17 نوفمبر، 2024 12:47 م
Search
Close this search box.

برنامج التعاون الشامل بين الصين وايران مهم تكتيكيا مؤثر استراتيجيا، لو نفذ

برنامج التعاون الشامل بين الصين وايران مهم تكتيكيا مؤثر استراتيجيا، لو نفذ

وقعت الصين وايران وثيقة البرنامج اعلاه قبل ايام، وبعد الاطلاع على نص الوثيقة ومتابعة ردود الافعال عليها قمت باعداد هذه المداخلة. من منظور اساسيات الاقتصاد السياسي للعلاقات الثنائية الدولية والاعتبارات الجيوسياسية على المستويات الاقليمية والقارية والدولية يمكن القول ان برنامج التعاون الشامل قيد البحث يحمل في طياته اهمية تكتيكية فائقة وستترتب عنه نتائج استراتيجية مؤثرة ذات مديات بعيدة الامد في حالة تنفيذه بشكل متناسق ومتزامن ووفق اولويات مدروسة بعناية؛ اي ان ما يهم في المحصلة النهائية هي نوعية التنفيذ وبرمجته الزمنية.

احاول في هذه المداخلة تقديم تقييم اولي تفصيلي لهذا البرنامج المهم مستخدما منهجية مركبة تعتمد على ثلاثة اساليب تحليلية موضوعية: الاول هو تحليل النص وذلك لان الامر يتعلق بوثيقة سيادية ثنائية الطابع دولية الاطار، والثاني تجنب احادية المنظور وذلك بتبني رباعية التقييم-سكور SCOR*، والثالث الاستناد الى الوقائع والشواهد التي يمكن التاكد منها بدلا من الطروحات المشاعرية والعمومية، مع او ضد هذا الحدث المهم.

تم الاعتماد على الترجمة العربية التي اعدها احد المراكز في لبنان ** وان النصوص المحصورة بين “” مأخوذة كما وردت في ترجمة الوثيقة.

تتكون هذه المداخلة من ثلاثة اجزاء: يقدم الاول موجزا لهيكلية وثيقة البرنامج وموادها وملاحقها والاطار الزمني لسريان مفعول برنامج الـتعاون؛ الثاني يشكل جوهر هذه المداخلة ويتضمن التقييم الاولي التفصيلي للبرنامج من خلال تحليل ثمانية مواضيع اساسية للبرنامج وملاحقه الثلاثة. ويتناول الثالث الاعتبارات التي حددت توقيت توقيع وثيقة البرنامج وردود الافعال على ذلك في كل من العراق والولايات المتحدة ودول الخليج وروسيا، وتختتم هذه المداخلة ببعض الملاحظات.

اولا: هيكلية وثيقة البرنامج وفترته الزمنية

تتكون وثيقة “برنامج التعاون الشامل” من مدخل وتسع مواد وثلاثة ملاحق. المادة الاولى: الافاق؛ الثانية: المأمورية (المهام)؛ الثالثة: الاهداف (وقد تناولها بالتفصيل الملحق (1))؛ الرابعة: مجالات التعاون (كما فصلت في الملحق(2))؛ الخامسة: الاجراءات التنفيذية (وقد تناولها بالتفصيل الملحق (3))؛ السادسة: الإشراف والتنفيذ؛ السابعة: التعاون في دولة ثالثة؛ الثامنة: إنكار الضغوط الخارجية؛ التاسعة: الاحكام الختامية.

تم توقيع وثيقة البرنامج يوم 27 آذار 2021 في طهران من قبل وزراء خارجية البلدين نيابة عن حكومتيهما في ثلاث نسخ باللغات الفارسية والصينية والانكليزية، وتسود النسخة الانكليزية في حالة وجود الاختلاف في تفسير النص. وقد عهدت مهمة متابعة تنفيذ البرنامج الى وزارتي الخارجية لكلا البلدين. يدخل البرنامج حيز التنفيذ من تاريخ توقيعه ويبقى ساري المفعول لمدة 25 سنة.

يعود هذا البرنامج الى الاعلان بشأن إقامة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصادر في كانون ثاني 2016 ومصادقة مجلس الوزراء الايراني، في 21 حزيران 2020، على “الصيغة النهائية” للبرنامج.

ثانيا: تحليل اهم المكونات الاساسية للبرنامج

باستخدام المنهجية المركبة المذكورة اعلاه تم تحليل وتقييم وثيقة البرنامج من منطلقات الاقتصاد السياسي للعلاقات الثنائية والاعتبارات الجيوسياسية.

تتعلق منطلقات الاقتصاد السياسي بالقضايا الاساسية التالية: الاولى، طبيعة العلاقات الثنائية من ناحية الاستقلالية السيادية او التبعية والهيمنة؛ الثانية، مبدأ المنافع المتبادلة من ناحية التكافؤ والتعادل؛ الثالثة، هيكلة الاقتصاد الايراني من ناحية ترسيخ الاعتماد على تصدير المواد الخام، النفط والغاز، او استحداث التغييرات الهيكلية المطلوبة افقيا وعموديا على المستويات المادية والبشرية/المعرفية والمؤسسية؛ الرابعة، المسائل التمويلية والنقدية من نواحي انماط واشكال التمويل وشروطه والعملات المعتمدة في تمويل الاستثمارات والتبادل التجاري.

اما الاعتبارات الجيوسياسية فسيتم تناولها على اربعة مستويات ابتداء من الداخلية (الوطنية) والقارية (الاسيوية) والاقليمية (غرب اسيا/الشرق الاوسط) والدولية.

على ضوء ما تقدم يتلخص التقييم الاولي لوثيقة البرنامج بما يلي مع التاكيد على ان هذا التقييم عرضة للمراجعة في حالة توفر مؤشرات وبيانات ومعلومات تتعلق بمضامين البرنامج، وخاصة ذات الطبيعة الكمية، او المتغيرات الظرفية والجيوسياسية.

