مع أنّ نسبة احتمال إجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في موعدها المحدد في 22 مايو القادم باتت ضئيلة، إلا أن الصّراع على المناصب على أشدّه حتى وصل إلى ما يشبه الفضيحة السّياسيّة والأخلاقيّة، وظهر هذا جليّا من خلال الإنشقاقات التّدميريّة التي ظهرت في حركة فتح التي تشكّل العمود الفقريّ للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وفي بعض قوى اليسار ولمنظّمة التّحرير.
وإذا كنّا نتّفق ولا نجادل في بدهيّات أنّ من حقّ كلّ مواطن فلسطينيّ أن يشارك في هذه الإنتخابات كمرشّح وكناخب، إلّا أنّ هذا لا ينفي حقّ الوطن والشّعب في أن يتمتّع ممثّلوه بالنّزاهة والكفاءة؛ كي لا تضيع قضيّتنا وحقوقنا في مرحلة خطيرة من تاريخ شعبنا وقضيّتنا، وهذا ما لا يتوفّر مع الأسف الشّديد في مبدأ الإنشقاقات غير المبرّرة، والتي أفرزت أشخاصا في غالبيّتها لا هدف لها إلا الوصول إلى مناصب؛ لتحقيق أطماع شخصيّة؛ وخدمة أجندات خارجية لتصفية القضية الفلسطينيّة في غير صالح شعبها، فلا يغترّ المواطن العاديّ بالشّعارات الرّنّانة التّضليليّة التي يرفعها البعض، ولا ينخدع ببعض الشّخصيّات التي جرى نفخها وتلميعها في وسائل الإعلام، والتي حان وقت نزولها لكسب ثقة المواطنين النّاخبين حسب تقديرات من ضخّموها، وتحضرني هنا قصّة أحد سجّاني الاحتلال من إحدى الطّوائف العربيّة، عندما وقف بشكل تظاهريّ في أواخر سبعينات القرن العشرين في سجن نابلس المركزيّ ضد زملائه السّجّانين الذي شاركوا في قمع الأسرى الذين احتجّوا على الأوضاع اللاإنسانيّة التي يعيشونها، واستطاع خداع الأسرى بموقفه المخادع، فصاروا يهتفون باسمه قائلين:” دمّك عربي يا حمدان”! ولاحقا تبيّن لهم أنّ حمدان هذا هو حلقة الوصل بين العملاء المدسوسين بين الأسرى فيستلم التّقارير منهم ويرفعها لمشغّليهم!
وإذا كان المنشقّون يرفعون شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد، فهل انتبهوا أنّهم كانوا في مراكز قياديّة، وبالتّالي فهم مشاركون في هذا الفساد؟ وإذا لم يستطيعوا وقفه فلماذا سكتوا عليه؟ ولماذا لم يفضحوا من يمارسونه؟ ولماذا ارتضوا البقاء في مناصبهم تلك؟
ويلاحظ أنّ بعض القوائم المنشقّة تحوي في صفوف قوائمها وفي مطابخها القياديّة فاسدين ومفسدين وسرّاق، فكيف سيصحّحون الأخطاء الموجودة؟ وهل فاقد الشّيء يعطيه؟ وهل يتساءل النّاخب الفلسطينيّ عن مصادر تمويل هذه الجماعات؟ والسّؤال الأكثر أهمّيّة هو سكوت الأجهزة الأمنيّة عن محاسبة هؤلاء حول مصادر تمويلهم، والتي تأتي في غالبيّتها من “كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجيّة” من أنظمة عربيّة دورها هو خدمة المشاريع الأمريكيّة والإسرائيليّة في المنطقة؟
ولا يحتاج من يتابع التّطوّرات على السّاحة الفلسطينيّة إلى كثير من الذّكاء للوقوف على الحقائق التي تكشف حقيقة من يجري إعدادهم ليكونوا قادة المستقبل المظلم، فوطننا صغير رغم كثرة الطّامعين به، وبلادنا مقدّسة لا يخفى فيها شيء، فهل ينخدع شعب الشّهداء شعب الجبّارين بمن سيبيعون الوطن والشّعب بأبخس الأثمان؟