18 ديسمبر، 2024 8:58 م

بدون مؤاخذة-الجنس الآري والحرباء

بدون مؤاخذة-الجنس الآري والحرباء

يفاخر العالم الغربي بإنسانيّته وعدالته وحفظه لحقوق الإنسان، ومساعدته للدّول والشّعوب الفقيرة، وإنقاذ المنكوبين وحتّى الرّفق بالحيوانات، وهذه دعاية استطاع بها من خلال طاحونة الإعلام الموجّه والهادف إقناع الشّعوب الأخرى بها، لذا بسبب التّطوّر الإقتصادي اللافت في الدّول الغربيّة، كنتاج للتّطوّر العلميّ الهائل الذي انعكس إيجابا على الصّناعة والابتكارات وغيرها، فقد أصبحت الهجرة إلى هذه البلدان واحدة من أمنيات الشّعوب التي أفقرها حكّامها الذين عيّنهم الإستعمار الغربيّ؛ ليكونوا سوطا بديلا له في قمع الشّعوب وتسويد الجهل المخطّط والمدروس، والذي من خلاله يستمرّ الدّمار والخراب في بلدانهم، يرافقه تضليل الشّعوب وحتّى تشويه معتقداتها، لزجّها في صراعات داخليّة وإقليميّة خدمة للسّيّد الآمر النّاهي، ومن ترويج الجهل والخرافة وتشويه الإسلام على سبيل المثال وجود حوالي 200 فضائيّة عربيّة تزعم أنّها إسلاميّة، ويديرها أصحاب عمائم ومحجّبات ومنقّبات تروّج للخرافة والشّعوذة والنّصب والاحتيال…إلخ، مع أنّها أبعد ما تكون عن الإسلام. ولم يبخل الإستعمار الغربيّ بتشكيل تنظيمات إرهابيّة تتلفع بعباءة الدّين الإسلامي المختطف من قبل حكّام السّلاطين.

ومنذ انهيار الأتّحاد السوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة في بداية تسعينات القرن الفارط، بدأ العالم الرّأسمالي بالبحث عن عدوّ محتمل، ورست سفنه على الإسلام والمسلمين ممثّلين بالعرب، وذلك طمعا في البترول العربيّ، ولموقعه الإستراتيجي، وللحفاظ على اسرائيل باعتبارها القاعدة العسكرية الأمريكيّة المتقدّمة في الشّرق الأوسط. فبدأت طاحونة الإعلام الغربيّ بشيطنة العرب والإسلام، واتّهمتهم ولا تزال بالإرهاب والكراهيّة. وشرعوا بالإساءة إلى المعتقدات والرّموز الدّينيّة بحجّة حرّيّة الرّأي.

من يكره الآخر؟ ومن يمارس الإرهاب حقّا؟

لو عدنا إلى تاريخ الألف سنة الأخيرة، سنجد أنّ ملوك أوروبا قد قادوا في القرن الحادي عشر الميلادي حربا على بلاد الشّام، أطلق عليها العرب حروب الفرنجة، في حين أطلق عليها الأوروبّيّون “الحروب الصّليبيّة”، لأنّهم رفعوا فيها الصّليب تحت شعار “تحرير القبر المقدّس” لاستغلال العاطفة الدّينيّة لشعوبهم، بينما كان هدفهم هو نهب خيرات المنطقة، والدّليل على ذلك أنّهم بدأوا بمهاجمة أنطاكية، وقتلوا فيها آلاف المسيحيّين العرب الذين تصدّوا للغزاة، وممّا جاء في ترجمة أمين المعلوف موجز الحروب الصّليبيّة عن اللغة الفرنسيّة أنّ مؤرّخا فرنسيّا عاصر تلك المرحلة شاهد جيوش الغزاة يدخلون قضيبا حديديّا في مؤخّرة طفل عربيّ مسلم ويخرجونه من رأسه ويشوونه على النّار، وعندما احتلوا القدس في العام 1099م قتلوا جميع سكّانها البالغ عددهم 70 ألفا في المسجد الأقصى الذين احتموا به. بينما تعامل معهم صلاح الدين الأيوبيّ بإنسانيّة عالية عندما حرّر المدينة في العام 1187م.

وعندما انتصر الأوروبّيّون على العرب والمسلمين عام 1492م في الأندلس”اسبانيا” أمعنوا فيهم قتلا بشكل جماعيّ، ومن لم يهرب منهم إلى المغرب لاقى حتفه، وهرب اليهود معهم ووجدوا الحماية والرّعاية من العرب والمسلمين تماما مثلما وجدوها منهم في الأندلس عندما لوحقوا من الأوروبيّين.