1- يربط البرنامج الماضي بالحاضر لتحقيق طموحات مستقبلية؛ وهو بذلك يؤسس مشروعية حضارية تاريخية لتشكل قوة معنوية للبرنامج. حيث ورد في البرنامج ان كلا البلدين يمثلان “حضارة اسيوية قديمة” وان “هذه الوثيقة هي فصل جديد في مجال العلاقات بين الحضارتين الاسيويتين العظيمتين،…، والخطوة الفعالة لتحقيق الارادة المشتركة للقادة … في مختلف المجالات في اطار مبادرة “طريق الحزام” او “الحزام والطريق”” كما يشار اليها في الوثيقة ايضا.

ان هذا التاكيد على البعد الحضاري والتاريخي الذي يمتد لألاف السنين يحمل في طياته رسالة قوية عن مدى جدية وعزم البلدين على تنفيذ البرنامج لتعزيز التواصل الحضاري بينهما.

قد يكون لهذا الربط الحضاري التاريخي اهداف داخلية، في كلا البلدين، لدعم البرنامج في كافة مستويات اتخاذ القرار والتنفيذ وخاصة من خلال التاكيد على “الاعتراف بالقواسم المشتركة الثقافية، والتعددية، ودعم حق الشعوب في التمتع بالسيادة والمساوات ونموذج التنمية الخاص به”، وخارجية للتذكير بأهمية العمق التاريخي والتقارب الجغرافي للعلاقة بين البلدين وما يترتب على ذلك جيوسياسيا خلال العقود القادمة.

لا شك ان ما تقدم يؤكد على ويشير الى علاقات ثنائية سيادية متكافئة تحترم خصوصية كلا الدولتين ولذلك لا يمكن ان تشكل او تقود الى علاقات تبعية او هيمنة.

2- يؤكد البرنامج على “يعتبر كل منهما الآخر شريكا استراتيجيا مهما له” وعلى اساس ” المصالح المتبادلة والربح المتساوي”.

يشكل هذا التأكيد على مبدئين مهمين جدا من منظور الاقتصاد السياسي في العلاقات الثنائية وما سيترتب عليهما من تاثير في مجمل العلاقات الدولية. المبدأ الاول هو اقرار تعادل الاهمية الاستراتيجية لكلا الشريكين / البلدين في تنفيذ البرنامج ؛ والمبدأ الثاني هو الانتقال من مفهوم المنافع المتبادلة الى مفهوم المنافع المتبادلة المتكافئة- المتساوية. وهذا التاكيد على تكافؤ وتساوي المنافع يمثل تطورا مهما للغاية حيث يمكن ان تكون المنافع المتبادلة غير متكافئة غير متساوية وربما استغلالية. وبما ان هذه البرنامج معني اساسا بمبادرة “طريق الحزام” فيفترض، بل يجب، الالتزام بمفهوم ومبدا المنافع المتبادلة المتكافئة- المتساوية مع جميع الدول التي ترتبط بشكل مباشر بهذه المبادرة وخاصة تلك التي ورد ذكرها في الوثيقة، على الرغم من ان تلك الدول لا تحمل صفة الشريك الاستراتيجي. وفي حالة توسيع شمولية مفهوم ومبدأ المنافع المتبادلة المتكافئة- المتساوية على الامتداد الجغرافي لمسار “طريق الحزام” من الصين الى سوريا فان ذلك يساهم بدون شك في انتقال تأثير وتطبيق هذا المبدأ من الاطار الثنائي – الصيني الايراني- الى الاطار القاري من الصين الى غرب اسيا- شرق المتوسط؛ وهذه مزية جيوسياسية فائقة القيمة والقوة والتاثير…ان تحققت.

3- شمولية البرنامج. تؤشر مكونات الملاحق الثلاثة الى شمولية البرنامج بكل ما في هذه الكلمة من معنى. فقد تمت الاشارة الى جميع القطاعات الانتاجية (الاقتصاد الحقيقي) والخدمية والاجتماعية والنشاطات الدينية والترفيهية والسياحية والنشاطات المعرفية المدنية والعسكرية والامنية والفضائية ومشاريع البنى التحتية في معظم المرافق الايرانية في البر والبحر. كما تم التاكيد على الجانب المعرفي والبحث والتطوير التكنولوجي المتقدم وتنمية الطاقات البشرية والمؤسسية في معظم قطاعات الاقتصاد الايراني.

وقد تضمن الملحق (2) قوائم تخص “اهم العناوين” للبرنامج وهي: “مجال النفط والطاقة”، “المشاركة الفعالة في الحزام والطريق”، “تطوير شواطئ مكران”، “التعاون في مجال التكنولوجيا والاتصالات السلكية واللاسلكية”، “مجالات التعاون المالي والاقتصادي والتجاري”، “التعاون العسكري والدفاعي والامني الثنائي”، “التعاون السياسي”.

بلا شك تعكس هذه الشمولية مدى اهمية البرنامج وتاثيره الفاعل والكبير في خلق فرص عديدة للغاية تنقل الاقتصاد الايراني الى مراحل تنموية متقدمة ومستدامة. كذلك تعكس هذه الشمولية الموقع الاستراتيجي والدور المركزي لإيران في مبادرة الحزام والطريق.

ولكن وفي نفس الوقت تشكل هكذا شمولية تحديات جدية جمة وعديدة قد تعرقل تنفيذ البرنامج مما يتطلب وجود ادارة مقتدرة كفوءه ومتواصلة لضمان حسن التنفيذ وفق اطر الكلفة والكفاءة والجداول الزمنية. كذلك وبسبب التباين النوعي الواضح بين مئات النشاطات التي ترتبط بالبرنامج والاطراف المعنية مباشرة بكل منها فان الانتقال الى المراحل التنفيذية يتطلب اعداد مختلف انواع العقود وشروطها واطرها الحاكمة؛ هذا يستلزم تحديد المستويات المركزية واللامركزية ودور ومسؤولية كل منها في تنفيذ البرنامج.

