خُلق محسن الغراوي من أجل المسرح ، كل حركة من هذا الفنان الدؤوب تؤدي الى المسرح ، كلُّ خطٍ وكلُّ مسارٍ في حياته الخاصة والعامة لا بد أن تكون باتجاه خشبة المسرح، ما التقيت هذا الكبير في جلسة أو في مجلس خاص أو عام الا وكان حديثه عن ((فن المسرح))، حديث الوعي والتجربة الغنية المتواصلة، تجربة حصّنها بالدرس الأكاديمي واستمرارية القراءة والحوار المفتوح عن فن حسم أمره بالانتماء اليه وما عداه يعود إليه أيضاً، منذ أن التقيناه على خشبة المسرح القومي وهو يقدم براءة اختراعه في عرض مسرحية ((باب الفتوح)) للمؤلف المصري علي سالم الذي قدم فيه شهادة هذه البراءة.. وكان عرضاً مبتكراً حديثاً.. جديداً، بل اكاد أن أقول عنه عرضاً مفاجئا لنا نحن جمهور هذا العرض من متخصصين وطلاب علم ومثقفين وادباء بالاضافة الى الجمهور العام، كان ذلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، واستمر جهد المخرج الغراوي في كافة اعماله التي قدَّمها من جادة وكوميدية حتى عمله المتميز الأخير (الحريق) الذي استطاع أن يخلخل ويتصرف بالطراز وتراكمه التأريخي منذ استقرار أسس ومواصفات الكلاسيكية الحديثة أو النهج الشكسبيري في تقديم ما يمكن تسميته بـ ( الطراز الشكسبيري) في تصميم الحركة وطبيعة الالقاء وطريقة دفع الاحاسيس والانفعالات في تقديم نتائج العرض بالإضافة الى رصد العمل على مساحات الخشبة والخطوط التي يتم رسمها على هذه المساحة أو تلك ، مع ملاحظة مكامن التأكيد أو الفعل العضوي للكتل والتكوينات سواء بالجسد أو بعلاقة هذا الجسد مع بقية تصميمات الديكور وتوزيع بقع الضوء ودرجة ضخ الكمية الملائمة من الضوء مع اللون.. في هذا العرض تلاحظ كيف يعمل الغراوي وكيف يوزع اهتمامه.. رغم التباين في صياغة العرض المسرحي لهذا الفنان الا أنك تستطيع أن تعي إن للغراوي لونه الخاص في إنشاء عروضه المسرحية مع ملاحظة هذا التوزيع بين الحرفية العالية بحكم تجربته الطويلة والمستمرة من جهة مع استناده الى جدار متين وعلى أرض صلدة من متابعة الدرس النابع من متابعة نظرية محسوبة ، لقد تابعت أعمال الفنان محسن الغراوي مع متابعتي لجهده النظري في كل ما كتبه من دراسات وبحوث علمية مستنتجاً هذا (التوازن الخلاق) بين ما هو تقني –حرفي- نظري في تقديم إنشائية متميزة في صناعة العرض المسرحي بالاضافة الى القدرة والحيوية في التصرف المحسوب في ما هو ثابت (الطراز) مع حيوية في تقديم إيقاع متنوع يستطيع المخرج فيه أن يمسك بجمهوره الذي يقدره حق قدره.