معروف أنّ العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح، لكن بعض الدّول لا تطبّق هذه القاعدة، ومنها دول عربيّة تبني علاقاتها مع شقيقاتها العربيّة ومع غيرها لحفظ مصالح دول أجنبيّة ترعى الأنظمة الحاكمة. وقد يسجّل التّاريخ أنّ الأغلبيّة العظمى من الأنظمة العربيّة وباسم ما يسمّى الجامعة العربيّة قد قطعت علاقاتها مع سوريا، بناء عل تعليمات أمريكيّة إسرائيليّة منذ بدء حرب الإرهاب الكونيّة على سوريا في العام 2011، وليتها توقّفت عند هذا الحدّ بل تعدّته بكثير من خلال مشاركتها في تدريب وتسليح وتمويل قوى الإرهاب التي أسّستها أمريكا وإسرائيل لتدمير سوريا، العراق، ليبيا، لبنان وغيرها، وقتل وتشريد شعوبها، وألبستها عباءة الإسلام لتصطاد عصفورين بحجر واحد، أوّلها خدمة وتنفيذ المشروع الأمريكي “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسعيّ، وثانيها تشويه صورة الإسلام والمسلمين أمام الرّأي العام العالمي لمواصلة الحرب عليهم.
وزيارة عبدالله بن زايد وزير خارجيّة الإمارات لم تكن عفويّة أو بقرار “سياديّ” كما يحلو لهم وصف قراراتهم التي لم تكن يوما سياديّة. بل جاءت بتنسيق خليجي أمريكي اسرائيلي بسبب التّطوّرات التي استجدّت على المنطقة، منها انتصار النّظام السّوري وحلفاؤه على قوى الإرهاب، وصمود إيران أمام كل هذا الحصار والضّغوطات والتّهديدات الهائلة، هزيمة أمريكا في أفغانستان، عدم حسم الحرب على اليمن، واقتراب النصر لجماعة أنصار الله، كسر جزء من الحصار على لبنان من خلال وصول البترول الإيراني، ورفع الحصار عن وصول الكهرباء والغاز من الأردن ومصر. الاستعداد الأمريكي بسبب تراجع اقتصادها للإنسحاب من قواعدها في المنطقة وتسليم مهمة المحافظة على مصالحها لإسرائيل.
وسيسجّل التّاريخ أنّ الأنظمة التي طّبّعت علاقاتها مع اسرائيل وتحالفت معها أمنيّا وعسكريّا سواء بالسّر أو العلن، واعتبرت قرارات “التطّبيع” سياديّة قد شاركت في الحروب الامبرياليّة على شعوب ودول عربيّة، وقطعت علاقاتها مع سوريا في الوقت الذي افتتحت سفارات اسرائيليّة في عواصمها.
وزيارة عبدالله بن زايد لسوريا تأتي في إطار التّحضير لمؤتمر القمّة العربيّة الذي سيعقد في الجزائر في مارس القادم، والذي بات من المؤكّد أنّ سوريّا ستحضره، فهل تغيّرت سياسة المطبّعين وسياسة النّظام السّوري؟ وفي الواقع أنّ أيّا منهما لم يتغيّر، لكنّ كليهما يدرك التّغيّرات الإقليميّة والدّوليّة، ولكلّ منهما حساباته الخاصّة.
ولا بدّ من التّأكيد هنا على أنّ أمريكا لا تزال مستمرّة في سياستها الدّاعمة لإسرائيل في الأحوال كلّها، ومعاداتها للحقوق الفلسطينيّة والعربيّة، وتعمل على ترسيخ احتلال الأراضي العربيّة، لتكون يد اسرائيل حرّة طليقة في المنطقة العربيّة، وهذا بموافقة أنظمة عربيّة هي مجرّد وكلاء لأمريكا في المنطقة، ولنلاحظ مدى تردّي النّظام العربيّ الرّسميّ عندما طلبت أمريكا من اسرائيل أن تضغط على البرهان في السّودان كي يتراجع عن انقلابه العسكريّ، وكيف أنّ الجنرال حفتر في ليبيا قد أرسل ابنه لتل أبيب؛ ليطلب منها دعمه في انتخابات الرّئاسة، ليطبّع معها في حالة فوزه. وما التّغطية الإعلاميّة لمرحلة البغاء السّياسي العربيّ العلني إلا رسالة للشّعوب النّائمة بأنّ اسرائيل هي سيّدتكم وسيّدة حكّامكم والحديث يطول.