صحيح ان البرنامج دخل حيز التنفيذ من تاريخ توقيعه مما يعني استكمال كل الموافقات السيادية في كلا البلدين على وثيقة البرنامج قبل توقيعه؛ ولكن ليس واضحا من الوثيقة هل تحتاج العقود والاجراءات التنفيذية الاخرى الى موافقات سيادية لاحقة ام لا، وما يترتب على ذلك من تبعات مهمة للغاية لتفعيل الاجراءات التنفيذية؛

4- جوانب وأطر تمويل البرنامج. يتطلب تنفيذ برنامج بهذه الضخامة والتنوع تمويلا مماثلا في الضخامة وتعدد مصادر وآليات تمويله. فقد ذكرت وثيقة البرنامج “صندوق طريق الحرير”، و “برنامج التمويل” لإزالة العقبات امام التعاون الثنائي، و “تشجيع الاستثمار وتمويل مشاريع” في مجال الطاقة والنقل والبنى التحتية وغيرها، و “مشاركة شركات الاستثمار الصينية”، و “مؤسسات الائتمان الصينية”، “تمويل مشاريع البنية التحتية والتبادلات التجارية من خلال توفير خطوط الائتمان”، و “تعميق التعاون التمويلي” و “انشاء صندوق الاستثمار المشترك” و “انشاء الصناديق المالية المشتركة في مجال التعاون العلمي والتكنولوجي” و “البنك الاسيوي للاستثمار” و “الاستثمار لإنشاء التبادل الدولي للمناطق الحرة لإيران والتعاون في إنشاء منطقة حرة مشتركة عابرة للحدود في الدول الاخرى” و”انشاء صندوق مشترك لمنح إئتمانات التصدير” و”المشاريع الاستثمارية” في مجال التكنولوجيا والصناعة الدفاعية، و “الاستثمار في مجال المصافي الصغيرة والمتوسطة في شرق وغرب وجنوب ايران لتصدير منتجاتها الى دول الجوار” وغيرها من العديد من الاستثمارات في معظم النشاطات والبنى التحتية مثل “انشاء المجمعات التقنية المشتركة” و” انشاء مراكز تبادل بيانات الانترنت الدولية وخطوط نقل البيانات الولية” و “الانتاج المشترك للمعدات الطبية المتطورة” في ايران، و”الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة” و”الاستثمار في خطوط المترو” و” الاستثمار في الصناعات التعدينية والمعدنية” و الاستثمار في مختلف مجالات القطاعات الزراعي والصحي والسياحي.

يتضح مما مورد اعلاه ومن القوائم الطويلة التي تضمنتها الملاحق الثلاثة للبرنامج مجالات الاستثمار العديدة من جهة وتباين انماطها من جهة ثانية وتعدد الاليات التمويلية ومصادرها من جهة ثالثة.

ان تاكيد توفر التمويل يشكل اهم عناصر قوة البرنامج حيث ان الاحتياطيات المالية الصينية الهائلة توفر الغطاء الكافي الذي يؤمن عنصر اليقين المالي للبرنامج وتنفيذ الفرص العديدة التي تضمنها البرنامج.

ولكن، في الجهة المقابلة، لم تتضمن وثيقة البرنامج اية تقديرات، حتى وان كانت اولية تخمينية، عن مجموع الاستثمارات التي يتطلبها تنفيذ البرنامج او اي من مكوناته او اي مؤشر عن التوزيع الزمني او القطاعي خلال طيلة فترة سريان اتفاقية البرنامج. كذلك لم تذكر شروط توفير التمويل مثل نوعية ومستوى اسعار الفائدة وكيفية استرداد الاستثمارات وتسديد القروض واقساطها وغير ذلك من مؤشرات لا بد من توضيحها. وعليه ان عدم وضوح حجم واطر ومصادر التمويل تشكل اهم التحديات التي يتوجب على البلدين معالجتها بأسرع وقت.

من خلال متابعتي للتعقيبات التي ظهرت في مختلف وسائل الاعلام منذ توقيع وثيقة البرنامج فقد تراوحت التقديرات في تلك الوسائل بين 400 و600 مليار دولار؛ ولكنني أأكد بأنه لا يستطيع اي شخص او جهة، باستثناء القيادات العليا المرتبطة بالبرنامج في كلا البلدين، من تقديم اية تقديرات لحجم التمويل وذلك لسبب بسيط ولكنه جوهري ألا وهو ضخامة وشمولية والتباين النوعي والنطاق الجغرافي للبرنامج في ايران، كما ذكر اعلاه. ونفس الامر يسري على جميع القضايا المتعلقة بتمويل البرنامج.

يعتمد تفعيل تمويل البرنامج وبشكل كلي على النظام المصرفي، وهذا يحتم ، في ضوء السيطرة الفعلية لأمريكا على النظام المصرفي الدولي من خلال نظام سويفتBIC/SWIFT ، ان تكون العمليات المصرفية الخاصة بنشاطات البرنامج خارج سيطرة وتاثير امريكا. ولهذا الغرض يؤكد البرنامج على “التعاون المصرفي الرفيع المستوى، مع التركيز على استخدام العملات الوطنية” و”انشاء بنك صيني ايراني مشترك من خلال انشاء فروعه في البر الرئيسي ومناطق التجارة الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة بالبلدين وفقا لقوانين وانظمة الطرفين”. وبنظري لا بد ان يحتل تاسيس هذا البنك المشترك والانتهاء من جميع المتطلبات اللوجستيكية لبدء نشاطاته الاولوية القصوى لأنه من اهم المرتكزات المادية/الخدمية الاساسية لضمان استقلالية تمويل البرنامج خارج نطاق الهيمنة الامريكية على النظام المصرفي الدولي والذي يستخدم كأهم وسيلة في نظام العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الادارة الامريكية على العديد من الدول بضمها ايران والصين.

