قرار السّلطة الفلسطينيّة بإعادة العلاقات مع سلطات الاحتلال الإسرائيليّ إلى ما كانت عليه قبل 19 أيار -مايو- الماضي، بذريعة أنّ الاحتلال أكّد على التزامه بالاتّفاقات الموقّعة يثير تساؤلات كثيرة منها: ما هي الإتّفاقات الموقّعة التي سيلتزم بها الاحتلال؟ وهل التزمت اسرائيل منذ نشوئها وحتّى يومنا هذا باتّفاقات مع العرب؟ وهل التزمت بأيّ قرار صادر عن الأمم المتّحدة بخصوص القضيّة الفلسطينيّة؟ وقبل هذا وذاك هل احترمت اسرائيل ومن ورائها أمريكا اتّفاقات أوسلو؟
وبعيدا عن الأسئلة الكثيرة فدعونا ننتبه إلى الضّغوطات الهائلة وفي مقدّمتها الحصار الماليّ، التي تتعرّض لها السّلطة الفلسطينيّة من الإخوة الألدّاء قبل الأعداء “الأصدقاء”، لكن هذا وغيره لا يعطي مبرّرا للتّراجع عن قرارات المجلسين المركزيّ والوطنيّ واللجنة التنفيذيّة والفصائل الفلسطينيّة بقطع العلاقات مع اسرائيل بعد “فصعة القرن” التي أملاها نتنياهو على الرّئيس الأمريكي ترامب، دون الرّجوع لمن اتّخذوا هذا القرار. وهل تراجعت اسرائيل عن مواقفها المعلنة باستمرار الإستيطان، وتهويد القدس؟ وهل اعترفت اسرائيل بحلّ الدّولتين؟ وهل تعترف اسرائيل بأنّ الأراضي المحتلة في حرب حزيران أراضٍ محتلة؟ وهل اسرائيل معنيّة بالسّلام حقيقة أم أنّها تعمل على تحقيق مخطّطاتها التّوسّعيّة والتي تتخطّى حدود فلسطين التّاريخيّة؟
ودعونا نعترف بأنّ قادة اسرائيل يجيدون بقدرة فائقة فنّ إدارة الصّراع؛ ليكسبوا الوقت لفرض وقائع على الأرض من خلال الإستيطان تحول دون إقامة الدّولة الفلسطينيّة، في حين أنّ الفلسطينيّين بشكل خاصّ والعرب بشكل عامّ يعتمدون على ردود الأفعال المستنكرة والشّاجبة، وعلى حسن نوايا “الأصدقاء الألدّاء”. وبدلا من استعمال المقدّرات والقدرات العربيّة لصالح الأمّة، والضّغط لإنهاء الاحتلال، فإنّ الأنظمة العربيّة في غالبيّتها خضعت للضّغوطات الأمريكيّة الإسرائيليّة للتّطبيع المجاني في مختلف المجالات مع اسرائيل المحتلة.
وبالتّأكيد فإنّ السّلطة الفلسطينيّة قد استجابت لضغوطات أنظمة عربيّة بعد انتخاب بايدن رئيسا لأمريكا، في خداع للذّات منها أنّ بايدن سيلبّي شيئا من المطالب العربيّة، علما أنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة منحازة بشكل سافر لإسرائيل، ومعادية بالمثل للحقوق العربيّة.
إنّ أيّ عودة للمفاوضات بين السّلطة الفلسطينيّة ودولة الاحتلال يتطلب اعتراف الأخيرة بأنّ الأراضي المحتلة عام 1967 أراض محتلة، وبالدّولة الفلسطينيّة بعاصمتها القدس الشّريف، وأنّ التّنازلات المجّانيّة للمحتلين لن تجلب إلا مزيدا من المستوطنات ومزيدا من الضّياع، بدلا من “تيتي تيتي مطرح ما رحتِ جيتِ”.