التطورات المثيرة والمتسارعة في العراق، والتي تحمل مخاطر لاتهدد أمن وسلام العراق، بل المنطقة بأكملها ، ربما شكلت (مفاجئات) غير سارة للادارة الامريكية منذ ان إنسحب الامريكيون من العراق في عام 2010.وهناك من يقول ان الادارة الامريكية ربما اقتنعت أخيرا بخطأ هذا الانسحاب من العراق،وعدته (خطوة غير موفقة) لم تكن تتوقع ان يصل بعدها هذا البلد الى هذا الحد من الاحتراب والانقسام والتشرذم والفوضى والانفلات،حتى بين القوى السياسية نفسها التي كانت هي من تحكم قبضة السلطة في العراق، لكنها اكتشفت هي نفسها ربما انه لو أنهم أبقوا ألأمريكان في العراق لكان لهم أجدى، ولحفظوا ماء وجوههم على الأقل امام موجة السخط الشعبي التي اجتاحت بلدهم،بعد سلسلة من النكسات والهزات العنيفة التي أصيب بها الجسد العراقي بدءا من احتلال داعش لاربع محافظات عراقية والفساد الذي بلغ مديات مرعبة، والصراع المحتدم بين اركان السلطة ورموزها العليا ، قد أوصلت البلد الى حالة من (اليأس المطبق) من إمكان اصلاح الحال، وتفاقمت حالات الصراع والانشقاقات حتى وصلت بينهم حد (كسر العظم) كما يقال!!وبالرغم من ان كثيرا من العراقيين لهم ماض مأساوي مع حكم الامريكيين لبلدهم طيلة فترة احتلالهم له منذ عام 2003 وحتى الان، وهم كانوا سبب كل (البلاوي) و (المصائب) التي نزلت على رؤوس العراقيين ، الا ان كثيرين منهم بالمقابل ربما راح يتمنى لو ان الامريكيين عادوا مجددا الى حكم العراق، على شاكلة حكم بريمر، الذي وضع حدا لكل من يريد أن (يلعب بذيله) على هواه ليظهر في الساحة على انه (القائد الضرورة) الذي ينبغي على الامريكان ان يحسبوا له الحساب، ليكون على رأس السلطة وفي قمة هرمها ، سواء قبل فترة انسحاب الامريكان من العراق عام 2010 او بعدها، وحاول كثير من أقطاب الزعامات العراقية ان يعطي (تطمينات) للأمريكيين انه قادر على حكم العراق واقامة بنيان لدولة تحترم حقوق الانسان، وقبل كل ذلك ( تقدم قرابين الطاعة والولاء للأمريكان) وان يكونوا (البديل) الذي يحقق لهم قدرا من الاستقرار والأمن في العراق ، ويسير بالبلد من تلك الحالة المتردية الى الحالة الأفضل!!كان الامريكيون مدركين ان كل (تطمينات) هذه الزعامات بعد انسحابهم من العراق هي مجرد (أوهام) وانهم هم سيدعون الامريكان للعودة الى العراق مجددا، إن طال الوقت أم قصر، وسواء إن كان على شاكلة حكم بريمر او بطريقة حكم قد تكون أكثر (تحضرا)، إذ ان بريمر كما كان كما يقال (يسوقهم سوق الحمير) ان اشتد الوطيس بينهم وتزايد الخلاف الى حد الاحتراب وعرف اطماع ونوايا كل واحد وقرأ افكارهم واحدا واحدا منذ أول جلسة عقدها بعد استلامه زمام السلطة على أنه (الحاكم المدني للعراق)،منذ ان طالبوه فيها برواتبهم قبل أن يسألوه عن طريقة حكم بلادهم ، فأيقن بريمر ان نهمهم للمال وطمعهم أهم بالنسبة اليهم من حكم بلادهم وقيادتها في الاتجاه الصحيح، عندها ارتاح بريمر وجلس متكئا على كرسيه يفرض عليهم أوامره ، كما قال هو في مذكراته المعروفة، وقد ادركوا جميعا ان (عصا بريمر) كانت قادرة على ان تعيدهم الى طريق الصواب!!