5- دور الطاقة والنفط في البرنامج. ذكرت المادة الرابعة “بعض المناطق المفضلة” وكان اولها “تشمل الطاقة، النفط الخام (الانتاج، والنقل، والتكرير وتوفير الامن)، والبتروكيماويات، والطاقة المتجددة، والطاقة النووية السلمية”. كما تضمن الملحق (2) في “مجال النفط والطاقة” اهم العناوين للبرنامج، وذكر في “المشاركة الفعالة في الحزام والطريق- التعاون الدولي” العديد من النشاطات والمبادرات المتعلقة بالطاقة في الدول الواقعة “على طريق الحرير في إطار “مبادرة “الحزام والطريق”” وخاصة في ايران مع ذكر كل من باكستان وافغانستان والعراق وسوريا. كما شمل الملحق (3) “التدابير التنفيذية- الاجراءات التنفيذية قصيرة المدى- النفط والطاقة” ما يدلل على اولوية التنفيذ في قطاع النفط والطاقة.

ونظرا لأهمية ايران كمصدر للطاقة الى الصين فقد أكد اول الاهداف الاساسية في الملحق (1) “ستكون الصين مستوردا ثابتا للنفط الخام الايراني”. اضافة الى ذلك فقد ذكر في البرنامج “توريد الغاز لباكستان والصين باستخدام الممرات الاقتصادية بين الصين وباكستان” و “الامداد المستدام للنفط الخام الى الصين” و “زيادة تصدير المنتجات البتروكيماوية الايرانية الى الصين” و”انشاء مصفاة مشتركة في الصين على اساس خصائص النفط الايراني”.

اعتقد ان بامكان ايران استثمار هذه الفرصة الى اقصى الحدود وباسرع وقت ممكن لتعمق موقع نفوطها في السوق الصينية لسببين مترابطين: الاول؛ انه نتيجة لسياسة الضغوط القصوى التي فرضتها الادارة الامريكية السابقة واستمرت بها الادارة الحالية فقد انخفض انتاج وتصدير النفط الايراني مما يعني توفر طاقة انتاجية وتصديرية فائضة يمكن تفعيلها بسهولة وبسرعة، والثاني؛ لنفس السبب اعلاه فان ايران معفاة من حدود الانتاج ضمن منظمة اوبك واتفاقات اوبك+. كذلك هناك امكانية قيام الشركات الصينية بإعادة تصدير/بيع النفط الايراني الى المصافي المتواجدة في دول شرق اسيا وبذلك يتم تلافي العقوبات الامريكي على ايران قانونيا!

ولكن بالقابل فان اية زيادة كبيرة في انتاج وصادرات النفط الايراني قد يؤثر على موازنة سوق النفط الدولية وعلى مستويات الاسعار. وقد اشار بعض المحللين الغربيين الى تزايد استيرادات الصين من النفط الايراني خلال الربع الاول من هذا العام بحيث تجاوز مليون برميل يوميا في شهر آذار؛ وهذا ساهم ،الى جانب عوامل اخرى، في تراجع اسعار النفط.

عدا ما ذكر اعلاه لم تتضمن وثيقة البرنامج اية معلومات او مؤشرات عن كميات النفط (كحد ادنى او اقصى) التي ستلتزم ايران بتصديرها وتلتزم الصين باستيرادها (ومع ذلك ذكر احد المتابعين كمية اثنين مليون برميل يوميا، وذكر آخر (كميات هائلة)!!)، ولا عن المعادلة السعرية لتلك الصادرات في ضوء نوعية النفوط الايرانية (ومع ذلك ذكر احد المتابعين اسعار تفضيلية لصالح الصين!!)، ولا عن كمية الصادرات النفطية المخصصة للمصفى المشترك ولا عن حجم وشروط والافق الزمني للاستثمارات الصينية في قطاع النفط والطاقة. ومن الجدير بالذكر ان الملحق (2) تضمن “ضمان امن الطاقة على المدى الطويل” و “جهد مشترك لإنشاء آلية للاستيراد المستدام للنفط الخام من ايران”.

كل هذه المسائل اساسية ومؤثرة وحتمية وانني على قناعة بان يتم معالجتها وتناولها بالتفصيل عند اعداد الادوات التنفيذية القانونية الملزمة كالعقود وغيرها؛ عندها تتضح الجدوى الاقتصادية والفرص المتاحة والتحديات المحتملة وكيفية معالجتها لكل مشروع على حدة.

6- التاكيد على الجوانب المعرفية وتكنولوجيا المعلومات المتقدمة. يولي البرنامج اهمية واضحة لتعميق المعرفة والمؤسسات المعنية بها وخاصة في التكنولوجيات المتقدمة وتطبيقاتها المختلفة. فقد ورد في المادة الثانية “توسيع التعاون بين الجامعات واقسام التكنولوجيا والعلوم” و”زيادة التاثير في مجالات الاقتصاد والتكنولوجي..”، كما اكدت المادة الرابعة على “التعاون ..العلمي والاكاديمي، والتكنولوجي، وتبادل الخبرات في تدريب القوى العاملة..”.

وبسبب شمولية البرنامج تضمن الملحق (1) “تطوير التكنولوجيات الجديدة بما في ذلك الطاقة النظيفة، والطاقة المتجددة، وبناء محطات الطاقة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات…” و “وضع حجر الاساس لتعاون المنظمات الفنية والهندسية في مختلف القطاعات الاقتصادية وتسهيل تصدير الخدمات الفنية والهندسية” و “التعاون في انشاء المراكز ذات التوجه الصناعي والخدماتي والتكنولوجي في الجزر والموانئ المعينة بهدف تطوير وتصدير الخدمات والسلع المشتركة الى بلدان المنطقة” و “تطوير وتعزيز التعاون العلمي والفني والقانوني والاقتصادي في مختلف مجالات الفضاء السيبراني، والاجهزة المختصة للعاملين في مجال الكمبيوتر”. كما اكد الملحق (2) فقرة “تطوير شواطئ مكران” على “التعاون في المجالات الاخرى للبيئة والصناعة والموانئ والعلوم والتكنولوجيا والمدن الذكية..”. ولكن ما ورد في فقرة “التعاون في مجال التكنولوجيا والاتصالات السلكية واللاسلكية” في الملحق المذكور يشير الى فرص عديدة ومهمة للغاية في مجالات تطبيقات المعلوماتية المتطورة.

