18 ديسمبر، 2024 11:08 م

بدون مؤاخذة التنسيق الأمني مثار تساؤلات

بدون مؤاخذة التنسيق الأمني مثار تساؤلات

لم يعد خافيا على أحد أنّ اسرائيل معنيّة بالتّوسع والاحتلال، والهيمنة على منطقة الشّرق الأوسط برمّتها، وهذا ما أقيمت اسرائيل من أجله، فهي تمثّل قاعدة عسكريّة للدّول الإمبرياليّة في المنطقة، لترعى وتؤمّن مصالح هذه الدّول وفي مقدّمتها أمريكا، ولهذا السبب فإنّ القانون الدولي ولوائح حقوق الإنسان، واتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، ومنع انتشار الأسلحة النّوويّة كلّها تتوقّف عند اسرائيل، ومن يقول غير ذلك فهو ارهابي ومعاد للسّاميّة. وبما أنّ القانون هو ما يفرضه القويّ على الضّعيف، أي أنّ “القوي عايب” كما تقول الحكمة الشّعبيّة، فأين الموقف العربيّ الرسميّ؟

واسرائيل الرّسميّة تفهم السّلام من خلال القوّة العسكريّة، وتفعل ما تريد دون أيّ اعتبار لأحد سواء كان قائدا أو دولة أو حكومة أو حزبا أو غير ذلك، ومن يعترض على ذلك بهدوء سيفهمه بالقوّة العسكريّة، وإذا ما واصل اعتراضه فإنّه سيفهمه بقوّة عسكريّة أكبر من الأولى، والدّولة الأعظم والأقوى في العالم”أمريكا” وحلفاؤها يقفون وراء اسرائيل ضمن خطط استراتيجيّة غير قابلة للمراجعة، فيدعمونها عسكريا وماليا ودبلوماسيّا وإعلاميّا…إلخ. والأنظمة العربيّة المتصهينة علنا أو سرّا تصفّق لذلك وتدعمه وتزيّنه لشعوبها، فما يهمّهم هو البقاء في الحكم، لذا فلم يكتفوا بالتّخلي عن قضيّة العرب الأولى وهي القضيّة الفلسطينيّة، بل تعدّوا ذك بكثير.

وإسرائيل التي نجحت في اتّفاقات أوسلو بتفريغ منظّمة التّحرير وفصائلها من مضمونها الذي تأسست من أجله، قتلت هذه الاتّفاقات واستغلّتها لتنفيذ سياساتها التّوسّعيّة، واستطاعت تضليل العالم في ربع القرن الماضي وهي ترفع شعار السّلام، لتكسب الوقت لفرض وقائع استيطانيّة وديموغرافيّة على الأرض الفلسطينيّة؛ تجعل إقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة أمرا خياليّا، وجلّ ما ستعطيه للفلسطينيين هو إدارة مدنيّة على السّكان وليس على الأرض، مع تحسين الظّروف المعيشيّة لفلسطينيي الأراضي المحتلة، وهذا ما يسمّى الحلّ الإقتصادي! وهو بالتّأكيد حلّ مؤقّت في انتظار الظروف المناسبة التي قد تكون على شكل حرب اقليميّة لتنفيذ سياسة التّطهير العرقي.

التّنسيق الأمني

لا يقتصر التّنسيق الأمني الذي أفرزته اتّفاقات أوسلو على “التنسيق الإستخباراتي” فقط كما يتبادر لذهن البعض للوهلة الأولى، فنظريّة الأمن الإسرائيلي تشمل كل مناحي الحياة، فالإستيراد والتّصدير يحتاج إلى تنسيق أمنيّ، ونقل مريض في سيّارة إسعاف من المناطق إلى مستشفيات القدس مثلا بحاجة إلى تنسيق أمنيّ، وحتّى انتقال السّيّد الرّئيس من مدينة إلى أخرى أو سفره إلى الخارج أو عودته يحتاج الى تنسيق أمني، ونقل الأدوية والموادّ الغذائية وغيرها الى قطاع غزة يحتاج إلى تنسيق أمنيّ….إلخ.

لكن ما يستدعي التّوقّف عنده هو التّنسيق الإستخباراتي، فهل هو تنسيق متبادل أم إعطاء أوامر من الطّرف الأقوى؟ وإذا كان التّنسيق الإستخباراتي ضروريّ من “أجل ضمان الأمن الاجتماعيّ” كما يزعم الإسرائيليّون! فهل الأمن الشخصي والجمعي للإسرائيليّين وحدهم دون الفلسطينيّين؟ وإذا كان الأمن متبادلا فلماذا تقوم اسرائيل بمصادرة الأراضي الفلسطينيّة واستيطانها؟ ولماذا يطلقون أيدي قطعان المستوطنين ويوفرّون لهم الحماية لقتل الفلسطينيّين والتّنكيل بهم، والإعتداء على أراضيهم وبلداتهم ومزروعاتهم، وقطع وحرق الأشجار والإستيلاء على أراضيهم تحت حماية الجيش والأذرع الأمنيّة المختلفة؟ ولماذا يستبيح الجيش والمخابرات والمستعربين الإسرائيليين المدن والبلدات والمخيّمات الفلسطينيّة؟ ولماذا يُقتل الفلسطينيّون بمن فيهم الأطفال والنساء بشكل شبه يوميّ؟ ولماذا تنتهك حرمات الأماكن المقدّسة وفي مقدّمتها المسجد الأقصى بحماية قوى الأمن الاحتلاليّة؟ والأهمّ من ذلك كلّه هو وجود الاحتلال العسكريّ الذي يمثّل أبشع أنواع ارهاب الدّولة، وهل عدم اعتراف اسرائيل أنّها دولة محتلّة يتوافق مع القانون الدّوليّ؟ وكيف يمكن التّحالف عربيّا مع دولة تحتلّ أراضي عربيّة؟ وكيف يمكن السّكوت على دول عظمى واعتبارها صديقة وهي تدعم هذا الاحتلال لتكريسه؟ هذه أسئلة وغيرها كثير بحاجة إلى أجوبة مقنعة للمواطن الفلسطينيّ بشكل خاص والعربيّ بشكل عام. والحديث يطول.