ربما يكون السفير الامريكي الجديد في العراق (دوغلاس سيليماني) الذي لديه تجربة دبلوماسية في العراق عامي 2011 و2012 وهو الان سفير الولايات المتحدة في الكويت وقد تم ترشيحه ليكون السفير الامريكي الجديد في بغداد بدلا من السفير الحالي (ستيوارت جونز) هو (الحاكم المدني) الجديد للعراق، فقد كان اثنين من سلفه في العراق غير موفقين تماما في مناصبهم ولم يقدموا كما يبدو خدمة ترضى عنها الولايات المتحدة، وتحول العراق الى مرتع للصراعات الداخلية والاقليمية ،ولم يكن بمقدورهم ضبط اوضاع العراق، لهذا فقد وجدت الادارة الامريكية في المرشح الجديد،( دوغلاس سيليمان ) على انه لديه خبرة متمرسة في اوضاع العراق ، وحصل على شهادات خبرة ومكافئة على خدمات جليلة قدمها لبلده في سنوات سابقة، ويمكن أن يكون على شاكلة (بول بريمر) الحاكم المدني السابق للعراق، إذ ان السفير الامريكي الجديد في العراق يجيد اللغة العربية بالاضافة الى الفرنسية ولغته الان الانكليزية، ولديه (خبرات) في التعامل مع الملف العراقي والزعامات العراقية .كيف تفكر..وكيف يرخي العص ومتى يرفعها بوجه من يريد ان يلعب بذيله، سواء مع قيادات محلية او اطراف اقليمية تتحكم في مسارات الوضع العراقي، وراحت تخلق لها جيوشا داخل العراق تتمترس خلفها، لتظهر على انها (المسيطرة) وان لها (الغلبة) وانه ليس بمقدور أحد (تجاهل) دورها بالرغم من ان الأمريكيين لايشترون كثيرا من هؤلاء بـ (زبانة) كما يقال في المثل العراقي وان مسؤولا كبيرا مثل (سيليمان) لديه خبرة محنكة بادارة الملف العراقي، وعمل في العراق أكثر من ثلاث سنوات بمناصب مختلفة اخرها نائب السفير،وفي عهد تنشغل الولايات المتحدة بنتائج انتخابات رئاسة بلادها، ولم يتم معرفة من سيكون الفائز بمنصب رئاسة البيت الابيض، فأنها تريد ان تحسب للوضع العراقي الف حساب قبل ان يخرج عن سيطرتها وتتحول اوضاع البلاد المتأزمة الى مالا يحمد عقباه، وان ما تعلنه الولايات المتحدة من (تأييد) للعبادي ليس حبا بالرجل ولكن لأنها تريد التخلص من (أنياب كاسرة) تراقب تطورات المشهد السياسي المنفلت لتنقض على السلطة، من خلال (مسرحيات سياسية) وتبريرات لم يعد يصدقها الامريكيون او انهم تعودوا على سماعها، لكنهم لن يتجاهلوها كلية هذه المرة ، لأن فيها (مخاطر) حقيقية ، لابد وان تأخذ الادارة الامريكية لتحركات من هذا النوع على محمل الجد وتوليها أقصى اهتمام ، وهي تأمل من دبلوماسييها الجدد والحاليين في العراق أن يكونوا على يقضة تامة، قبل ان تقع الفاس في الرأس، وتندفع دول اقليمية أو (جماعات مسلحة) مختلفة المشارب والتوجهات في محاولات (تهور) و( إنفلات) لتسك بالوضع العراقي على هواها ،بعد ان ظهرت الان على الساحة تستعرض عضلاتها، لتمسك بزمام السلطة في العراق وتحاول فرض إرادتها على الجميع، وهو مما لا يسمح به الأمريكيون في كل الأحوال، ويعدون محاولات من هذا النوع (خطا أحمر) لاينبغي تجاوزه بأي حال من الأحوال!!هذه بإختصار ملامح مرحلة مقبلة اردنا توضيح بعض سماتها قبل مجيء (بريمر) حاكما جديدا للعراق، ونقصد به (الترتيب الأمريكي) المرتقب للعراق، أما قضية الديمقراطية ونتاائج الانتخابات في العراق،فهي لاتسوي عند الامريكيين (قشرة بصل) اذا ما تدهورت اوضاع العراق، واصبح السيطرة على مخزونه النفطي ومجاله الحيوي خارج الحسابات الامريكية او تجاوزا عليها، وما عدا ذلك، فأنها (تسمح) بقدر معقول لزعامات تنسق معها لكي تشاركها حكم العراق، وهي من ترسم لهم الادوار وهم من يستأذنونها في كل خطوة قبل ان يقدموا على تطبيقها، وهم ، أي الامريكيون، يريدون عراقا آمنا مستقرا بعض الشيء ولا يسبب (متاعب) لا للأمريكيين ولا لدول المنطقة ،أما ان يفكر كائن من كان انه سيكون (القائد الضرورة) أو (الزعيم الأوحد) للعراق ، فهذا حلم بعيد المنال وربما يكون أبعد اليهم من منال الشمس!!