انني ارى ان هذا التركيز على الجوانب المعرفية وتكنولوجيا المعلوماتية المتقدمة يمثل اهم المكونات النوعية للبرنامج وسيترتب عليها، في حالة تفعيلها بشكل جيد ومنظم ومتناسق، اثار تنموية وايجابية مؤثرة ومستدامة؛ لقد اثبتت تجربة دول شرق اسيا اهمية المعرفة ودور الطاقات الانسانية في تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية المؤسساتية الهيكلية.

7- القطاع العسكري والامني. لا يمكن لمثل هذا البرنامج الشامل، المرتبط مباشرة بمبادرة “طريق الحزام” ذات البعد والطبيعة القارية (الاسيوية) كجزء من نطاق المبادرة الدولي الاشمل، ان يهمل الجوانب العسكرية والامنية دفاعا عن المبادرة واطرافها.

يؤكد البرنامج في المادة الثامنة ان “يحمي الطرفان تنفيذ احكام هذه الوثيقة من الضغوط غير القانونية من قبل الاطراف الثالثة”. يجدر ملاحظة تبعات تعبير (الضغوط غير القانونية) والتي تعني ان البرنامج وما ينتج عنه او يترتب عليه منفتح على الطعون او الضغوط القانونية من الاطراف الثالثة. ولكن تبقى هوية وسيادية القانون مبهمة؛ فهل يعتمد قانون الطرف الثالث مثلا!

ولكن في الاطار الثنائي يؤكد الملحق (1) ان من الاهداف الاساسية للبرنامج “تطوير التعاون العسكري والدفاعي والامني في مجالات التعليم والبحث والصناعة الدفاعية والتعاون في القضايا الاستراتيجية”. ثم يؤكد الملحق (2) الفقرة “التعاون العسكري والدفاعي والامني الثنائي” على “التعاون الدفاعي والاستشاري في المجالات الاقليمية والدولية بما في ذلك في مجال الشؤون الاستراتيجية ومكافحة الارهاب” و “تطوير التعاون الدفاعي في مجالات التعليم، وتبادل الاساتذة والطلاب، والبحث، والتدريب، وتبادل الخبرات العسكرية والدفاعية، والتكنولوجيا وصناعة الدفاع”. واخيرا، يورد الملحق (3) في الفقرة “الجيش والدفاع والامن” العديد من “التدابير التنفيذية” المهمة التي اتفق على اعتمادها “في المدى القصير” مما يدلل على اولوية القضايا والمشاريع والنشاطات ذات الطبيعة العسكرية والامنية والدفاعية. لقد ذكر احد المعلقين ’من اجل حماية الاستثمارات الصينية في ايران، سيتمركز 5000 جندي صيني في قواعد لها في ايران’. لا يوجد في وثيقة البرنامج اي نص يتعلق بما ذكره هذا المعلق!!

8- البعد الاقليمي. بما ان هذا البرنامج مرتبط عضويا بمبادرة “طريق الحزام” فلا بد ان تكون له ابعاد اقليمية وخاصة على الدول المجاورة التي تقع على “طريق الحزام” الى ومن ايران من جهة وعلى الدول التي سيتم تصدير منتجات المشاريع التي سيتم تنفيذها في ايران. وهذا يعكس الموقع المركزي لإيران في هذا البرنامج؛ حيث ورد في المادة الرابعة تعاون الطرفين بشان “الطرق السريعة والسكك الحديدية والاتصالات البحرية بهدف تعزيز دور ايران في مبادرة الحزام والطريق”. وكما ذكر سابقا فقد ورد في البرنامج ” التعاون في انشاء المراكز ذات التوجه الصناعي والخدماتي والتكنولوجي في الجزر والموانئ المعينة بهدف تطوير وتصدير الخدمات والسلع المشتركة الى بلدان المنطقة”، و”بين ايران والدول المجاورة”. وقد تم في ملاحق البرنامج الثلاثة ذكر كل من افغانستان وتركيا واذربيجان وباكستان والعراق وسوريا.

من المرجح جدا ان يكون للبرنامج دور جيوسياسي مهم يعزز دور الصين وتموضعها الاستراتيجي في منطقة غرب اسيا وقد تلعب، نتيجة لذلك، دورا في تقرب وجهات النظر وحل المشاكل التي تعاني منها شعوب المنطقة.

ثالثا: مسألة توقيع الوثيقة: لماذا الان وردود الافعال

في العلاقات الدولية والاعتبارات الجيوسياسية المرتبطة بها يدفع توقيت توقيع البرنامج الى التفكير بما يقف وراء اختيار هذا التوقيت وهل هناك اعتبارات تكتيكية له. وبنفس الوقت فان توقيع برنامج بهذه الضخامة والشمولية والتباين النوعي والانتشار الجغرافي وما يترتب عليه من اثار ونتائج استراتيجية لابد ان تترتب عليه ردود افعال مباشرة وربما، لاحقا، اجراءات فعلية باتجاهات داعمة او معارضة او حيادية.

سأركز في موضوع التوقيت على ايران والصين فقط، اما في موضوع ردود الافعال فستشمل عديد من الدول والمتابعات التي تم الاطلاع عليه.

على قدر تعلق الامر بايران فان توقيت توقيع البرنامج قد يعود الى اسباب ومبررات عديدة- ظرفية تكتيكية.

يأتي التوقيت لإضافة البرنامج كأحد الانجازات المهمة لحكومة روحاني. وهذا الانجاز يوازن، سياسيا داخليا، الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تعتبره التيارات السياسية الايرانية المعارضة من اخطاء حكومة روحاني والتي لم تحقق لإيران نتائج فعلية كما وعد بها.

