22 ديسمبر، 2024 8:41 م

برلمانييون ام اعلاميون.. ظاهرة البرللاميين

برلمانييون ام اعلاميون.. ظاهرة البرللاميين

كل شيء فيها مختلف , دولة لا تشبه غيرها من الدول , وحكومة لا كغيرها من الحكومات , احزابها ليست لها من الحزبية الا الشعارات , ساستها ونوابها لا تجد لهم نضيرا لا في الضراء ولا في…الضراء , , حتى شمسها ليست غيرها من الشموس , فهي لا تميز الخيط الاسود من الابيض وان كانت في وسط السماء…. تلك خلاصة ما يعانيه عراق البوساء .
لقد ابلاها الله بنواب تراهم جلوسا في الاستوديوهات اكثر منه قعودا في مجلس النواب , يتنافسون فيها ايهم اكثر صياحا وزعيقا , وايهم يمليء الحوار ضجيجا , وكان مهمتهم اثارة المشاكل بين هذا الحزب وذاك , وخلق الفتن من لا شيء , يتصورون مخطئين ان الشعب انتخبهم ليصبحوا نجوما في الفضائيات.
المعروف بشكل عام ان مهمة البرلماني بعد وصوله الى البرلمان هو حل مشاكل الشريحة التي انتخبته , وتشريع القوانين التي تساعد في توفير الحياة الكريمة اليهم , الا في العراق .. فاول ما يفعله النائب بعد وصوله الى البرلمان هو عزل نفسه عن الشارع , لتقتصر حركته بين مكتبه وبين استوديوهات القنوات الفضائية , منطلقا الى عالم الاعلام , ليتحول من برلماني الى اعلامي , وتتحول وظيفته من حلال للمشاكل الى مثير لها , ولا يهمه ان كانت المشاكل تلك مذهبية ام قومية , بل ان يكون مطلوبا في الفضائيات التي تبحث عن الاثارة وال ( شوو) الاعلامي مقابل مبلغ مالي مجزي في كل لقاء , فتصبح ال(طشة) مبلغ هدفه , شانه في ذلك شان رواد التواصل الاجتماعي , وبذلك يتطرف البرلماني في طرح افكاره يوما بعد يوم ليرضي مزاج الفضائيات التي تستضيفه باحثة عن الاثارة وجذب المشاهد . فاصبحنا امام ظاهرة جديدة وكائنات جديدة في العراق يطلق عليهم ال( البرللاميين) , وقد تسببت هذه الظاهرة في هبوط لغة العملية السياسية بشكل عام .
وبمقارنة الظاهرة العراقية هذه بمثيلاتها ليس في العالم المتقدم وانما حتى في الشرق الاوسط سنرى ان العراق ينفرد بها , ففي كل الدول العربية لن تجد ظهورا اعلاميا لبرلمانييها كما هو الحال في العراق كما وعددا .
ولان اغلب هؤلاء البرلللاميين يكونوا حديثي عهد بالسياسة حال وصولهم للبرلمان مفتقرين للعمق السياسي والفكري المناسب فقد تسببوا بكبوات سياسية كثيرة للعراق , واغلب المشاكل السياسية في العراق منذ الالفين وخمسة ولغاية يومنا هذا كانت بسبب تصريحات اعلامية غير مسؤولة لهذا (البرللامي) او ذاك في هذه الفضائية او تلك , تسببت في فتن مذهبية او قومية دفع البلد ثمنها باهظا .
الانكى من ذلك ان الاحزاب العراقية استفادت من هذه الظاهرة وانجرفت معها , فتصورت ان البرلماني الافضل هو الذي يكون (…..) ه اطول من ربطة العنق التي يلبسها , وبدات ترشح لكتلها في البرلمان من يتوفر لديه موهبة ( الدردمة) و(البلبلة) و ( الزعبرة) بدلا من الخبرة السياسية والقانونية . وما زاد من خطورة ظاهرة (البرللاميين) هو ان الاحزاب استغلتها لتسويق الطروحات التي لا ترغب في تبنيها رسميا فتستخدمهم لتسويق تلك الطروحات دون ان يكون كحزب مسؤولا عما يطرحون .
لقد تجاوزت خطورة هذه الظاهرة نطاق السياسة لتتعداه الى ان يستغل (بعضهم ) تحولهم الى وجوه اعلامية (حتى بعد خروجهم من البرلمان), في ابتزاز هذا وذاك معتمدين على نفوذهم وعلاقاتهم بالوسط السياسي والاعلامي , وما حدث لاحدهم قبل فترة دليل على ذلك .
ان الحصانة البرلمانية التي يتمتع به هؤلاء تجعلهم في مامن عن اية مسائلة قانونية , فينطلق مثل الفرس الجامح متنقلا بين هذه الفضائية وتلك , لتسويق مواقف متطرفة تكون في اكثر الاحيان مدفوعة من الجهة السياسية التي ينتمي اليها , دون ان تكون هي المسؤولة رسميا عنها . واكثر سمة تتصف بها نقاشاتهم هي السب والشتم والكلام البذيئ الذي لا يرتقي الى مستوى البرلمان ومكانته , ما ادى بالنتيجة الى هبوط مستوى الاعلام العراقي الذي اصبح السب والشتم واللغة السوقية سمة طاغية فيه .
الامر لا يقتصر على الظهور الاعلامي في الفضائيات وانما حتى في الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي , فهناك فرق بين ما ينشره برلماني وما ينشره مواطن عادي , فالثاني يفتقر الى اية حصانة برلمانية ومن الممكن محاسبته حول كل ما ينشره سواء كان مسؤولا او مواطنا عاديا بعكس البرلماني الذي تكون منشوراته محمية بحصانته التي تمنع محاسبته عن اي موقف يتبناه .
ولان الضحية الاولى لهذه الظاهرة هي المواطن العراقي والمستفيد الاول منها هو الاحزاب , فان الجهات القضائية والجهات المسؤولة عن الاعلام العراقي مطالبة بتشريع قوانين تحد من هذه الظاهرة وتقتصر الظهور الاعلامي في الفضائيات على رؤوساء الكتل البرلمانية والمتحدثين الرسميين باسم الاحزاب فقط , ومنع الاخرين من الظهور في الاعلام او نشر مواقفهم في مواقع التواصل الاجتماعي , وذلك للاسباب التالية : –
1- لتهدئة الوضع السياسي العراقي واستقرار العلاقات السياسية بين الاحزاب والكتل .
2- مساعدة البرللامي نفسه في ان يكون مفيدا ويعود الى دوره البرلماني من جديد , ليركز على هموم المواطنين ومشاكلهم ويتواجد معهم , بدلا من التركيز على مواعيده في هذه الفضائية او تلك , فقسم كبير منهم يضحي بوقته كبرلماني من اجل وقته كاعلامي .
3- رفع مستوى الاعلام العراقي الذي هبط كثيرا واصبح يعتمد الاثارة وال( طشه) , واصبحت البرامج التي تعرض فيها صراع الديكة بين هؤلاء البرلللامين اكثر من البرامج التي تبحث في تحليل الوضع بشكل جاد وايجاد الحلول له كما في الاعلام العربي خارج العراق .
في حال اقتصار الظهور الاعلامي على من ذكرنا اعلاه , فان التصريحات الاعلامية ستكون اكثر مسؤولية واقل اثارة للوضع .