معروف في علم الإجتماع أنّ الضّحيّة تحبّ جلد ذاتها، وهذا ما يجري في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، رغم أنّ شعبنا بقياداته وبأفراده ضحيّة للاحتلال، ومع ذلك فكلّ منّا يتّهم غيره ويعفي نفسه من المسؤوليّة، ونادر من يعترف منّا بخطئه مهما كان حجم هذا الخطأ! وإذا كنّا نجيد التّنظير حول الحرّيّات الشّخصيّة والعامّة، وحول حقوق الإنسان وغيرها، إلّا أنّنا لا نحسن ولا نجيد احترام هذه الحرّيّات وهذه الحقوق، وأنا هنا لا أبرّئ أحدا، ولا أتّهم أحدا، ولا أدافع عن أحد كائنا من كان، لكنّي أحاول أن أطرق جدران الخزّان؛ لعلّنا نخرج من مستنقعات نعيش فيها، وكثير منّا لا يرى أنّنا نغوص فيها لدرجة الغرق والإختناق. ولنأخذ أمثلة على ذلك في محاولة منّي للفت انتباه ذوي الشّأن من أصحاب القرار وأصحاب الرّأي من مثقّفين وحاذقين:
– فعلى سبيل المثال، هناك قانون يمنع المعلمّين من استعمال العنف الجسدي أو اللفظي ضدّ التّلاميذ، وهذا قانون حضاريّ سبقتنا إليه أمم كثيرة بسنوات، لكنّنا نفتقر إلى القوانين التي تحمي المعلّم والمدرسة والنّظام التعليميّ، لذا وجدنا طلابا وأولياء أمور يعتدون جسديّا ولفظيّا على معلّميهم، ويخترقون حرمات المدارس والجامعات، ووجدنا من يدافع عنهم. وفي المحصّلة هكذا أمور تساهم في هدم المؤسّسة التّعليميّة.
– كلنا يعلم أنّ المؤسّسة الأمنيّة الفلسطينيّة قامت لحماية الشّعب، وحفظ النّظام والأمن المجتمعي، ورأينا بأمّ أعيننا أو في وسائل الإعلام مجموعات من الأجهزة الأمنيّة تعتدي على أناس بطريقة همجيّة، وظهر من بيننا من هاجموا المؤسّسة الأمنيّة لدرجة اتّهامها بالعمالة، لكنّنا لم نجد من يبحث أو يكتب عن الأسباب التي أدّت برجال الأمن لاستعمال العنف ضدّ البعض، وتغاضى الجميع عن هذه الأسباب وفي مقدّمتها خرق القانون، وأنّ هناك أفرادا اعتدوا جسديّا ولفظيّا على رجال أمن، فهل هذا مسموح؟ وهل رجال الأمن أبناؤنا أم أنّهم غرباء عنّا، وهل منّا من يسمح للآخرين بالإعتداء عليه ولا يدافع عن نفسه.
– في وسائل إعلامنا موظّفون ومسؤولون غير مؤهّلين، أو هم متحزّبون بطريقة عمياء، ويتناسون أنّ وسائل الإعلام هذه ملك للشّعب، وبالتّالي يمتنعون عن نشر أخبار ومقالات بما فيها أخبار ومقالات أدبيّة لكفاءات وطنيّة لأسباب يعلمها المحرّر دون غيره. ولا يجد هذا المحرّر من يحاسبه على جهله ومزاجيّته أو يوقفه عند حدّه.
– كلّنا نعلم أنّ السلطة الفلسطينيّة سلطة الشّعب جميعه، وليست سلطة حزب أو فصيل معيّن، ويبدو أنّ بعض المسؤولين بعيدون عن واقع الشّعب، وما يدور في الشّارع، لذلك تجري تعيينات في مناصب رفيعة لا تعتمد الكفاءات، بل تعتمد المحسوبيّات والعامل الوراثي”التّوريث”، وهذا يخلق تناقضا بين الشّعب وبين القيادة، فهل تنتبه القيادة لذلك؟
وهناك وهناك أمور وقضايا كثيرة متناقضة وكلنا نشتم كلّنا في تحييد كامل للعقل وللمنطق، فهل ننتبه لذلك؟