أكتوبر علاوةً على الأفواج الّذين انتموا للحزب “بعد الثورة” فازدادت أعداد التنظيم كثيرًا سهّل ذلك الانفتاح الاقتصادي الّذي شهده العراق أيّامها بمختلف الوظائف مدنيّة وأمنيّة من أدنى فصاعدًا خاصّةً من لها علاقة مباشرة بقضايا الناس ,لكنّنا لو تجاهلنا حالات الفساد العميق الّذي ضرب جميع مفاصل الدولة من مشاريع وهميّة ورشاوي ونتائجها الخطيرة نزوح وهجرات بالملايين وحروب داخليّة وكلّ ما حصل بعد الغزو من تفجيرات واغتيالات وخطف الخ طيلة 12 سنة تحت دكتاتوريّة الدعوة, إلّا أنّ التشابه في السلوك الخاص اليوم متطابق مع الأمس بداية حكم البعث ؛سحن سمراء قساوة في الملامح حدّة في التعاطي غلظة في الطباع فضاضة ,طوّر البعثيّون أنفسهم لعدّة عوامل ذكرنا أغلبها ,لكن الدعويّين فشلوا في السيطرة على الأداء الإداري والخدمي للبلد وجلّ قادتهم فشل في التعاطي الدبلوماسي والبروتوكولي والسياسي داخليًّا وخارجيًّا, ولا زالوا يؤكّدون الفشل مع كلّ مناسبة رغم البذخ من أموال الشعب على “الأناقة” في حين اشتهر البعثيّون ببدلاتهم “السفاري” البسيطة, اهتمّ قادة الدعويّين بأرصدتهم ومشاريعهم خارج البلد لا داخله كما كان الأمر عند البعثيين فوصلت ل”220″ مليار دولار مودعة عند البنوك العالميّة حسب صحيفة أميركيّة مطّلعة, المفروض تترك هذه “النعمة” آثارها المخمليّة على وجوههم الكالحة, وليس ذلك بمستغرب على فكر ماضوي وجلّ بعثيّو ما بعد “الثورة البيضاء” نقلوا انتمائهم العقدي من الكتف الأيسر إلى الأيمن كوّنوا طبقة من الأوليغارشيّة ليرهنوا البلد بحكم كومبرادوري بعدما زال ضغط الصرامة المكبّلة ل”مواهبهم” زمن “الكتف الأيسر”.. “ثوّار تمّوز” آنذاك كانوا جميعهم بداية شبابهم يمتلؤون حيويّة وذكاء في سرعة استيعاب “الموقف” منها ارتبطت تجاربهم مبكّرًا بتجارب دول اشتراكيّة بواكير ذلك “أبو منيصير” ولعلّ أهمّها على الإطلاق علمانيّة البعث صهرت طرفا الانشقاق المحتمل “السنّي الشيعي” في منصهر قومي واحد ,جعلهم بكلّ ذلك وغيره ينجحوا في الاستثمار الأمثل للثروات الّتي تدفّقت على العراق عقب التأميم, علاوةً على تمتّع بعض قادة البعث بقراءة سريعة للمستجدّات السياسيّة رغم ما حوت من أخطاء منها قاتلة, بحكم وجود عقل حرّ وإن كبّل بقضايا قوميّة بعضها كانت سببت أخطاء لا تغتفر ..ساعد النجاح ذاك تفويد مستمرّ إلى السوفييت ومنظومة الدول الاشتراكيّة, عكس الدعوة, أقصد من رافق الاحتلال, عقل معزول مأزوم بثارات دينيّة مكبّل بطاعة عمياء لقرارات غيبيّة لرغبات خارجيّة وصلوا الحكم بعدما شاخوا وشاخت تصرّفاتهم تطبّعت على الإحجام والتردّد والوسواس, “وبعد أن شاب ودّوه للكتّاب” كما نقول, لكن هناك فروقات بعضها دوليّة أعطت السابقون مالم تعطه لساسة اليوم, فالبعثيّون أتوا في ظروف توازن دولي بوجود قوّتين عظميين الاتّحاد السوفييتي والولايات المتّحدة, فاستطاعوا تنفيذ برامجهم الاصلاحيّة الشاملة أنّا يأتي ساسة اليوم المكبّلون بدول الجوار وبقرارات صندوق ((الربا)) الدولي ,بمعشاره ,والدليل ما ألحقه “حلفاء الكويت الأربعون” بالعراق من دمار شامل استطاع العراق بحكمّ قاعدته العلميّة العريضة الّتي امتلكها عبر تسعون عامًا إعادة إعمار البلد “منها الكهرباء أعيدت خلال اسبوعين” وباقي الإنجازات بستّة أشهر وزادوا بجسر ضخم “ذو طابقين” لا زال ماثلًا ولأمد طويل إن شاء الله.. زمن “التحرير” نستورد لبن أربيل من إيران والرزّ العنبر من الأردن, ولله في خلقه شؤون..