المنطقة الخضراء، تعصف بها الشعارات الشعبية، تهتز جدرانها بأصوات المتظاهرين، أعادت الى الأذهان ذكرى أحداث الشعبانية عام ( 2007)، كان وقتها دماء منتسبي العتبات مهدورة، وأرواحهم محللة للقتل، بفتوى الزعيم (مقتدى الصدر)، مقتنيات وممتلكات العتبات باتت غنيمة تلك الحرب، كما فتحت خزائن البرلمان، وممتلكاته اليوم، أمام المتظاهرين، وبفتوى الزعيم نفسه.
صورة التعدي، على بعض النواب بالضرب والإهانة، وتبجيل وحمل الأخرين على الأكتاف بالأهازيج والفرح، أعادت الى الأذهان، حادثة النجف الدموية، والذكرى المأساوية، لإغتيال السيد (عبد المجيد الخوئي)، وقتله وإهانته ميتاً، بالتمثيل بجثته في شوارع النجف، وبفتوى الزعيم نفسه.
السفارة الأميركية، في المنطقة الخضراء، وبسبب ضجيج المتظاهرين، إستيقضت من ساعة نومها وراحتها، مما أوجب على التيار الصدري، أن يغني لها أغنيتها المفضلة، ( إيران بره بره)، و يعيد لها غفوتها الأمنة من جديد، وعلى مسمع من السفارة السعودية، التي كانت هي الأخرى تطرب لمغنية الحي الصدري .
سليماني؛ الحليف الأبرز للشيعة في العراق، على الصعيد الشخصي والدولي، شعارات المتظاهرين الصدريين تشق مسامعه بالطرد والإساءة إليه، في حين يقود بنفسه معارك ضاريه في العراق، يكاد يشق صدره الرصاص، وبنفس الوقت يقود المظاهرات الصدرية رجال البعث، وفلول داعش، التي أكلت وشربت من أجساد شباب سرايا السلام، والفصائل التابعة للتيار نفسه.
الجمهورية الإيرانية؛ وعلى مقربة من الأحداث، تشخص هتافات التيار الصدري ضدها، وتفتح أجوائها بنفس الوقت، لإدخال زعيم التيار الصدري قبتها، في وقت مشحون، ملؤه الإستغراب والتساؤلات، التي سيطرحها الساسة الإيرانيون، على السيد الصدر، وهل سيجيب كبير الأصنام؟ وأنى يخفي الفأس عنهم؟
بعد ما تقدم من فقرات، وما ذكرناه من أحداث على الساحة الصدرية، بقي أن نشخص سياسة التيار الصدري، في عدة أجوبة، ينتابها الغموض، لأنها بحاجة الى أسئلة لكي تفهم.
إيران؛ تتحول الى دولة غير مرحب بها صدرياً، لماذا يسافر لها مقتدى الصدر إذن؟.
سليماني؛ رجل فاسد، هل وجدتم في رجال البعث الذين يقودون مظاهراتكم رجلاً مصلح؟.جمهورية إيران؛ هي عدو العراق، هل صارت إيران الشيطان الاكبر وأمريكا حليف ملائكي؟.التيار الصدري ضد المفسدين( شلع، قلع)، هل نائب كتلة الفضيلة مفسد ونائب كتلة الأحرار مصلح؟.
لعل التساؤلات وأجوبتها، كشفت زيف الإصلاح، الذي يدعو له الصدر، بشعارت شعبية ركيكة، وأعطت الأحداث الأخيرة، صورة عن سياسة التيار الصدري لعام ( 2003) وهي نفسها الصورة لعام (2016)، حيث لم يستفد السيد (مقتدى الصدر)، من التجربة السياسية، التي قضاها في الحكومة العراقية، وداخل التحالف الوطني، لكن الذي لا يمكن إنكاره على التيار الصدري، غالبية أنصاره ينظرون له بنظرة الربوبية، والإنصياع التام لأوامره، تشبها بمبدأ ( أطع الحاكم وإن كان ظالماً) وهذا ما خلد بقاءه الى الأن.
وأخيرا؛ وقبل أن نطوي صفحة هذا المقال، لابد من تشخيص المرض، الذي أوصل سياسة التيار الصدري، الى هذا الإنحراف السياسي، وبتشخيص المرض، يمكننا معرفة الدواء، ولعل السبب يكمن في نقطة جوهرية واحدة، وهي غياب المرجعية الدينية والسياسية لهذا التيار، وعدم إعتماده على المرجعيات العليا، وإذا ما إستطاع التيار الصدري، التوصل الى مرجعية رشيدة، قادرة على إدارة الأمور ( سياسياً, ودينياً, وإجتماعياَ) إستطاع عندها إستئصال التخبط السياسي الذي عصف به مؤخراً.