وعندما اكتُشفت القارّة الأمريكيّة في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وبدأت الهجرات الأوروبّيّة إليها، أمعنوا بحرب إبادة على مواطني البلاد الأصليّين”الهنود الحمر” وقتلوا منهم ما بين 70-100 مليون إنسان. واختطفوا مئات الآلاف من افريقيا السّوداء ليكونوا رقيق أرض للسّيّد الأبيض- عدد السّود الآن في الولايات المتّحدة حوالي 40 مليون-.

وعندما بدأت الغزوات الأوروبّيّة لإفريقيا وآسيا قتلوا ملايين البشر ونهبوا ثروات تلك البلاد تحت شعار ” تعمير وتطوير تلك البلدان!”

وفي الحرب الكونيّة الأولى تقاسمت بريطانيا وفرنسا الوطن العربيّ حسب اتّفاقيّة سايكس بيكو، في حين كانت ليبيا من نصيب ايطاليا. وأصدروا وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

والحضارة الأوروبيّة هي التي أفرزت الفكر النّازيّ الذي شنّ حربا على العالم تسبّب في قتل أكثر من 70 مليون إنسان وتدمير أوروبا ذاتها. وجيوش الحلفاء “المتحضّرون” اغتصبوا مئات آلاف النّساء الألمانيات عندما هزمت ألمانيا.

وفي زمن الانتداب البريطاني على فلسطين سهّلوا الهجرات اليهوديّة إلى فلسطين، وسلّحوا العصابات اليهوديّة، في الوقت الذي كان يعدمون فيه أي فلسطيني يجدون بحوزته رصاصة واحدة، وساهموا في العام 1948م بقيام دولة اسرائيل على 78% من فلسطين التّاريخيّة وشرّدوا حوالي مليون فلسطيني. وفي العام 1956م اشتركت بريطانيا وفرنسا واسرائيل في العدوان الثّلاثي على مصر. وفي العام 1957 زوّدت فرنسا اسرائيل بمفاعل نوويّ، وفي العا 1967 احتلت اسرائيل ما تبقى من فلسطين، وهضبة الجولان السّوريّة وصحراء سيناء المصريّة. وها هي أمريكا تعترف بالسّيادة الإسرائيليّة على الأراضي العربيّة المحتلّة.

وفي سنوات الإستعمار المباشر ارتكب المستعمرون مجازر شنيعة في العالم العربيّ، ففرنسا وحدها قتلت أكثر من مليون جزائريّ. وأمريكا التي سادت العالم بعد الحرب الكونيّة الثّانيّة شنّت ولا تزال عشرات الحروب الظّالمة في مختلف أرجاء العالم وقتلت ملايين البشر وشرّدت الملايين ودمّرت بلدانا وحضارات.

وهذه الدّول الإستعماريّة وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بريطانيا، فرنسا وحليفتهم اسرائيل يمارسون إرهاب الدّولة، في الوقت الذي يتغنّون فيه بالحرّيّة والدّيموقراطيّة وحقوق الإنسان. ويختلقون الأكاذيب لتبرير عدوانهم على الدّول والشّعوب الأخرى، وخير مثال على ذلك احتلال وتدمير العراق وهدم دولته وقتل وتشريد شعبه عام 2003 بناء على الكذب بزعم امتلاك العراق لأسلحة غير تقليديّة! ورفعوا شعار ” تحرير العراق من الدّكتاتوريّة”، لكنّهم فعلا “حرّروه” من حضارته العريقة، ومن وحدة أراضيه ومن انتمائه العروبيّ، وقتلوا أكثر من مليون عراقي وشرّدوا حوالي عشرة ملايين عراقي، وسلّموه للسّرّاق من أعوانهم الذين نهبوا أكثر من ترليون دولار في زمن حكومة المالكي وحدها، وغذّوا الطّائفيّة والتّناحر العرقي والدّيني فيه.

وعندما يتكّلمون عن الحرّيّة والدّيموقراطيّة وحقوق الإنسان، فإنّ تطبيقها لا يتعدّى حدود بلدانهم، وتتوقّف عندما تتعلّق بالشّعوب الأخرى، مع أنّ أمريكا تتعامل مع مواطنيها السّود كمواطنين من الدّرجة الثّانية على عكس ما ينصّ عليه الدّستور الأمريكيّ. وهم في غالبيّتهم العظمى يعيشون على هامش المجتمع الأمريكيّ.

وعندما يفرضون انتخابات ديموقراطيّة على شعب آخر، فإنّهم سرعان ما ينقلبون عليها إذا لم تكن نتائجها لصالح أعوانهم.

ومن يراقب سياساتهم الخارجيّة، فإنّه سيجد أنّ مقولة غوبلز وزير الإعلام النّازيّ:”اكذب حتّى يصدّقك الآخرون، ثمّ اكذب حتّى تصدّق نفسك” ليست خاصّة بالنّازيّين وحدهم، بل هي نظريّة سائدة في الدّول الإستعماريّة. والحديث يطول.