18 ديسمبر، 2024 7:22 م

بزوغ نظام شرق أوسطي جديد بقيادة سورية ومصر والسعودية

بزوغ نظام شرق أوسطي جديد بقيادة سورية ومصر والسعودية

تبدو المنطقة محاطة بما يشبه بـ ” تحالف إقليمي ” يجعل من إمكانية حدوث تغييرات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة لتكون صداً في وجه الإختراق الغربي-الأميركي للمنطقة، لطالما كانت دمشق والقاهرة والرياض صمام الأمان للوضع العربى، حامين ومدافعين عن القرار العربي في المحافل الدولية ، فإذا اجتمعت سورية ومصر والسعودية على قرار واحد نلاحظ أنه يصبح توجه العالم العربى. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف يؤثر التقارب بين سورية ومصر والسعودية على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وما هي دوافع التقارب لدى كلا الأطراف؟

تعتبر العلاقات السورية المصرية السعودية هي الأساس في بناء النظام العربي الجديد، كما أن المثلث العربي (دمشق والقاهرة والرياض) ينطلق من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة أي أطماع إقليمية أو دولية وإعادة صياغة النظام العربي والتعامل الجاد والسريع مع تحولات النظام العالمي، وخاصة بعد نجاح كل من سورية ومصر في ضرب المخطط الغربي لتقسيمهما.

 

ولا شك إن غياب هذا المثلث التضامني (سورية ومصر والسعودية) قد ترك بصمات واضحة على مجمل الحالة العربية التي هي بالأساس تعاني ضعفاً مزرياً، وتفككاً قل نظيره في وقت تلتحم فيه الأمم الأخرى، وتتجمع رغم ما بينها من تفاوت، وأهم الإشكاليات التي ولّدها غياب مثل هذا المثلث ذوبان الحد الأدنى من تنسيق المواقف العربية، وتلاشي سقف الثوابت العربية في مواجهة الأخطار المحدقة، سواء من الداخل الإقليمي أو من الخارج الدولي.

 

وفي سياق متصل إن إعادة المثلث العربي للفاعلية قد تستغرق بعضاً من الوقت، وقد نجد الكثير من العراقيل أمام إنطلاقه، ولكن ما زال الأمل يداعبنا في أن تتغلب إمكانيات التوافق والإلتقاء على العراقيل والصعاب، كي يعود على الأقل هذا الحد المتواضع من التنسيق العربي -العربي بدلاً من إرتماء كل طرف في أحضان مشاريع خارجية تذبح على مسالخها المصالح العربية، وخاصة بعد أن أعلنت المملكة السعودية إن غياب سورية عن أشقائها قد طال، وحان الوقت الى عودتها إليهم، وإلى محيطها العربي، وأن تطوي الدول صفحة الخلاف لمعالجة الأزمة السورية ، وعلى خط مواز، هناك دعوات سعودية تتصاعد لاسترجاع سورية مقعدها بالجامعة، كما كانت السعودية من بين أول الدول التي أعلنت دعمها لخريطة الطريق التي أعلنتها السلطات المصرية بعد عزل مرسي، ولعبت الرياض دوراً كبيراً في توفير الدعم المالي والإقتصاد للقاهرة.

 

وفي إطار ذلك سعت السعودية إلى ترجمة رفضها للسياسات الغربية، من خلال إعادة ترتيبها للأوضاع في المنطقة، على نحو يخدم مصالحها، ودول الخليج، من خلال التوجه إلى تأسيس تحالفات إقليمية مرنة، بإعتبارها الدولة المؤثرة في إعادة تشكل المنطقة، وممارسة مزيد من النفوذ في القضايا التي تهمها، وعلى نحو يوفر بديلاً للترتيبات الغربية للبلاد.

 

إن عودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية بين هذه الدول في منطقة الشرق الأوسط وهما سورية مصر والسعودية بكل تأكيد يخدم مصالح الدول الثلاث، وينعكس إيجابيا بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، كون لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.

 

في السياق ذاته إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق والدول العربية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.

 

مجملاً… إن سورية ومصر والسعودية في مرحلة بناء استراتيجية جديدة في المنطقة، وأن كلا منهما يحتاج الآخر، إذ تهتم السعودية ومصر بتحسين علاقاتهما مع سورية لأن دمشق لها دور كبير في المنطقة، إضافة إلى أن سياسة سورية في المجال الدولي الآن تتجاوب مع المصالح المصرية والسعودية، وأن الهدف من تقوية العلاقات السورية المصرية السعودية مهم لإحداث توازن في العلاقات الدولية، فضلاً عن أن قوة العلاقة بين سورية ومصر والسعودية يعطى لأمريكا رسالة قوية بأن سورية لديها علاقة متنوعة مع الدول الكبرى والمؤثرة، على أية حال ربما يسهم إنتصار السياسة الخارجية الجديدة لهذه الدول إنبثاق عالم عربي جديد، وأن المرحلة الحاسمة لا بد بأنها قادمة ويبقى الخلاف حول توقيت تلك اللحظة.

 

وهنا يمكنني القول إن إعادة مثلث ” سورية ومصر والسعودية” وهو مثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للأطراف الثلاثة، فهي أطراف تتكامل فيما بينها، والتنسيق بينهما داخل مثلث إقليمي سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن بعد سقوط العراق إلى جانب أنه سيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، ومنطلقاً للتأسيس لحال من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً، وأخيراً ارى إنه آن الأوان لنتعاون مع باقى قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا نحو الأفضل.

 

وأختم مقالي: تظل سورية ومصر والسعودية الرقم الصحيح في المعادلات السياسية بالمنطقة، فمكانتهما الجغرافية والتاريخية وثقلهما السياسي جعلهما رمانة ميزان التفاعلات الإقليمية وركائز الأمن القومي العربي وذراع الاستقرار، والتي تحدد بدورهما جانبا كبيرا من ملامح التفاعلات الدولية .

[email protected]