23 ديسمبر، 2024 8:30 ص

بضاعة غير صالحة للاستعمال

بضاعة غير صالحة للاستعمال

في زمن النظام المقبور كانت الامور تجري بمنتهى السرية والتكتم والتستر الشديد من الفضائح التي يرتكبها رجاله وازلامه وحاشيته . ولم يكن بمقدور الاعلام المكبل بسلاسل  حديدة وبقيود الارهاب والقمع من التطرق او نقلها او متابعتها حتى من بعيد او باشارة عابرة في تفاصيل الخفايا السرية , لانها محكوم عليها بان تتبع او تعمل وفق التعليمات والتوصيات او التوجيهات الصادرة اليها , ومن الصعب جدا محاولة اختراقها او تجاوزها لانها من الخطوط الحمراء ومن المحرمات
ومن يخالف يدخل في مصير مجهول . لكن مع هذه الموانع والعوائق , كانت تتداول اخبار وفضائح ممارسات ازلام النظام بالفساد المالي التي تزكم الانوف يجري تداولها بسرية وحذر شديد وبخوف وقلق من المجهول , حيث كان اعوان النظام يتنافسون على الحصص والمكاسب المالية ومراكز النفوذ .. وضمن هذه الفضائح والاسرار تناقلت حكاية في اوساط واسعة , وهي تدل على مقياس وحجم الفساد في ذلك الوقت . تقول الحكاية او الخبر السري , بان وزارة الصحة
قررت العمل على تطوير وتحديث مستوى التقنيات والمعدات والاجهزة الطبية الحديثة والمتطورة وجلبها الى المستشفيات الحكومية من اجل تلبية حاجات المواطن وتخفيف معاناته من الامراض , وبالفعل تم التعاقد على شراء هذه المعدات ووضعت في مخازن خاصة من اجل الاستعدادات الازمة وتدريب الطاقم الطبي والكادر الفني على كيفية استخدامها , ومرت سنوات عديدة وهذه المعدات الطبية محفوظة في صناديقها ولم تفتح بعد , ولكن بعد فترة قررت وزارة الصحة
بان هذه البضائع غير صالحة للاستعمال , رغم انها لم تجرب بعد واعتبرت من النفايات يجب التخلص منها حفاظا على صحة المواطن , ولكن اتضح فيما بعد بان هذه البضائع غير صالحة للاستخدام بيعت حسب صفقة سرية الى المستشفيات الاهلية . هذه احدى صور طاعون الفساد المنتشر في الحقبة المظلمة .. وحين جاء العهد الجديد واستبشر غالبية الشعب خيرا , بانه سيكون مختلفا تماما في اسلوب التعامل مع ثروات الشعب وسيكون عنوان النزاهة والصدق والايمان بمصالح الوطن وستكون من اولى المعايير في التقييم  بمقياس العمل السياسي والمهني .. لكن الواقع الحالي ينفي ويبطل هذه النظرية والتمنيات , اذ استمرت جراثيم الفساد المالي تنخر في الكيان العراقي بمختلف الطرق الماكرة والحيل في النهب والاختلاس وجمع المال الحرام , ومثال واحد من الامثلة التي لا تعد ولا تحصى , وزارة الكهرباء قررت شراء معدات واجهزة ومولدات لتوليد الطاقة الكهربائية بمبلغ ( 5 ) مليار دولار لتخفيف من حدة الازمة الكهرباء الخانقة التي يعاني ويكابد منها المواطن وخاصة في فصول الصيف اللاهبة . جاءت هذه المعدات والمولدات الكهربائية وتركت في مخازن خاصة دون ان يبدأ العمل بها او تجريبها حتى يرى المواطن نعمة النور . لكن وزارة الكهرباء بعد فترة من الزمن اعتبرت هذه المواد التي قيمتها ( 5 ) مليار دولار مواد تالفة غير صالحة للاستعمال . مر الخبر بشكل عابر كأن مبلغ ( 5 ) مليار دولار مبلغ تافه لا يساوي شيء , ولم يتحرى احد المسؤولين او الجهات المعنية او البرلمان ويتقصي الحقائق ويجري تحقيق كيف تحولت هذه الموادالتي قيمتها 5 مليار دولار الى بضاعة عديمة النفع دون ان تفتح صناديقها او تجرب ولو لمرة واحدة ,اي تحولت بقدرة
القادر او بعصا الساحر مواد تالفة يجب رميها في مقالع النفايات حفاظا على صحة المواطن . ولماذا تاخرت لفترة دون تشغيلها؟!! وخاصة ازمة الكهرباء تكوي بنارها المواطن المسكين . وهل هذه المواد حقا سعرها 5 مليار دولار ام ان هناك طلاسم واسرار في السعر ؟!! وهل هذه النفايات التي هي عديمة الاستعمال ستباع لاحقا الى شركات اهلية باعتبارها صالحة للاستعمال ؟ !! انها فضيحة من الوزن الثقيل في عراقنا اليوم ويجب على الحكومة والبرلمان ان يكشف خيوط اللعبة ويفضح الاساليب الماكرة لقطط السمان الذين يتاجرون بمعاناة المواطن من اجل النهب واللغف وسرقة المال العام . ان هؤلاء السماسرة التي امتلئت جيوبهم وحساباتهم المصرفية التي بلغت ارقام خيالية .. انها ضحك على الذقون وهي واحدة من صور اخطبوط الفساد التي تذكرنا بالحقبة المظلمة .. الله يحفظك ياعراق من شرور الفاسدين .