بذخ الحكومات : شبابٌ دائم

بذخ الحكومات : شبابٌ دائم

كلما ضاقت بي السبل وأشكل عليّ الراهن الملتبس، تأخذني ذاكرتي إلى نزهة في دهاليز كتب الأقدمين.. وها أنا اقترضُ من بطون تلك الكتب كلاما عن بذخ تلك العصور، اليوم اغترفتُ غرفتين واحدة من (صبح الأعشى) للقلقشندي، والغرفة الأخرى من (خطط المقريزي) صغتُ الغرفتين بأسلوبي، مراعيا الأمانة في صياغتي : كان الوزراء يعيشون حياة تتسم بالبذخ، الوزير يتقاضى أكبر المرتبات، راتبه الشهري خمسة آلاف دينار، بالإضافة إلى ما يُمنح لأولاده، وإخوته، وحاشيته من مرتبات تتراوح قيمتها بين خمسمائة ومائتي دينار، والوزير تصرف له من مطابخ القصر وخزائنه جاريا من الطعام الشهري في كل شهر تكفي مؤونته، وحاشيته، والقائمين على خدمته من الطعام والشراب، فكان يصرف ما قيمته ُ خمسمائة دينار كل شهر من اللحم، والحيوان، والتوابل، والفاكهة، بالإضافة إلى سلة الفاكهة، وعشر أرطال شمع كل يوم، وحمل ثلج كل يومين، والطريف أن هذا الجاري يحتفظ به الوزير حتى بعد عزله من الوزارة. وهناك توفير الملابس والعلاج، وتوفير الدواب التي يستخدمونها في تنقلاتهم، وكذلك تصرف لهم حاجتها من العلف والطعام، وكذلك أكفان من يموتون منهم، يضاف إلى ذلك ما يحصلون عليه في المواسم والأعياد من المنح والكساء للوزير ولزوجاته وأولاده، كان الخلفاء يغدقون على الوزراء الهبات السخية والإقطاعات، التي تدر عليهم دخلا كبيرا، فيعيشون في ثراء ، مما يجعلهم ينفقون ببذخ شديد. وبلغ الإثراء ببعض الوزراء، أن يقرضوا الخليفة الأموال للإنفاق على الجند وقت الأزمات الاقتصادية.. والبذخ لم يقتصر على الخلفاء والأمراء بل اشتمل الوزراء المقربين من الخليفة فقد كان لمثل هذا الوزير في قصره.. مطابخ خاصة له، ولضيوفه، ومطابخ لحاشيته، وآخر لغلمانه… يومها كانت الدولة تنفق على خزانة التوابل فقط ما يصل إلى خمسين ألف دينار سنوياً.
حين اسمع كلمة (ثراء) أو كلمة (بذخ) تظهر في شاشة ذاكرتي الكلمات التالية (فقر) (عوز) (ظلم) (تمرد) (سجن) (حرمان) وهذه الكلمات هي ليست صدى الثراء والبذخ، بل هي الصوت الحقيقي للكافة المسحوقة التي لا تملك من الملابس حتى الأسمال.
……………………………………
ما أشبه اليوم بالأمس والعكس صحيح أيضا، ما أشبه الأمس باليوم

أحدث المقالات

أحدث المقالات