22 نوفمبر، 2024 7:13 م
Search
Close this search box.

بدون مؤاخذة الصّراع على القيادة والوطن ضحية

بدون مؤاخذة الصّراع على القيادة والوطن ضحية

سأبدأ مقالتي هذه بحكاية شعبيّة توارثناها أبا عن جدّ منذ عصر الجاهليّة وحتّى يومنا هذا، لتبيان مدى خطورة الإنقسام الحاصل على السّاحة الفلسطينيّة، تقول الحكاية:” يحكى أن تصادقت شابّتان كلّ منهما أبوها شيخ قبيلة، وبينما كانتا تتمزحان قالت إحداهما للأخرى:

قبرتِ أهلك.

فردّت الأخرى عليها: أسأل الله أن يكثّر شيوخ قبيلتك.

ففرحت الأولى بمقولة الثّانية، وعادت لأبيها تقول: هل تعلم أنّ ابنة الشّيخ الفلاني حمقاء؟

فسألها: وكيف عرفت ذلك؟

فسردت على مسمعه ما جرى معها ومع صديقتها، فامتقع وجه أبيها وقال لها:

بل أنت من تعشعش الحماقة في رأسك، ولم تفهمي ما قالته، فدعوتها بأن يكثّر الله شيوخ قبيلتك، دعوة ماحقة ستقضي على القبيلة إن تحقّقت.

فسألت البنت أباها: وكيف يكون ذلك؟ فأجاب: كثرة شيوخ القبيلة تعني انشقاقها، فكلّ شيخ سينشق بمجموعة، وبعدها ستحارب كلّ مجموعة الأخرى لتقضي عليها، وسيصبح من تبقّى منهم نهبا للقبائل الأخرى.”

وبالتّأكيد فإنّ شيوخ “قبائل” تنظيماتنا وأحزابنا الفلسطينيّة لم يسمعوا بهذه الحكاية، لأنّهم بعيدون عن هموم شعبهم، وإن سمعها بعضهم فإنّه لم يتّعظ من حكمتها، وهذا ما جرى -مع الأسف- وخاصّة في حركة فتح، كبرى التّنظيمات الفلسطينيّة، والعمود الفقري للحركة الوطنيّة، وهذا لا ينفي طبعا الصّراع في قيادات التّنظيمات والأحزاب الأخرى، لكنّه لم يأخذ صداه الإعلاميّ نظرا لصغر حجم هذه التّنظيمات.

ومن المعروف أنّ القيادات الطّليعيّة تبني سياساتها بناء على تلمّسها لقضايا وهموم شعوبها، فهل الإنشقاق في حركة فتح والذي برز بشكل جليّ من خلال القوائم الإنتخابيّة التي خرجت عن طوع قيادة الحركة؛ لتخوض إنتخابات المجلس التّشريعي بقوائم منفصلة عن القائمة المركزّية يجري لصالح الحركة ولصالح الوطن والشّعب أم من أجل المناصب؟ وهل ادّعاؤهم بأنّهم هم من يمثّلون فتح الحقيقيّة صحيح؟ فإذا كانت هناك أخطاء في الحركة فعلا فهم بحكم مواقعهم فيها شركاء في هذه الأخطاء، فلماذا لم يصحّحوها من خلال مواقعهم القياديّة في الحركة؟ وهل كانوا سينشقّون عن الحركة لو لم يحدّد موعد للإنتخابات التّشريعيّة؟ وهل لو تمّ اختيارهم في مقدّمة قائمة الحركة الإنتخابة كانوا سيلجأون إلى الإنشقاق؟ وهذه الأسئلة وغيرها كثير لا يعني الإنحياز لمجموعة ضدّ الأخريات بمقدار ما يعني الحرص على وحدة الحركة، وما تمثّله في مرحلة هي من أخطر المراحل التي تمرّ بها قضيّتنا وشعبنا. كنت أتمنّى على “الحردانين”، لو أنّهم طرحوا وجهة نظرهم وبرامجهم السّياسيّة التي دعتهم إلى الخروج عن طاعة تنظيماتهم، وبالتّأكيد فإنّ كلّ مجموعة ستطرح برنامجها الإنتخابيّ لاحقا والذي سيعجّ بالمزايدات والشّعارات الرّنّانة، دون الأخذ بعين الاعتبار مدى إمكانيّة تحقيق هذه الشّعارات. وبما أنّ “الحردانين” يزعمون حرصهم على الوطن وعلى الشّعب، وأنّهم “ديموقراطيّون”، فهل استفتوا الشّعب عن الكفاءات التي تمثّله حقيقة؟ أم أنّهم هم القادة الذين لم ينجب الشّعب مثيلا لهم؟ وهل قرأوا قوله تعالى:” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ريحُكُمْ”. وكان الله في عون شعبنا والحديث يطول.

أحدث المقالات