قد يربط التوقيت بالانتخابات الايرانية في شهر حزيران هذا العام والتي بدأت التحضيرات الفعلية لها تتسارع وتتكثف. وفي هذا المجال يوجد اكثر من تفسير: الاول؛ ضرورة التوقيع على البرنامج قبل الانتخابات المقبلة تجنبا لاحتمالية تاخر التوقيع في حالة خسارة تيار الحكومة الحالية تلك الانتخابات. اما التفسير الثاني فهو استخدم البرنامج كانجاز مهم لتيار الحكومة الحالية، علما انه لا يمكن، دستوريا، لرئيس الحكومة الحالية روحاني ترشيح نفس هذه المرة لأنه استنزف حقه في الرئاسة لدورتين متتاليتين. وهذا يقود الى التفسير الثالث والمتعلق باحتمالية ترشيح وزير الخارجية جواد ظريف (جفاد زريف) نفسه للرئاسة وسوف يستخدم اهمية وضرورة تنفيذ البرنامج ضمن نشاطاته الانتخابية. اي من هذه التفسيرات انما يعكس اعتبارات سياسية تكتيكية داخلية.

الى جانب الاعتبارات الداخلية فان الاعتبارات التكتيكية لأغراض خارجية لهاذا التوقيت مهمة للغاية وهي تتمحور حول تقوية الموقف التفاوضي الايراني في مفاوضات اعادة تفعيل او احياء اتفاق عام 2015 النووي من جهة وفي العلاقات المتشنجة الامريكية الايرانية في الشرق الوسط.

اما ما يتعلق بالصين فان توقيت التوقيع يعكس امرين مهمين: الاول، انه يأتي بعد عقد ثلاثة مؤتمرات دورية خلال الفترة من 4 الى 11 آذار 2021 وهي الاجتماع البرلماني السنوي، والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والمجلس الوطني لنواب الشعب؛ وهذا يعني حصول الموافقة النهائية السيادية الصينية على البرنامج. اما الثاني فهو رد على الموقف المتشنج لبايدن وادارته الجديدة في البيت الابيض بشان الصين.

تباينت وتعددت ردود الافعال على توقيع البرنامج نوجز فيما يلي اهمها مع التركيز على منطقتنا العربية او غرب اسيا/شرق المتوسط.

العراق: بعد ان انكر، وبخشونة، رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي في مؤتمر صحفي بتاريخ 18 تشرين ثاني /نوفمبر 2020 وجود اتفاقية عراقية صينية بالقول ’تعرفون انه ليس هناك اتفاقية صينية، لماذا تروجون هذه الاكاذيب؟’، عاد ليوصي، بتاريخ 30 آذار – اي بعد ثلاثة ايام فقط من توقيع البرنامج بين ايران والصين، ’بالشروع في تنفيذ الاتفاقية الصينية’!! وفي الوقت الذي لا اجد فيه ضرورة، الان، لمناقشة ما تم بين العراق والصين منذ حكومة حيدر العبادي، اجد من المفيد التذكر بتصريح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، د. مظهر محمد صالح، في 29 آذار 2021 ان ’الاتفاقية العراقية الصينية’ اصبحت سارية المفعول في 18 تشرين الاول/اكتوبر 2020 ثم عاد ليؤكد ’اتفاق اطار التعاون …والموقعة ملاحقه الحسابية والنفطية بشكل نهائي بتاريخ 23 ايلول 2019’. فلماذا لم تنشر لغاية هذا اليوم اية وثيقة رسمية عن هذه الاتفاقية/اتفاق اطار التعاون ولا اي من ملاحقها او مذكرات التعاون او التفاهم المتعلقة بها!!؟؟

ولكن توجد وثيقة في وزارة المالية بعنوان (اتفاقية اطارية بين المؤسسة الصينية للصادرات وتامين الاعتمادات ووزارة المالية العراقية) يعود تاريخها الى 11 ايار 2018 (اي قبل تاريخ الاتفاقية التى وقعها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي) !!!! علما ان مشروع قانون موازنة عام 2021 تضمن بعض مشاريع البنى التحتية بمبلغ 1.803 بليون دولار تمول بموجب تلك الاتفاقية الاطارية دون الاشارة ان كان هذا التمويل بموجب الاتفاقية الاطارية لعام 2018 او لاتفاقية اطارية جديدة لم تنشر رسميا من قبل وزارة المالية؛ فان كان التمويل بموجب الاتفاقية القديمة فان الاتفاقية الجديدة لم تفعّل لتمويل المشاريع المذكورة في موازنة 2021 التي اقرت مؤخرا!!!.

المهم ان البرنامج الصيني الايراني قد ساهم في تحريك المياه الراكدة للاتفاقية (او مذكرات التفاهم) العراقية الصينية.

ولكن بالمقابل قام رئيس الوزراء العراقي بزيارات سريعة الى السعودية والامارات مباشرة بعد توقيع البرنامج الصيني الايراني؛ فهل توجد علاقة بين الحدثين؟ ستكشف لنا الايام حقيقة ذلك!!!!

 

الولايات المتحدة الامريكية: ردود افعال الادارة الامريكية على توقيع هذا البرنامج مهمة ومعقدة للغاية ومن المؤكد انها تأخذ اشكال عديدة وضمن اطار زمني مباشر ومتوسط المدى. ولاعتبارات عملية وموضوعية فأنني لن اتناول، في هذا التقييم الاولي، ردود الافعال التي طرحت خارج الاطر الرسمية الامريكية.

