القسم الأول
بعد إحتلال القوات الأجنبية الغاشمة للعراق سنة 2003 ، إختلطت الحالات وتنوعت المفاهيم وإنعكست إلى أضدادها إنقلابا مشينا ، ففي كل معاني ومقاصد الأحرف والكلمات ، لم يعد هنالك عنوان ذو دلالة وجلالة يستحق الإشارة فيه لشخص أو كيان إلا في الجزئيات ، بغض النظر عن قيمة المضمون ومحتوى الأوليات ، فمصيبتنا في ديننا ودنيانا تتسع في كل يوم ، ولا يجمعها إسم ولا جوهر ذو فرقان ، فقد زرعت قوات الإحتلال وأعوانها في قلوب مرضى النفوس والعقول ما لم تعتمده دولهم لديها من المفاهيم والآراء ، ومنها صناعة الفوضى الخلاقة التي لا زالت تنتج ( وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا ) ، فأصبح جل دعاة الإصلاح والتغيير من الجهلة والفوضويين غير المهنيين ، السادرين في غيهم وغفلتهم لتسويق بضاعتهم الفاسدة والكاسدة إلى حيث الهلاك المحتوم ، غير آبهين لما ينتظرهم من نتائج الفاجعة الكبرى ، يطالبون بتغيير الدستور ومعظمهم لم يقرأ سطرا منه ، ولا يعرفون السبيل المؤدي إلى تبني المشروع الدائم المناسب والبديل ، حتى بلغنا حد أن يكون لنا في كل عهد دستور جديد ، وعلى وفق توجهات الأمزجة والأهواء والمصالح الحزبية والشخصية الآنية يكون لنا قانون آخر وجديد ، فلم تتعلم عناصر السلطات السياسية والحزبية غير فنون الكذب والتلاعب بالألفاظ وخلط الأوراق . وعدم إحترام القوانين بعدم التطبيق الصحيح والسليم ، وآخرها فرض ضريبة الدخل على رواتب المتقاعدين بنسب متصاعدة ، بعدما روجت لإتباع وسيلة الإدخار الإجباري من رواتب العاملين والمتقاعدين ، التي إنتهت بعد ساعات من التنفيذ بإعادة المستقطعات ، كما لم تتعلم عناصر العموم من الناس غير السعي وراء سراب وأوهام إمكانية ما تنتجه شعارات التظاهرات وهتاف ومزايدات الدخلاء ، ولغو المهرجين وخطابات الملوثين بمحتويات القُمَامَة الحزبية والسياسية إلى حين .
*- فحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل التي كفلتها الدولة نظريا بما لا يخل بالنظام العام والآداب دستوريا غير ناضجة ، وقد تحولت إلى الرأي والرأي الآخر دون مراعاة قيود الإختصاص ، لتجد معظم المتحدثين اليوم عن كورونا ليسوا من الأطباء ، الكل يتكلم بعلوم الإدارة والقانون والهندسة والإقتصاد وغيرها ، والكل سياسي مفتوحة له كل أبواب الحوارات جدلا وصراعا لا ينتهي إلا بعدم الإتفاق ، وأبسط القول لحسم أي خلاف شتم وقذف وطعن للمخالف من غير عذر أو حياء ، وتلك من مخلفات الذيول والأتباع ، المتميزين بسوء الخلق والآداب ، الذين لا حياة حرة كريمة لهم ، ولا تأريخ ناصع ونقي يفتخرون به ، لإختيارهم ربط وجودهم بحزب زائل أو بسياسي منقرض ليس له من أثر حتى بين قبور الأموات ؟!. ذلك لأنهم لا يقرأون ، ويفرقون ويميزون بين الحكام على وفق صيغ وأساليب المهرجين من الجهلة والسذج المتخلفين ، أبناء ومواليد أزقة العفن والهجين ، وقد يكونون من ورثة ثقافات أحزاب بالية كانت ولا تزال تملى عليهم ، وكانوا إليها ينتمون أو لها مؤيدون ، حتى لا يتعلموا كيف تدار شؤون الدولة ، ومنها تشريع القوانين التي لها يخضعون ؟!. وفي كل عهد ولكل حاكم فيه يصفقون ؟!. وإن أعلنوا معارضتهم له لا يعرفون ولا يدرون لأي شيء يرفضون ؟!. وما عليهم بعد البلاء إلا إبلاغ مسؤوليهم إن كانوا لما يكتبه المهنيون الخلص يعرفون ؟!. لأن محاربة الجهل والدناءة أولى من معارضة حاكم فاشل وفاسد ، كانوا له يوما مشاركين ؟!.
*- ومن أكثر المواضيع شيوعا مفاهيم الفصل بين الدولة والحكومة وسلطاتهما ، وما كان ذلك إلا لغايات التخريب ببعثرة وعدم تماسك قواتهما ، بغية سهولة النيل منهما منفردين أو مجتمعين بدون عنوان جامع وسليم ، رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفين في عموم الكلام . فالدولة وإن كانت أكثر إتساعا ، إلا إن الحكومة جزءا منها وأداتها في التنفيذ بقوة سوط سلطاتها متعددة الصلاحيات . وهي عقل الدولة وإن كانت مؤقتة بطبيعتها ، على فرض تعاقب الحكومات بالتداول السلمي للسلطة بالإنتخابات ، وعندما يتعرض نظام الحكم للتبديل أو التعديل ، فمن البديهيات وجوب إستمرار النظام العام الأوسع والأكثر إستقرارا ودواما ، على هيأته المتمثلة بالدولة وقانونها الأساس . ولكن بغير الصيغ والأساليب والوسائل التي ألفناها ، وأبشعها خبثا وإنحرافا ما جرت به مقادير إدارة حكم البلاد بعد الإحتلال ، ولأن السلطة الطبيعية التي تمارسها الدولة مجردة من عوامل الشخصنة ، فإن أسلوب إختيار موظفي تشكيلات الدولة وتدريبهم ، يوجب جعلهم محايدين سياسيا وملتزمين مهنيا ، تحصينا لهم من التداعيات السلبية للتقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير التوجهات السياسية للحكومات . وعدم تعرضهم للإهانة الشخصية من أجل المحافظة على هيبة ووقار الدولة لازمتي الإستمرار ، وليس من أجل شخوص الفشل أو الفساد التي إرتضت لنفسها الدنيئة إحتلال مواقع الحكومة في غفلة من الزمن ، أو بعد إستئصال رموز الكفاءة والخبرة والنزاهة في جميع المجالات ، وعليه لا يجوز لبعض العناصر المحسوبة على إحدى مجاميع الحراك المدني الشعبي المستقل ، ممارسة إهانة الموظف بإجباره على تقديم طلب إستقالته خلافا للقانون ؟!. وتحت تأثير قوة السلاح المنفلت بالتهديد والإرهاب ؟!.