فمن ردود الافعال المباشرة وعلى قدر تعلق الامر بالعراق قيام الادارة الامريكية، بعد يومين فقط من توقيع البرنامج الصيني الايراني، بتجديد وتمديد استثناء العراق من ممارسات الضغوط القصوى الامريكية على ايران من 45 الى 120 يوما. يترتب على هذا الاستثناء امرين ايجابيين لكل من العراق وايران: الاول ضمان استمرار تجهيز الغاز الايراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية التي يعاني العراقيون من شحتها خاصة والصيف القاسي على الابواب، والثاني قيام العراق بتسديد مستحقات ايران المتراكمة عن استيراد الغاز والطاقة الكهربائية (التي تشكل حوالي ثلث انتاج العراق للطاقة الكهربائية) حيث ورد مجموع تلك المستحقات في موازنة 2021 حوالي 1688 بليون دينار.

اما رد الفعل الثاني فهو اسراع الادارة الامريكية الحالية بعقد جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين والتي بدأت في 7 نيسان الحالي وتتعلق بشكل اساسي بقضية بقاء القوات الامريكية في العراق والاتفاقية الاطارية الاستراتيجية التي وقعت في كانون اول 2008 بين العراق والولايات المتحدة الامريكية. (تواجه هذه الاتفاقية وما يتصل بها معارضة شديدة وتحديات كثيرة ومهمة ومؤثرة وقانونية وقضائية، خاصة بعد قيام ادارة ترامب باغتيال شخصيتين قياديتين لهما وزن كبير وهما ابو مهدي المهندس- العراق و قاسم سليماني-ايران، في 3 كانون ثاني 2021 قرب مطار بغداد. لا يتسع المجال في هذه المدخلة الخوض في هذا الموضوع المعقد).

من الجدير بالذكر ان محور الطاقة هو احد المحاور الثمانية التي تضمنتها هذه الاتفاقية الاطارية، علما ان الجولة السابقة للجنة العراقية الامريكية لتنسيق التعاون في مجال الطاقة التي عقدت، افتراضيا عن بعد، في 18 كانون ثاني من هذا العام كانت شكلية ومختصرة ولم تتضمن اية قضايا مهمة او انجازات مؤثرة او جديدة؛ ولذلك لم تنال اي اهتمام من قبل وسائل الاعلام الداخلية والخارجية. فهل يؤثر البرنامج الصيني الايراني على بعث الحياة في وجدّية التعاون العراقي الامريكي لمصلحة قطاع الطاقة في العراق؟؟ سنرى!!!

داخليا، في الولايات المتحدة الامريكية، ستتحدد ردود فعل الادارة بتأثيرات ثلاثة اتجاها اساسية: الاول، اتجاه متشدد يدعو الى مواصلة سياسة الضغوط القصوى التي اتبعها ترامب من اجل توسيع نطاق الاتفاق مع ايران ليشمل تهديدات ايران غير النووية. يتبنى هذا الاتجاه بوب منديس (ديموقراطي) و لندسي كراهم (جمهوري) وعبر عنه في رسالة موجهة الى الرئيس بايدن موقعة من 43 من اعضاء الكونكرس منهم 28 من الجمهوريين و14 من الديمقراطيين و المستقل انكوس كنك.

الاتجاه الثاني يدعو الى تبني اسلوب الامتثال المتبادل ويؤكد فشل سياسة الضغوط القصوى التي اتبعها ترامب. يتبنى مثل الموقف عضوي الكونكرس الديمقراطيان كرس ميرفي وتم كين.

اما الاتجاه الثالث الذي برز مؤخرا فيمثل المؤسسة العسكرية/ وزارة الدفاع (البنتاكون) ويدعو الى سرعة الاتفاق لان البديل هو قيام ايران بصنع القنبلة النووية والحرب.

يبدو ان الاتجاهين الثاني والثالث متأثران بالعامل الزمني (المرتبط بالانتخابات الايرانية) وهذا ، ما يبدو ايضا، ما يدفع مناقشات فيينا الحالية (ضمن اللجنتين التي تم الاتفاق على تشكيلهما) على التحرك بسرعة للعودة الى الاتفاق. المؤشرات مشجعة والتفاؤل الحذر سيد الموقف؛ تجارب المفاوضات الدولية تؤشر على احتمالية ضهور مشكلة/حالة عنق الزجاجة عند المراحل النهائية للمفاوضات.

دول الخليج العربي: اهم ردود الفعل جاءت من السعودية وذلك بعد زيارة وزير الخارجية الصيني اليها مع كل من الامارات و البحرين وعمان. فقد صرح الرئيس التنفيذي لأرامكو ’بان الشركة ستعطي الاولوية لأمن الطاقة في الصين على مدار الخمسين سنة القادمة وما بعدها’.

من الناحية التحليلية لا يمثل هذا التصريح موقفا سلبيا تجاه البرنامج الصيني الايراني من جهة ومن جهة ثانية فانه يتكامل مع ايران في ضمان الطاقة للصين، ومن جهة ثالثة يفسح المجال للصين ان تلعب دور الوسيط الموثوق للتقارب بين ايران والسعودية او المدافع المزدوج عن كل طرف من اعتداءات الطرف الاخر لضمان مصادر تجهيزات الطاقة لها.

ولكن موقف السعودية هذا غير ممكن (او غير مسموح به امريكيا) في حال توتر العلاقات، عالي الاحتمالية، بين الصين وامريكا اذا ما نفذت الاخيرة ما ورد في وثيقة/ استراتيجية الامن القومي المؤقتة لإدارة بايدن التي اعلنت قبل عدة اسابيع.

روسيا: افاد وزير خارجية روسيا لافروف عندما سؤول عن البرنامج الصيني الايراني بان الصين ’منافس نزيه’. وقد اشارت معظم التحليلات الروسية التي اطلعت عليها على تكامل الدور الصيني الروسي في منطقة الشرق الوسط من جهة ومن جهة ثانية مواجهة توجهات بايدن ضدهما والتي ساهمت، مع تصريحات ترامب السابقة، الى تكثيف مشاعر ما يمكن تسميته بالفوبيا الثنائية: رسيافوبيا والصين فوبيا داخل امريكا وخارجها.

رغم ذلك تتكاتف جهود الصين وروسيا لإنجاح محادثات فيينا واذا ما تحقق ذلك فسيكون من العوامل المهمة في سرعة تنفيذ البرنامج الصيني الايراني. وفي نفس الوقت هناك احتمالية جيدة لتوقيع برنامج مماثل، ولكن بشمولية اقل لاعتبارات مالية روسية، مع ايران. وستعمل روسيا في تسهيل وتسريع انضمام ايران الى منظمة شنغهاي حيث ورد في البرنامج “دعم الصين النشط للعضوية الكاملة [لإيران] في منظمة شنغهاي للتعاون”.

كما تؤيد روسيا استخدام العملات الوطنية (بدلا من الدولار) في التعامل التجاري والاقتصادي بين الدول وهذا ايضا ما تضمنه البرنامج الصيني الايراني. ومن التطورات الاخيرة في هذا المجال دعوة الرئيس التركي اردوغان عقب افتتاح مؤتمر مجموعة الثمانية الاسلامية (في 8 نيسان الحالي) الى اعتماد العملات الوطنية في التعامل بين دول المجموعة.

 

ملاحظات ختامية

في ضوء التحليل اعلاه اعتقد ان البرنامج يستند على ويمتلك العديد من عناصر القوة (الذاتية والموضوعية) التي لو استخدمت بشكل جيد ستساهم في فتح وتحقيق عدد كبير جدا من الفرص على امتداد الاقتصاد الايراني وقطاعات المختلفة، وخاصة ما يمكن ان اطلق عليه الاقتصاد الحقيقي المعرفي الذي يعتمد على المعرفة وتكنولوجيا المعلومات المتقدمة. كذلك ارى ان امكانيات طرفي الوثيقة تؤهلهما لتوفير متطلبات تنفيذ البرنامج. إلا انني اعتقد ان البرنامج سيواجه تحديات عديدة جدية، داخلية وخارجية، قد تؤثر على حسن تنفيذه وتقزم حجمه وبالنتيجة على طموحات الطرفين منه. لذا ارى، وخاصة بالنسبة الى ايران، ان تطور آلية تشخيص التحديات بشكل موضوعي واقعي نوعي وتحديد اجراءات ووسائل معالجتها.

اعتقد ان اسناد مهمة متابعة تنفيذ البرنامج الى وزارتي الخارجية في كلا البلدين مهمة ولكنها غير كافية. قد يكون لدى الصين آليات متابعة جيدة بحكم علاقاتها وتجربتها مع عديد من الدول ضمن مبادرة طريق الحزام، ولكن بالنسبة الى ايران اعتقد انه من المفيد جدا والضروري كذلك عدم الاكتفاء بقيادة وزارة الخارجية لإدارة وتنفيذ البرنامج حتى مع التنسيق مع وزارة الاقتصاد والمالية الايرانية، كما ورد في وثيقة البرنامج.

ان حجم وشمولية ومدة وتباين المكونات النوعية لمشاريع البرنامج تحتم، على ايران خلق الاطار المؤسسي والقانوني المتخصص للبرنامج ويتضمن تشكيل الهياكل التنظيمية المطلوبة ومهامها ودور كل منها وفق التسلسل الهرمي التنفيذي من مستوى المشروع الى المستوى القطاعي الى المستوى الوزاري وصولا الى المستوى السيادي (وزارة الخارجية).

تحتل مسألة الشفافية الفاعلة اهمية فائقة لأنها من جهة ضرورية لكسب الدعم المجتمعي للبرنامج ومن جهة اخرى لمكافحة الفساد والاستغلال في تنفيذ مشاريع البرنامج.

وبسبب طول فترة سريان البرنامج لابد من توفير الحماية القانونية للبرنامج من التغيرات السياسية الداخلية بحكم الانتخابات الدورية التي قد تفرز حكومات ذات اتجاهات غير داعمة للبرنامج.

على المستوى الجيوسياسي نشهد حاليا بعض الشواهد، اقليميا ودوليا، التي تعكس الاهمية التكتيكية لتوقيت توقيع وثيقة البرنامج ومن المحتمل جدا ان تبرز في الاسابيع القليلة القادمة مؤشرات وشواهد اخرى بنفس الاتجاه. ان تزايد عدد الشواهد وتسارع ظهورها مؤشر مهم على احتمالية ان يكون لهذا البرنامج تأثيرات استراتيجية بالغة الاهمية لكل من الصين وايران خاصة في منطقتنا العربية .. لو نقذ البرنامج بشكل جيد وكفوء ووفق الاطار الزمني والالتزام بمبدأ المنافع المتبادلة المتكافئة المتساوية لكل دول المنطقة التي ورد ذكرها في وثيقة البرنامج وليس للصين وايران فقط.

 

النرويج

10 نيسان 2021

 

*SCOR يرمز الى الكلمات الانكليزية Strength- Challenges- Opportunities- Requirements وهو باختصار شديد اسلوب يتضمن التقييم الموضوعي لعناصر القوة في والداعمة للبرنامج وانواع التحديات التي تواجهه وكيفية معالجتها ومختلف الفرص التي يخلقها او يساعد على خلقها البرنامج واخيرا تحديد كافة المتطلبات الضرورية لتنفيذ وانجاح البرنامج. ولأجل ان يكون استخدام سكور مفيدا لابد ان يتناول الجوانب الذاتية، المتعلقة بذات وثيقة البرنامج من نواحي الوضوح والدقة والتناسق ..الخ، والجوانب الموضوعية المؤثرة على تنفيذ البرنامج.

 

** لم استطع الحصول من المركز على صورة النسخة التي تمت ترجمتها ولا معرفة لغتها ان كانت فارسية او انكليزية وهل كانت نفس النسخة التي تم توقيعها مؤخرا ام مسودة عام 2020. لغاية تاريخه لم استلم رد المركز وعليه سأتحفظ على ذكر اسم المركز تجنبا لأية اشكالات قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية وذكر مصدر المعلومة.

أحدث المقالات